جهينة نيوز:
اذا كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذروة القلق لعدم تلقيه مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، فان المسؤولين السعوديين اكثر قلقا، ليس لانهم لا يتوقعون هذه المكالمة الهاتفية أصلا، او ان تكون الرياض العاصمة الأولى التي يحط الرحال فيها اسوة بسلفه دونالد ترامب، وانما لانهم يتوقعون علاقات مليئة بالصدامات والمفاجآت غير السارة مع الإدارة الجديدة، بدأت ارهاصاتها قبل أسابيع من حسم نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح الديمقراطي بايدن، والسقوط المهين المذل لخصمه الجمهوري.
نشرح اكثر ونقول ان الرئيس بايدن توعد اثناء حملته الانتخابية بأن جميع المسؤولين السعوديين المتورطين في اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وقتل أطفال اليمن بدفع ثمن كبير، وان يصبحوا منبوذين، ويعتقد بايدن ان الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، هو الذي اصدر الأوامر بقتل الخاشقجي، وفي الاطار نفسه اكدت السيدة افريل هاينز مديرة المخابرات الامريكية المركزية الجديدة، ان ادارتها ستنشر تقريرا سريا مدعوما بالصور والتسجيلات حول تفاصيل عملية الاغتيال هذه التي كانت القنصلية السعودية في إسطنبول مسرحها.
***
الترجمة العملية لهذه التعهدات بدأ بسرعة قياسية، وبعد أيام معدودة من تولي الرئيس بايدن السلطة قبل ثلاثة اسابيع فقط، في عجلة من امره جمّد صفقة أسلحة الى دول الخليج تبلغ قيمتها 36.5 مليار دولار من ضمنها 50 طائرة حربية من نوع “اف 35” المتطورة للامارات، و7500 صاروخ مسيّر دقيق للمملكة العربية السعودية، بالإضافة الى حزمة من الذخائر والمعدات الامريكية “الذكية”.
الخطوة الأهم واللافتة في رأينا اعلان انتوني بلينكن، وزير الخارجية الجديد، رفع حركة “انصار الله” الحوثية من قائمة الإرهاب الامريكية اعتبارا من بعد غد الاثنين، ووقف الدعم الأمريكي العسكري والدبلوماسي للحرب السعودية في اليمن التي يراها الرئيس بايدن بأنها كارثة إنسانية أدت الى مقتل 110 آلاف يمني، ونشر المجاعات والاوبئة، واعتماد 80 بالمئة من الشعب اليمني (30 مليونا) على المساعدات الإنسانية.
اللوبي التقدمي واليساري الداعم للديمقراطيين في الولايات المتحدة وأوروبا هو الذي يضغط بقوة على إدارة الرئيس بايدن لوقف الحرب في اليمن، والايفاء بوعود بتبني ملفات انتهاك حقوق الانسان في السعودية ودول خليجية وعربية أخرى، مضافا الى ذلك ان الرئيس بايدن لا يمكن ان ينسى الاهانات السعودية التي لحقت برئيسه باراك أوباما بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران، العدو الأكبر، والتهجم عليه بألفاظ عنصرية غير لائقة.
العلاقات السعودية مع الإدارات الديمقراطية الامريكية لم تكن جيدة على الاطلاق، حتى ان الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة الأسبق في واشنطن لأكثر من عشرين عاما عانى كثيرا من الإهمال والتهميش من هذه الإدارات، وهو الذي علم بالحرب الثانية على العراق وموعدها قبل كولن بأول، وزير الخارجية الأمريكي في وقتها، وكان صاحب قرار في واشنطن في زمن الرئيسين بوش الاب والابن، وهناك نظرية تآمرية بدأت تتردد فصولها في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية تقول ان الرئيس أوباما شجع القيادة السعودية على غزو اليمن في آذار (مارس) عام 2015، ليس لامتصاص غضبهم بسبب توقيعه للاتفاق النووي مع ايران مثلما كان سائدا في حينها، وانما لتوريطهم في هذه الحرب التي كان يعلم جيدا انهم لن يخرجوا منها فائزين، تماما مثلما شجعت إدارة جورج بوش الاب الرئيس صدام حسين على غزة الكويت، وليس ادل على ذلك دعمه، أي أوباما، لثورات الربيع العربي، ومطالبته الرئيس المصري حسني مبارك حليف الرياض الاول، بالتنحي عن الحكم.
مسلسل الصدام بين السعودية وإدارة الرئيس بايدن بدأ مبكرا، وحلقته الأولى الإصرار على وقف الحرب في اليمن، وما زال من غير المعروف كيف ستكون وقائع حلقاته المقبلة، ولعل اقدام السلطات السعودية على الافراج عن الناشطين لجين الهذلول، ونوف عبد العزيز الى جانب مواطنين سعوديين معتقلين منذ سنوات ويحملان الجنسية الامريكية ضربة استباقية لامتصاص غضب الإدارة الجديدة، ومحاولة ابطال بعض ذرائعها، وتخفيف الحملات الإعلامية لأعدائها وما اكثرهم في ميدان منظمات حقوق الانسان والوسائل الإعلامية، ويكفي “الواشنطن بوست” التي كان خاشقجي احد كتابها، وتريد الثأر لمقتله بكل الطرق والوسائل.
الافراج عن الهذلول خطوة جيدة دون ادنى شك، ولكنها ليست كافية بالنظر الى ازدحام المعتقلات العربية، والسعودية خاصة، بمئات، ان لم يكن آلاف المعتقلين بتهم “مفبركة” في معظمها، وغياب كلي للقضاء العادل.
***
وقف مبيعات صفقات الأسلحة الامريكية للسعودية، وفي هذا التوقيت الذي ترجح فيه الكفة لصالح اعدائها في اليمن، وانخراط إدارة بايدن الوشيك في مفاوضات للعودة الى الاتفاق النووي، سيترتب عليها نتائج استراتيجية خطيرة بالنسبة الى المملكة العربية السعودية، ويكفي ان تجمد إدارة بايدن صفقة الصواريخ الدقيقة، وعقود الصيانة للطائرات الحربية السعودية من طرازي “اف 16” و”اف 15″، الامر الذي سيؤدي الى خروج نصف سلاح الجو السعودي الأقوى في المنطقة من الخدمة باعتبارها العمود الفقري للقوة السعودية الضاربة في الجزيرة العربية والمنطقة بأسرها.
من الأخطاء الكبرى للقيادة السعودية ادارة ظهرها للقضايا العربية والإسلامية، والرهان على بنيامين نتنياهو كحليف بديل، وبوليصة تأمين يمكن ان تكون فاعلة جدا لتذليل أي صعوبات متوقعة مع الإدارات الامريكية، ولكن هذا الرهان كان خاطئا مثله مثل الرهان على ترامب وصهره، فنتنياهو هو الذي بات يحتاج الى وسيط مع الإدارة الامريكية الجديدة، وربما لن يكون في السلطة بعد ستة أسابيع.. والله اعلم.
المصدر رأي اليوم
19:40