جهينة نيوز:
مئاتُ الأسئلة يوجّهها آلاف السوريين، ممن يقصدون سوق العقارات شراءً أو مبيعاً أو استئجاراً، إلى الإدارات والوزارات المسؤولة عن أسباب الفوضى التي تحكمُ هذه السوق، وتتحكّمُ بها صعوداً أو هبوطاً، وربما احتكاراً واستثماراً، بُغية تعظيم المكاسب المادية التي باتت أرقامها تُعدّ بملايين الليرات لحساب عددٍ من تجّار العقارات ومن يدورُ في فلكهم من السماسرة وأصحاب المكاتب والمُنتفعين!.
لقد أنتجت الحربُ، خلال السنوات القليلة الماضية، مجموعةً من الظواهر الغريبة عن مجتمعنا، والتي باتت تهدّدُ النسيج الاجتماعي في سورية، وربما تفتكُ في وحدته ما لم تتمّ مُعالجتها، وفي مقدمة هذه الظواهر تفشّي الجشع والطمع، وتراجُع – ولا نقول انهيار- المنظومة الأخلاقية، وضمورُ قيم التكافل والتضامن والإحساس بفجيعة الآخر، القريب أو الجار أو ابن البلد نفسه. فمن منّا لم يكتوِ بنيران الحرب ويُحصي خسائره التي لا تُعدّ، لتأتي الضرباتُ القاصمةُ متلاحقةً مع موجة الغلاء الفاحش والأسعار المُنفلتة من كلّ ضبطٍ، وتنامي سراديب الفساد في هذا القطاع الشائك الذي يبدو أن دوائرنا ووزاراتنا وبعض مؤسساتنا المعنية قد نأت بنفسها عنه، بل أعلنت عجزها عن وضع ضوابطَ وقوانينَ وتشريعاتٍ فاعلةٍ تُنصفُ الراغبين بإيجار أو استثمار عقارٍ ما، أو الحصول على شقةٍ سكنيةٍ أو مكتب عملٍ بسعرٍ معقولٍ ومنطقي.. فهل من الإنصاف أن يصل إيجار شقةٍ أو مكتبٍ في وسط مدينة دمشق إلى ما بين 300 و500 ألف ليرة، وفي بعض أحيائها إلى 700 ألف ليرة شهرياً أو في أطراف المدينة في الأحياء والضواحي والبلدات من 100 و200 ألف ليرة، بل إن بعض الشقق السكنية في تلك المناطق أجّرها أصحابها لبعض المهجّرين من دون إكساءٍ وبلا كهرباء أو مياه أو أيّ خدماتٍ أخرى بمبالغ تتراوح بين 30 و 50 ألف ليرة؟!.
ندركُ أنّ الأعباء التي ترتّبت على الدولة عموماً، والحكومة خصوصاً، ثقيلةٌ جداً ويصعُب تحمّلها، لكن ألا يُفترض بالجهات المسؤولة والمعنية بقطاع العقارات وتحديد أسعارها وبدل إيجاراتها أن تجدَ حلولاً ترفعُ الغبن والظلم عن مئات الآلاف ممن خسروا بيوتهم وسكنهم، أو تعطّلت شركاتهم ومشروعاتهم التجارية أو الصناعية أو الحرفية أو العلمية أو التعليمية، التي تعتبرُ من مقوّمات صمود البلاد بمواجهة هذه الحرب الظالمة؟، هل الحلّ أن تنسحب تلك الجهات، وتترك تنظيم شؤون الإيجار للمُؤجِّر والمُستأجر مع ما يستتبع ذلك من خرقٍ للقوانين وخلق مشكلاتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ نحن بغنىً عنها (اليوم) أمام المشكلات المصيرية الأكبر؟!.
نجزمُ أنّ قانون الإيجارات رقم 20 لعام 2015 والقوانين الصادرة قبله قد حدّدت وأوضحت ماذا يعني مفهوم تأجير العقارات المُعدّة للسكن أو لممارسة أعمالٍ تجاريةٍ أو صناعيةٍ أو حرفيةٍ أو مهنةٍ حرةٍ أو علميةٍ مُنظّمة قانوناً، وكيف يخضع لإرادة المُتعاقدين تحديد بدل الإيجار، والطلب من وزارة الإدارة المحلية ومجالس المدن والبلدات مُتابعة كل ذلك! لكنّ مئات الأسئلة التي أشرنا إليها في البداية تنصبُّ حول: من يتقيّد بالقوانين والتشريعات الناظمة لهذا القطاع في ظلّ الفوضى التي تستشري يوماً بعد يوم؟ ولماذا تنسحبُ الدولة من التدخّل في عقود الإيجار، وتركها نهباً لمبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، لتخضع تالياً لمزاجيات وأهواء تجّار العقارات والمكاتب العقارية الذين يفرضون بدورهم أسعاراً ومبالغ خياليةً، فضلاً عن الشروط المُجحفة التي تقعُ على المُستأجرين، ومنها دفع إيجار ستة أشهرٍ أو سنةٍ مُقدماً عدا عن أجرة المكاتب العقارية نفسها التي تقتطعُ من المُستأجر قيمة إيجار شهرٍ واحدٍ قبل توقيع العقد! مع يقيننا بأنّ جزءاً كبيراً من العقود هو عقودٌ وهميةٌ، يسعى مُنظّموها للتهرّب من دفع الرسوم والضرائب عند تصديق تلك العقود، وهو ما يعدّ استغلالاً لحاجة المُستأجر والتسبّب بخسائر كبيرةٍ لخزانة الدولة وحرمانها من موارد هي حقٌ طبيعيٌ لها.
إنّ المواطن السوري والمُستثمر، الذي اختار أن يبقى صامداً صابراً في وطنه، يستحقّ من حكومتنا اهتماماً أكبر، ولاسيما في رفع الظلم الذي يتعرّض له من فوضى العقارات والإيجارات المُنفلتة من عقالها، فهل عجزت هذه الحكومة عن تحديد أسعار وبدلات إيجارٍ مُناسبةٍ لكلّ منطقةٍ، ومحاربة المكاتب العقارية وتجّار العقارات والسماسرة الذين هُم التربةُ الخصبةُ لكلّ هذا الإفساد؟!.
07:51
17:46
18:02
18:06
18:08
02:13
02:19
02:24
02:27