جهينة نيوز-خاص
بإضافة اللاحقة المكانية "ستان" على اسم "كرد"، تَعَّمَمَ اسم "كردستان" حديثاً كاسمٍ أطلقه الغرب في نهاية القرن التّاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي وأصبحت له استثمارات سياسية من حيث إدراجه في خرائط المنطقة، علماً أن الجغرافي السوري "ابن حوقل" –كما رأينا في الحلقة الأولى-قد أورد صيغة "مصائف الأكراد ومشاتيهم" منذ القرن العاشر الميلادي، أي أنه لم يذكر صيغة "كردستان"، وفي القرن الحادي عشر الميلادي فقد ورد في المصادر الجغرافية العربية اسم "أرض الأكراد" وليس "كردستان"، وذلك في إشارة إلى رقعتهم الجغرافية الأصلية في إيران والتي هاجروا (كُرِدوا) منها إلى المنطقة.
وبخصوص "كردستان" ذات الاستثمار السياسي الحديث، يدّعي بعض مثقّفي الأكراد أنّ حدودها التاريخيّة تبدأ من الأهواز تجاه الكويت وتنتهي بلواء اسكندرون على البحر المتوسط (وتمرّ شمال حلب بـ 4كم) شاملةً الهلال الخصيب، وذلك منذ الألف السابعة ق.م، أي من الفرات إلى بحيرة فان، ومن الأهواز تجاه الكويت وحتى اسكندرون على البحر المتوسط!
أما حقيقة كردستان المزعومة فتُدْرَسُ منذ فجر التاريخ /3200ق.م/ -حيث نشوء حضارة سومر وأكّاد- وحتى /1508-1623/ ميلادية –تاريخ هجرة الأكراد من المناطق الإيرانية إلى منطقتنا، وهي فترة تخص المشرق العربي القديم أي العراق وسورية، وليس حسب حدود "سايكس بيكو"، بل حسب ما تقرّه النقوش والكتابات المسمارية الخاصة بالأكاديين والعموريين والإبلائيين والآراميين، وبعدهم كل العصور التي شهدتها هذه المنطقة من كلاسيكية (يونانية ورومانية) وعربية (مسيحية وإسلامية)...ولعل القاسم المشترك لكل تلك العصور هو اللغة، أما اختلاف نمط الخط في الحقب القديمة في المشرق العربي فلا يدل على اختلاف اللّغة، تلك التي تطورت عبر العصور إلى الآن حاملةً اسم اللغة العربية كأمٍّ لكل اللغات واللهجات التي كانت محكيةً في العراق وسورية منذ السومرية والأكادية والإبلائية إلى الآرامية ولهجاتها وعلى رأسها السريانية...ولم تسجّل الفترات المذكورة في أية منطقة من مناطق المشرق العربي القديم أي نقش أو أية كتابة "كردية"، فاللغة الكردية هي إحدى اللغات الإيرانية والتي منها الأفغانية، وهي –أي الكردية- أقرب إلى اللّغة الأفغانية (البشتو كما رأينا في الحلقة الأولى)، وليس أدلّ على ذلك من اللاحقة المكانية "ستان" في اسم "كردستان" و"باكستان" و"أفغانستان" و"طاجاكستان"...
إذاً لا يوجد أي نقش كتابي باللغة الكرديّة في هذه الأرض التي دعوها "كردستان" زوراً وبهتاناً مقابل مئات ألوف النقوش الأكاديّة بفرعيها الآشوري والبابلي، وعشرات ألوف النقوش الإبلائية، ومئات النقوش الكنعانيّة / العموريّة والآرامية.
ونلخّص هنا الحِقَبَ التاريخية التي شهدتها المنطقة في الجغرافيا المتخيَّلة والمزعومة لما يسمى بــ"كردستان" حيث لا نجد للأكراد وجوداً إلا في القرن السابع عشر الميلادي كمهاجرين خلال (كَردتهم الكبرى) من الأراضي الإيرانية:
الحقبة السومريّة (أرض سومر جنوب العراق 2900– 2340 ق.م)، حقبة العُبيد (4900 – 4000 ق.م، حقبة إبلا (2650 – 1750 ق.م، الحقبة الأكاديّة (2340 – 2159 ق.م)، حقبة الغوتيين أو الجوتيين (2159 – 2111 ق.م)، الحقبة السومريّة الثّانية (2111 – 2003 ق.م)، الحقبة البابلية (2003 – 1595 ق.م)، دولة حمورابي العموريّة، دولة يمحاض العموريّة السورية (منطقة عفرين التي يدّعون كرديّتها)، الحقبة الحوريّة (1699 وحتى القرن /14/ ق.م، الحقبة الأوغاريتية الكنعانيّة (امتداد منطقة عفرين التي يدّعون كرديّتها)، الحقبة الحثيّة (1650 – 1200 ق.م)، الحقبة الآشورية (2000 – 626 ق.م، الحقبة الكنعانيّة (2500 – 146 ق.م)، الحقبة الآراميّة (1200 ق.م – 272 م ، الحكم الفارسي (الأخميني) للمنطقة (539-334 ق.م) (واللغة العربية الآرامية لغة رسمية بالإمبراطورية)، الحكم الإغريقي بقيادة الإسكندر المقدوني للمنطقة (334-64 ق.م)، دولة الأنباط، والممالك العربية الآرامية المتأخرة في حقبة الحكم الروماني، مملكة عربايا-مملكة حد زاب-مملكة ميسان-مملكة تدمر، الغساسنة والمناذرة، ثم الحكم العربي بعد الفتوحات الإسلامية...
ويجدر بالذكر أنه في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي نمت مسألة الفكر القومي الكردي في منطقتنا، فظنّ بعض مثقفي الأكراد أنّ الإمبراطوريّة الفارسية البارثية تشكّل عمقاً تاريخياً لهم ، فظهر حزب "البارتي" لتكريس تواجدهم، لكن معطيات الحضارة البارثية لم تسعفهم في ذلك، وكذلك الأمر حين نسبوا أنفسهم إلى الميديين الفرس ثم إلى الحثيين... ثم ادعوا أنهم هم السومريون القدماء لكن ذلك لم يُجْدِ أيضاً نظراً لانعدام الأدلّة، ومؤخراً سلّطوا الأضواء على أنهم حوريون مستغلين بعض التوجهات الغربية في نزع الصفة السورية الأصلية عن الحوريين ونَسْبِهم إلى أصول هندوأوروبية، وكنا قد شرحنا تفاصيل هذا الموضوع في الحلقة الأولى وأثبتنا خطأ كل المزاعم الخاصة بربط الأكراد بالحوريين...
واستمر بعض انفصاليي الأكراد في مزاعمهم، مستبدلين كلمة "الكرد" بـ "الكورد" تمييزاً لنُطقها عن النطق العربي، متناسين أن:
(الكردي هو كل من كُردَ من أرضه لأسباب اجتماعية أو دينية أو عسكرية أو سياسية، وقد يكون كردياً عربياً أو كردياً غير عربي، لكنّ مدلول الكلمة اختفى وأضحى محصوراً بالأكراد والأكراد (غير العرب) ولعل ذلك من أهم أسباب ضبابية التّاريخ الكردي اليوم.)
ومن الأمثلة الحديثة على مزاعم بعض المثقفين الأكراد، نقتطف مقطعاً مما ورد في القاموس الكردي الحديث (كردي – عربي)، 1985، ص3 لـ"علي سيدرو الكوراني" حيث توجّه بإهداءٍ جاء فيه: (إلى الأمة الكردية العريقة في القدم والتي حافظت على لغتها وأصالتها العرقية وقاومت الغزاة الفاتحين عبر أقدم العصور التاريخية كالأكديين والبابليين والآشوريين والحثيين والفرس والرومان والبيزنطيين وغيرهم واستمرت صامدة إلى هذا اليوم في حين زالت تلك الدول وانصهرت شعوبها في قوميات أخرى ولم يبق منها إلا بضع آلاف موزعين بين شعوب دول الشرق الأوسط...أهدي هذا المعجم...)!
وأخيراً نشير إلى دراسة خاصة بمحافظة الحسكة أصدرها مكتب الدراسات والبحوث التابع لـ"التجمّع الوطني للشباب العربي" جاء فيها ما يلي:
-إجمالي عدد القرى في محافظة الحسكة 1717 قرية.
-العدد الكلي للقرى (العربية) في المحافظة 1161 قرية وتشكل نسبة 67,62 ٪ من إجمالي القرى .
-العدد الكلي للقرى (التي يقطنها أكراد) في المحافظة 453 قرية وتشكل نسبة 26,38 ٪ من إجمالي القرى.
-العدد الكلي للقرى (الآشورية السريانية) 50 قرية وتشكل نسبة 2,91 ٪ من إجمالي القرى
-عدد القرى المختلطة (عربية + كردية) 48 قرية وتشكل نسبة 2,79 ٪ من إجمالي القرى
-عدد القرى المختلطة (عربية +سريانية) 3 قرى وتشكل نسبة 0,17 ٪ من إجمالي القرى
-عدد القرى المختلطة (سريانية+ كردية) 2 قرية وتشكل نسبة 0,12 ٪ من إجمالي القرى
وختاماً، نكرر ما ذكرناه في الحلقة الأولى من أن اندماج الأكراد في الأرض السورية يغلب فكرة استقلالهم في جزء منها، واحتفاظهم بتقاليدهم الحقيقية يضيف إلى التنوّع السوري ميزة فريدة .
_______________________________
المراجع:
اعتمدت هذه الدراسة بشكل رئيسي على كتاب الدكتور محمد بهجت قبيسي: "الأكراد والنبي"،ط1، دمشق 2014 وأيضاً
-قبيسي محمد بهجت، "ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية"، دمشق، دار شمأل، 1999.
- قبيسي محمد بهجت، حضارة واحدة أم حضارات في الوطن العربي القديم، دار شمأل – دار طلاس، ط1، 2008
--حتي فيليب:"تاريخ سورية ولبنان وفلسطين"ج1، بيروت 1958
--فرزات محمد حرب، مرعي عيد: دول وحضارات في الشرق العربي القديم، دمشق 1994
- -باقر طه: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1، بغداد 1973
- -مرعي عيد: آثار الوطن العربي القديم (الجزيرة العربية وبلاد الرافدين)، جامعة دمشق، 2009
---مرعي عيد: تاريخ بلاد الرافدين،ط1، دمشق 1991
- -ريمشنايدر.مارغريت: "أورارتو"،مملكة أرمنية قديمة في أحضان آرارات، ترجمة محمد وحيد خياطة، مكتبة سومر،حلب 1993
16:30
16:33
16:43
16:46
16:53
16:55
16:57
16:59
17:03
17:06
17:09
17:13
17:15
17:19
23:01
23:55
00:10
00:19
00:45
00:49
00:53
01:00
01:40
01:48
01:52
02:25
17:23
17:33
00:20
01:37
01:46
01:51
02:00