جهينة نيوز:
بعد سبع سنواتٍ من الحرب لا بدّ أن تطفو كثيرٌ من المشكلات الاجتماعية على السطح لتتصدّر المشهد، وتحتلَّ جانباً كبيراً من أسئلتنا عن الواقع المأزوم والمرتبك الذي نعيشه، ومَنْ أوصلنا إليه وكيف ولماذا؟
بالصورة العامّة والعناوين العريضة، باتَ مجتمعنا (اليوم) يرزحُ تحت نير ثقافة العبث والفوضى وغياب الأخلاق التي تُنظّمُ سلوكيات المجتمع، وتحتكمُ إلى الضمير الذي قال عنه المفكّر جان جاك روسو "إن الضمير هو المُوجّه للأفعال"، لنكتشفَ أننا أمام مشهدٍ أبطاله فاشلون ومنتفِعون وحتى أصحاب سوابق يعتبرون "الضمير" لغةً خشبيةً وفعلاً منسياً سقطَ بتقادم الزمن!.. نجحوا في الوصول إلى مراكز متقدّمة في السلّم الوظيفي أو المهني عبر أساليب أقلّها غامضةٌ تحملُ بصمة العمل «المافياوي»، ولنقفَ أمام نتيجةٍ مرعبةٍ في تحوّل هؤلاء إلى نماذج يقتدي بها الباحثُ عن حياةٍ لائقةٍ! ومن ذلك المشهد لنا أن نتخيّل أيّ جيلٍ سينشأ؟ وأيّة إرادةٍ سيتسلّح بها؟ وأيّة مفاهيم زُرعت في ثقافته التي سيبني بها ما أتت عليه الحرب؟!
لقد رأى بعض الانتهازيين في الحرب المستمرة منذ سبع سنواتٍ حتى تاريخه في أجزاء مهمّة من سورية فرصةً سانحةً لاحتلال مرتبةٍ شيطانيةٍ في البلاد تحت مسمّى "تاجر حروب وأزمات"، وذلك باستغلال الظروف الطبيعية لنشوب الحرب، والتداعيات القاهِرة غير الطبيعية والتي فُرضت على سورية أرضاً وشعباً وقيادةً، لترسيخ ثقافة العبث والفوضى، التي بدأت خلال الآونة الأخيرة تتسّع وتتسّع، مدعومةً بذاكرةٍ إضافيةٍ محشوّةٍ بأسماءٍ جديدةٍ لـ"رجال أعمال" الذين لا يمكنُ تصنيفهم –حسب المعلومات المتراكمة حولهم- سوى بالتساؤل البريء: أيُّ رجالٍ هؤلاء؟ وأيّة أعمالٍ يقومون بها؟ وأيّة أهداف مضمرة يسعون لها ؟ ليأتي الجواب بسرعة البديهة السوريّة، بعد دروس المعاناة الشاقّة والطويلة، بأنَّ من يتولّون الكثير من "الأفعال" الاقتصادية الآن، إنّما استولوا عليها استيلاءً بوساطة مصادرَ خفيةٍ من الأموال وتواطؤ مرجعيات إدارية ودولية مُريبة أمَّنت لهم التسهيلات اللازمة في السوق، فباتوا يتحكّمون بمفاصلَ رسميةٍ وشبه رسميةٍ، ولنتلمس بالفعل سيطرة لثقافة استولت على العقول تبيح كل المحظورات وعنوانها الرئيسي الغاية تبرر الوسيلة.
دعونا نعترف بأننا أمام ظاهرةٍ جديدةٍ تتغوّلُ أمام أعيننا منذ سنواتٍ قليلةٍ، وترتسمُ فيها صورٌ بشعةٌ لـ«أخطبوطات» تعبرُ البحار والمحيطات بسرعةٍ فائقةٍ وقدرةٍ مذهلةٍ! حتى نتجرّع نحن مرارة السؤال: هل هذا ما نستحقه في البلاد التي صمدتْ طوال تلك السنوات الموجعة؟! وهل علينا أن ننتظر تحقّقَ ما لم يستطع الإرهاب تحقيقه على الأرض، وما لم تستطع القوى الكبرى فرضَه من خططٍ باءت بالفشل على أيدي مَنْ هُزموا أمام صمودنا؟! مَنْ زكّى هؤلاء؟ وهل أفلَحَ مَنْ زكّى؟ وهل يدري أولو الشأن أن السيطرةَ على العقول وبَسْطَ ثقافة "الضياع" هما حجرُ الأساس في انهيار المنظومة الأخلاقية للمجتمع؟.
لقد أفرزت الحربُ حالةً من التشوُّه والتشويه الاجتماعي، تستدعي منّا التأمّل بهذه التحوّلات المتسارعة، وتفرضُ علينا تحركاً سريعاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قيمٍ وأخلاقٍ هي عِمادُ بناء المجتمعات كلّها، ولكنْ في إطار السؤال والمسؤولية الذاتية الأبلغ: هل نقومُ بواجبنا تجاه مجتمعنا ونحن أفراده؟ وهل بالمال وحده تُبنى المجتمعات؟ أليست الأخلاقُ هي العمود الفقري في بناء مجتمعٍ متماسكٍ؟ على ألا ننسى إزاء كل تلك العبثية ما قاله أحمد شوقي يوماً:
« إنَّما الأُممُ الأخلاقُ ما بَقَيتْ.. فإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أخلاقُهُم ذَهَبوُا ».
19:48
21:16
21:36
21:48