جهينة نيوز
اهتمت صحيفة تشرين في عددها الصادر اليوم السبت 21 تموز 2018 بما تبذله الحكومة لاعادة الاموال والاستثمارات الخارجة من البلد وقالت في تحقيق نشرته : مع بدء انتهاء الأزمة في سورية، جهود حثيثة تبذلها الحكومة اليوم، بهدف إعادة الأموال والاستثمارات الخارجة من البلاد خلال سنوات الحرب، مبدية الاستعداد لتذليل الصعاب، في المقابل يطمح المستثمرون الراغبون في العودة بسقف أعلى من الامتيازات والإعفاءات وخاصة متضرري الحرب منهم .في الوقت الذي يرى فيه البعض ضرورة الخروج عن الاسطوانة التقليدية لجذب الاستثمار وخلق أدوات ووسائل جديدة تتناسب مع مرحلة جديدة، فما الذي يريده المستثمر الراغب بالعودة بالتحديد؟ وماذا في جعبة الحكومة يمكن تقديمه ويفتح شهية العودة ؟
الصناعي عمار صباغ تعرضت كل معامله ومنزله في حلب إلى الدمار فخرج إلى مصر بهدف متابعة أبنائه دراسياً ولوجود فرصة عمل معتمداً على سمعة شركته كأكبر شركة نسيج في العالم يقول: بعدما تحررت منطقة الشيخ نجار عدت لإصلاح مايمكن إصلاحه وتشغيل جزئي لإحدى المنشآت الموجودة هناك أما في الليرمون فقد كان المعمل منهوباً ومدمراً بالكامل، مؤكداً أن الدعم الحكومي وتأمين الظروف المناسبة هو الكفيل الوحيد بتسريع عودة الاستثمارات ورؤوس الأموال التي هاجرت خلال الأزمة، لأن الصناعي العائد ربما لايهمه تحقيق أرباح طائلة لكن في الوقت نفسه لايريد الخسارة، و هناك صناعيون يعملون في مصر قبل الأزمة بكثير يرغبون بالعودة الآن.
أما الدكتور حيان البرازي صاحب شركة في مجال التطوير العقاري ويعمل في مصر بهذا المجال قبل الأزمة فأشار إلى وجود استعداد لدى الحكومة لتذليل كل الصعوبات وبأن الشركات الموجودة في الخارج لديها خشية من العودة للاستثمار بسبب الوضع الأمني والاقتصادي وتقلب سعر الصرف، موجهاً الدعوة لهذه الشركات للعودة وأن الواقع اليوم أفضل بكثير ومرحلة العمل في سورية بدأت.
جهود صناعية
خلدون سكر أمين سر غرفة صناعة حلب أشار إلى أنه بعد تحرير حلب تمت دعوة رؤوس الأموال والاستثمارات التي تم تهجيرها بفعل الإرهاب لإعادة إقلاعهم وعودتهم إلى منشآتهم المدمرة ومنذ حوالي /6/ أشهر التقينا صناعيين خرجوا أثناء الأزمة ورجال أعمال مهاجرين إلى مصر منذ أكثر من /20/ عاماً، وعكسنا الصورة الحقيقية التي وصلت إليها حلب بعد تحريرها من الإرهاب، وعودة الخدمات وكانت هناك استجابة وعاد البعض لإعادة تأهيل منشآتهم والبعض الآخر يريد العودة التدريجية مع إبقاء جزء من استثماراته في مصر، مؤكداً أن قانون الاستثمار الجديد يجب أن يكون شاملاً لكل الميزات وأن يلحظ منح إعفاءات للمنشآت المتضررة بفعل الإرهاب إلى جانب الاستثمارات الجديدة.
المصلحة الاقتصادية
مصر كانت الوجهة الأكبر التي حطت بها رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجة، بعضها يترقب لحظة العودة،وبعضها الآخر عاد فعلياً، ومنهم قدموا جملة من المقترحات والمطالب إلى الحكومة تسهم بإنعاش الواقع الاستثماري وتلخصت بإنشاء مركز صادرات سوري مصري مشترك وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك ليكون جسراً لتصدير المنتجات السورية إلى الأسواق الإفريقية التي توسع نشاط السوريين إليها من خلال وجودهم في مصر وذلك للمنتجات الزراعية والغذائية والكيميائية والهندسية والخيوط القطنية والأقمشة، إضافة إلى الألبسة الجاهزة، وتفعيل عمل المكتب الاقتصادي في السفارة السورية في مصر لاستعادة المستثمرين إلى سورية من خلال نشاطات اقتصادية واجتماعية توضح الفرص الاستثمارية المتاحة بما يمكن أن يجذب مستثمرين مصريين أيضاً، إضافة إلى تفعيل مجلس الأعمال السوري المصري عبر انتقاء أشخاص فاعلين من البلدين واستثمار علاقاتهم لتحقيق المصلحة الاقتصادية المنشودة للبلدين.
قوانين خاصة
كما طالبوا بتوفير المواد الأولية بغرض دعم الصناعة و تأجيل الضرائب المالية المترتبة بذمة الصناعيين وإلغاء الغرامات ومطالبات التأمينات الاجتماعية عن الموظفين المتسربين من المنشآت المتوقفة خلال أعوام الأزمة واعتماد قانون خاص بالمتعثرين ذوي النية الحسنة المتضررة معاملهم بفعل الأزمة وعدم التعرض لهم أو اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم، إضافة إلى تسهيل إعادة توزيع المنتجات وحركة النقل بين المحافظات و تصفیة موضوع المتعلقات من الآلات والسیارات المسروقة وإیجاد حل مناسب للمستثمرین المتضررین (كالسماح باستیراد سیارات مستعملة ومن دون جمارك بدلاً من السیارات المسروقة أسوة بالآلات على أن تكون السیارات صناعیة أو تجاریة مسجلة أصولاً وهي سیارات نقل ومیكروباصات وليست سیارات سیاحیة) بحیث یتمكن المستثمر من تعویض جزء من خسارته وإعادة تدویر مؤسسته.
استمارة للمغترب
عن الإجراءات الحكومية المتخذة لتشجيع عودة رؤوس الأموال المهاجرة إلى سورية توجهنا بالسؤال إلى مدير عام هيئة الاستثمار السورية مدين دياب فأشار إلى أنها ركزت على عقد اللقاءات المستمرة مع أصحاب رؤوس الأموال المنتشرة على مستوى العالم، لحثّهم على العودة إلى سوريّة وتسهيل الإجراءات لتحقيق ذلك.
وأضاف أنه تم طرح «استمارة المستثمر المغترب» لاستطلاع آراء المستثمرين والتعرّف على أنواع الفرص التي تجذب انتباههم، وما يرغبون في أن تقدّمه هيئة الاستثمار السوريّة لهم من معلومات وبيانات تساعدهم في اتخاذ قرارهم الاستثماري.
كذلك تم طرح المشكلات والصعوبات التي تعترض سبيل عودة رؤوس الأموال المهاجرة، والتعاون مع الجهات المعنية بالاستثمار بجميع مستوياتها لإيجاد الحلول المناسبة لعودتها، لإعادة ضخّ تلك الأموال في مشاريع تدعم الاقتصاد الوطني.
وتم إعداد خريطة استثمارية شاملة تتضمن فرصاً حقيقية واعدة وجاذبة للاستثمارات، يُتوقع من تنفيذها تحقيق عوائد كبيرة للمستثمر الخاص، ورفع معدلات التنمية، وتوفير المزيد من فرص العمل على المستوى الوطني.
ولفت إلى أن الهيئة تعمل على توفير البيئة المؤسساتيّة الجاذبة لرؤوس الأموال المهاجرة، وتبسيط إجراءاتها الإدارية وربطها بالوقت، وذلك عن طريق إقامة منظومة عمل مشتركة تربط الهيئة مع الوزارات والجهات المعنية.
ميزات تفضيلية
وبخصوص الإعفاءات والميزات التفضيلية التي منحها مشروع القانون الجديد للاستثمار لرؤوس الأموال المهاجرة قال دياب : إن مشروع القانون الجديد منح المشاريع الاستثمارية القائمة وغير المستكملة الترخيص على أن تحصل على إجازة الاستثمار خلال عام من تاريخ نفاذه، تخفيضاً على ضريبة الدخل على الأرباح الصافية بنسبة 50% مدة ثلاث سنوات.
إضافة إلى أنه يفعِّل دور الهيئة في حماية مصالح المستثمر وحلّ منازعاته من خلال تشكيل لجنة لفض المنازعات الاستثمارية في الهيئة، وهي لجنة ذات طابع قضائي مقرّها الهيئة تختصّ بفضّ المنازعات الاستثمارية التي تنشأ بين المستثمر والجهة العامة.
وأوضح أن القانون الجديد ينصّ على إحداث مناطق اقتصاديّة خاصّة توفّر البيئة الملائمة لجذب الاستثمارات الجديدة وتوطينها، بحيث تُمنح الاستثمارات المحلية والأجنبية المقامة فيها المزيد من الحوافز الخاصة.
كما أنه يوجِّه رؤوس الأموال الوطنيّة والأجنبيّة بما يتفق مع الطموحات التنمويّة للدولة من خلال التركيز على منح الإعفاءات الضريبيّة وغير الضريبيّة والميزات المالية للمشاريع بحسب طبيعتها وموقعها في المناطق منخفضة التنمية أو بحسب أولويتها.
ويفتح الباب أمام المستثمر الأجنبي كما المحلي، لإدخال أمواله إلى سورية، ويسمح له بفتح حسابات خاصة بالليرة السورية أو بالقطع الأجنبي لدى المصارف المرخّصة والعاملة في سورية، ويمنحه الحق في تحويل الأرباح وحصيلة التصرّف بحصّته من رأس المال الأجنبي من استثمار المشروع إلى الخارج.
مواكبة التطور
مع مشارفة الحرب على وضع أوزارها تبرز أهمية المرحلة المقبلة لجهة وضع خريطة طريق واضحة المعالم في مجال الاستثمار والانتقال من مرحلة القرارات والخطوات الإسعافية التي كانت تتخذ خلال سنوات الحرب إلى مرحلة التمنية.
هذا ما أكده الدكتور زياد عربش المستشار لدى رئاسة مجلس الوزراء مبيناً أن الحكومة كانت تعمل قبل الأزمة وفق مسار إصلاحي ونهج تطويري على جميع الصعد غير أن الحرب فرضت توقف هذا المسار والنهج ماشكل فجوة كبيرة بيننا وبين العالم الذي سبقنا بالتطور وتطوير بنيته في وقت كنا منشغلين بالوضع الأمني وتأمين متطلبات الحياة البسيطة، والمطلوب اليوم مواكبة التطور الحاصل على الصعيد المؤسساتي والتكنولوجي في العالم وليس فقط عودة المسار إلى ماكان عليه قبل الأزمة.
ونوه بأن المستثمر المحلي الذي بقي داخل البلاد أيضاً يجب أن يحصل على امتيازات وإعطاؤه الأولوية ومكافأته لأنه رغم كل المخاطر والتهديدات لم يخرج وان الإطار التشريعي للاستثمار يجب تحديثه بما يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة.
وأوضح أن المهم ليس فقط جذب الاستثمارات المهاجرة والحصول على التمويل في المرحلة المقبلة من إعادة الإعمار بل الأهم أن ترفد هذه الاستثمارات بلادنا بمعارف وتكنولوجيا صناعية متطورة عرفها المستثمرون خلال وجودهم في الخارج والمساهمة باستجلاب خطوط إنتاج عالمية جديدة
فعلى مستوى العالم تحتل سورية المرتبة الرابعة بإنتاج زيت الزيتون لكنها لاتزال تمتلك أدوات بدائية باستخراجه، الأمر الذي لايسمح لها بالدخول إلى الأسواق الأوروبية وما أريده من المستثمر إدخال هذا النوع من الآلات المتطورة التي تمكننا من تصريف منتجاتنا، كما تحدث عن أهمية توفير البنى التحتية ومكافحة الروتين والفساد.
وفيما يتعلق بقيمة الأموال المهاجرة خلال الأزمة بيّن أنه لاتوجد أرقام دقيقة بشأن القيمة الحقيقية لهذه الأموال.
هجرة قديمة
الدكتورة رشا سيروب باحثة اقتصادية أكدت أن الأموال السورية الموجودة في الخارج سواء خرجت بشكل نظامي أو غير نظامي هي حالة متأصلة في الواقع السوري موجودة منذ عقود (حتى في فترات ما سمي بالازدهار والانتعاش الاقتصادي)، وتتضح هذه الحقيقة من خلال حجم الأموال السورية الموجودة في الخارج والتي تقدر بأكثر من 120 مليار دولار قبل عام 2010.
وأضافت : اعتمد كبار تجار سورية ومستثمروها ورجال أعمالها الحفاظ على مدخراتهم في أقبية المصارف الأجنبية وأسواقها المالية (خارج سورية) والإبقاء على جزء بسيط داخل سورية لتسيير وإدارة نشاطاتهم التجارية والاستثمارية، مبينة أن ذلك يعود إلى انعدام الثقة في البيئة الاستثمارية والقانونية والقضائية في سورية، وعدّ الاقتصاد السوري فرصة لتراكم الثروات وتحويلها للخارج.
وتالياً هي ليست حالة جديدة وطارئة إلا أن ظروف الحرب وعدم الاستقرار بررت وسرّعت من خروجها، وأضافت إلى شريحة التجار ورجال الأعمال شريحة أخرى من نوع آخر وهي خروج أموال ومدخرات المواطنين من خلال بيعهم أصولهم غير المنقولة وتحويلها إلى قطع أجنبي أو ذهب وإخراجها عبر الحدود، وهو ما أدى إلى خلل خطير في الادخار الذي انعكس سلباً على حجم الاستثمار.
رافعة للاقتصاد
و تشير الدكتورة سيروب إلى أنه وفقاً للتقديرات «غير الرسمية» فإن حجم الأموال التي خرجت من سورية خلال سنوات الحرب تجاوزت 24 مليار دولار وهي بذلك تفوق حجم الناتج المحلي الإجمالي عن عامي 2015 و2016، لذا فإن عودة أموال السوريين (التي خرجت خلال سنوات الحرب والأموال التي خرجت قبل الحرب) وتوطين استثماراتهم الموجودة في الخارج تشكل رافعة للاقتصاد الوطني وداعماً محفزاً في البدء لتنفيذ مشروعات إعادة الإعمار، إلا أننا لا نعوّل كثيراً على عودة الأموال بشكل سريع وبكميات كبيرة.. ستحتاج العودة وقتاً أطول نسبياً مما يؤمل بسبب كبر حجم الأموال المهاجرة وتنوع استثماراتها في الخارج بين قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل وارتباطها العضوي باقتصاديات تلك الدول، إضافة إلى الحوافز التي تقدمها اقتصادات بعض الدول والقيود التي تضعها دول أخرى على حركة رؤوس الأموال.
آليات مناسبة
وبتقديرات الدكتورة سيروب فإن عودة نسبة بسيطة من هذه الأموال قادرة على تحريك وتنشيط الدورة الاقتصادية وزيادة حجم الناتج المحلي وتقليص في معدلات البطالة، إلا أنها ليست شرطاً كافياً لتحقيق ذلك، لأن ذلك مشروط بسرعة عودتها وحجمها وكيفية الاستفادة منها ونوعية الاستثمارات التي ستوظف بها، وإلا ستنعكس آثارها سلباً على الاقتصاد السوري، ما يتطلب وضع آليات مناسبة لجذب هذه الأموال بشكل منظم وتدريجي.
مطلوب بيئة جاذبة
ترى الدكتورة سيروب أن السوق السورية لاتزال تفتقد عوامل جذب الأموال المهاجرة سواء في بنية القطاع المصرفي التقليدية أو في ضآلة الخيارات المالية المتاحة في سوق الأوراق المالية، أو نتيجة محدودية قطاعات الاستثمار المسموحة فعلياً (وليس قانونياً) وانحصارها في حدود ضيقة، إضافة إلى استخدام الأساليب التقليدية نفسها في الدعوة لعودة هذه الأموال والتي لم تجدِ خلال فترة الاستقرار الأمني والاقتصادي.
وشددت على أن البيئة الاستثمارية المرنة أهم المحفزات لعودة أموال السوريين من حيث سرعة وسهولة الإجراءات الحكومية، وتحتاج عملية استيعاب هذه الأموال إلى أنظمة مشجعة على درجة عالية من الشفافية، وبيئة قانونية وقضائية، ناهيك بالحكومة الفعالة التي تحفظ حقوق جميع الأطراف.
وأوضحت أن الظروف الراهنة تتطلب طرق وآليات جديدة لعودة الأموال، مع الحاجة إلى صياغة مفهوم (صناعة رأس المال) وهذا يستدعي ابتكار آليات وأدوات جديدة محفزة لعودة هذه الأموال، ويمكن ذلك من خلال سن قوانين خاصة لرأس المال المحلي أسوة برأس المال الأجنبي تضمن لهؤلاء حقوقهم والحفاظ على أموالهم، وسن قوانين وتشريعات تشجع عودة الأموال السورية الموجودة في الخارج، على سبيل المثال قانون تحفيز الاستثمار المحلي وفيه يتم إعطاء ميزات تفضيلية للأموال السورية الموجودة في الخارج عما هو متاح لرأس المال الأجنبي، مع وضع حوافز انتقائية تتحدد وفقاً لطبيعة النشاطات من حيث وجهة التصدير أو نحو قطاعات معينة أو نحو مدن وحيز جغرافي محدد.
وكذلك صنع مركز استقطاب مالي خارج سورية، إذ إن الثقة بالبيئة والمناخ الاستثماري في سورية لا يمكن استردادها بسرعة، لذلك قد يفضل جزء كبير إبقاء أموالهم في الخارج، ومن خلال مركز الاستقطاب المالي والذي هو صيغة من التحالفات المالية الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف، يتم تحويل رؤوس الأموال السورية الموجودة في الخارج وشركاتهم واستثماراتهم إلى تلك الدول كمرحلة أولى، لتعود وتدخل إلى سورية سواء كاستثمارات أو قروض أو سندات وأي صيغة أخرى بضمانة تلك الدول.
توظيف صحيح
تحذر الدكتورة سيروب من أن عودة الأموال ستكون له آثار سلبية إذا لم توظف بالشكل الصحيح، فالقضية ليست فقط حجم الأموال المتدفقة إلى سورية وإنما التركيبة القطاعية والجغرافية التي توجهت إليها تلك الأموال ومعرفة الآثار الإنمائية التي يمكن أن تولدها، لذا يجب توجيه تلك الأموال إلى استثمارات تخدم الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يستلزم: وضع استراتيجيات وخطط لاستيعاب السيولة وإدارتها بعناية مع وجود خريطة استثمارية قطاعية وجغرافية وقاعدة بيانات للمشاريع تكون بمنزلة قاعدة لتقويم قدرة هذه المشروعات على حل المشكلات الاقتصادية من بطالة وإدخال التكنولوجيا ونمو اقتصادي عادل، ووضع دراسات جدوى اقتصادية تفصيلية للمشروعات ذات الأولوية حتى يتم عرضها على المستثمرين السوريين وتحفيزهم للاستثمار في سورية اختصاراً للوقت.
ولفتت إلى أهمية طرح الحكومة أذونات وسندات للخزينة للاكتتاب العام بالدولار الأمريكي بمعدلات فائدة أعلى مما هو متاح في السوق العالمية على أن تكون موجهة لاستثمارات محددة ذات عائد مرتفع، مبينة أنه يمكن لسوق دمشق للأوراق المالية أن تكون إحدى بوابات دخول رأس المال المحلي.
وأشارت إلى ضرورة إعداد الكفاءات والخبرات وتأهيل اليد العاملة القادرة على مشاركة رأس المال الخارجي، فلم يعد انخفاض تكلفة العمالة عاملاً محفزاً للاستثمار من دون وجود يد عاملة خبيرة ومؤهلة.
وختمت بالقول: إن عودة الأموال السورية بحاجة إلى استراتيجية متكاملة توفر البيئة والمناخ الاستثماري الملائم محلياً والذي ينافس ما هو متاح لها خارجياً، وتوجيهها إلى مشروعات استثمارية تنموية ذات أولوية تحتاج إليها سورية في مرحلة إعادة الإعمار، مثل المشروعات التي توفر المنتجات المحلية وتستوعب أكبر عمالة ممكنة وتسمح باستيطان التكنولوجيا.
استحقاق تاريخي
إذاً، أمام الحكومة اليوم استحقاق كبير، ويتوجب عليها بالتوازي مع الدعوة لعودة هذه الاستثمارات العمل على وضع استراتيجية شاملة توفر مناخاً استثمارياً يشجع على العودة، وأهمها تنفيذ الكثير من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية وتحديث القوانين والبيئة التشريعية، وبذلك فقط يمكن أن تكون سورية قبلة للاستثمار الوطني والأجنبي، فالتصريحات والمؤتمرات وحدها لن تقدم شيئاً.
وفي سياق اخر أكد إلياس ملكية نائب رئيس جمعية الصاغة ومدير مكتب الدمغة في الجمعية في تصريح خاص للصحيفة أن قرار وزارة المالية برفع الضريبة على رسم دمغ غرام الذهب من 300 – 900 ليرة وكذلك ارتفاع الضريبة من 125 إلى 150 مليون ليرة شهرياً، سيؤثر سلباً في المستهلك، لأنه سيتحمل أعباء تلك الزيادة في الضرائب، وتالياً إلحاق الأذى بمهنة الصياغة وسينتج عنه انعدام منافسة الذهب السوري مع دول الجوار، منوهاً بأن نصف الذهب حالياً تمت إزالته من واجهات المحال من قبل الصاغة، كاشفاً أنه منذ بداية الشهر الحالي وحتى اللحظة لم يتم دمغ غرام واحد من الذهب ما أدى إلى تراجع كبير في حركة البيع والشراء، علماً أنه يوجد 2400 حرفي في دمشق يعملون في مجال الذهب. وختم ملكية بالقول: إن جمعية الصاغة سلمت أقلام الدمغة إلى وزارة المالية، وبذلك لم يعد الذهب مادة للادخار وإنما للمضاربة مثل الدولار واليورو.
بدوره عصام الزيبق رئيس اتحاد الحرفيين في دمشق أوضح أنه ما زالت المفاوضات مستمرة مع وزارة المالية بشأن قرار رفع الضرائب، وحتى الآن لم يتم الوصول إلى حل يرضي الطرفين، موضحاً أن اتحاد الحرفيين مع أن تأخذ الدولة ضرائب لكن بنسبة مقبولة بحيث لا يؤثر في المواطن أو الصائغ. وذكر الزيبق أن الذهب خلال السنوات الماضية دعم خزينة الدولة بمبالغ كبيرة ، وأنه يشكل ميزاناً للاقتصاد الوطني، ولولا وجوده وإقبال المواطنين على شرائه خلال الحرب وادخارهم له لكان قد وصل سعر الدولار إلى أكثر من 1000 ليرة.
رئيس اتحاد الحرفيين في دمشق أشار إلى أنّ قطاع الذهب تعافى خلال العامين الماضيين بنسبة 60%من حيث التداول والتصدير عما كان عليه قبل الأزمة، مؤكداً أن احتياطي الذهب ممتاز وأنه يكفي سورية خمس سنوات قادمة، وهذا ما يدل على قوة اقتصادنا رغم كل ما تعرضت له البلاد خلال الحرب.