جهينة نيوز-خاص
وُصِفَ بعض مؤرخي الأكراد بخصوبة الخيال لدى قيامهم بتحريف أسماء بعض شعوب الشرق القديم من أجل إيجاد صلة نسب بينها وبين الأكراد، ومن هؤلاء المؤرخين محمد أمين زكي مؤلف كتاب "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور وحتى الآن" عام 1931م، والذي تعمّمت طروحاته بين بعض مؤرخي الأكراد ومثقّفيهم، علماً أنه يعترف بصعوبة إيجاد جذر تاريخي قديم للأكراد، وحسب قوله "فإن منابع التاريخ القديم للأكراد لا تزال تخيّم عليها حُجُبٌ كثيفةٌ من الظلام الدامس"...وبالتالي فانفصال الأكراد في دولة خاصة بهم يواجه أولاً مشكلة الجذر التاريخي.
وبالفعل فقد أخفق الأكراد خلال تاريخهم الحديث في الانفصال بدولة، فبعد توقيع اتفاقية "سايكس بيكو" الشهيرة (1916م) وبسط السيادة الأجنبية –البريطانية والفرنسية- على سورية الطبيعية، شعر الأكراد بفشلهم في استغلال الحرب العالمية الأولى وخاب أملهم في الوعود الدولية لإعطائهم كياناً منفصلاً ... ولما كان الروس يستثمرون الأكراد ضد الفرس والعثمانيين بتشجع القياصرة لهم على التمرد على هاتين الإمبراطوريتين، أَمِلَ الأكراد في الحصول على دويلة في المنطقة بمساعدة روسية، ولكن العلاقات الروسية الكردية دخلت إلى مستوى جديد بعد تقسيم سورية الطبيعية ونهاية الحرب العالمية الأولى، فاتجه حلم أول كيان سياسي كردي بعد تلك الحرب إلى منطقة القوقاز، فتم ذلك بدعم
من روسيا البلشفية، وعُرف هذا الكيان باسم دولة كردستان الحمراء كجمهورية ذاتية الحكم تابعة لدولة أذربيجان، تأسست في عهد "لينين" عام 1923 وانتهت في عهد "ستالين" عام 1927م حيث سرعان ما غضب "ستالين" على الأكراد بسبب مساندتهم للنازيين، فقام بتهجيرهم، ثم عاد واستخدمهم مرة أخرى في الصراع ضد الإيرانيين، ففي عام 1946م قام بسحب القوات الروسية من شمال إيران لتتأسس دويلة كردية هناك تحت اسم جمهورية "مهاباد" التي كان من أبرز القائمين عليها "مصطفى البرزاني" والد "مسعود البرزاني"، ولكن لم تصمد هذه الدويلة سوى أحد عشر شهراً حيث سحقها شاه إيران "محمد رضا بهلوي" بضوء أخضر من الرئيس الأميركي "هاري ترومان"... وعند تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978، قدّم الاتحاد السوفييتي له كل الدعم، ولم يقطع الروس علاقتهم مع الحزب حين تفكك الاتحاد عام 1991م.
ومؤخراً –في زمن الحرب المفتوحة على سورية- استغل بعض الانفصاليين من أكراد سورية الفوضى في المنطقة بالتنسيق مع قوى دولية، فأعلنوا بتاريخ 17/3/2016 "فدرالية" خاصة بهم شملت الشريط السوري الممتد من عفرين إلى القامشلي مروراً بعين العرب وتل أبيض وأطلقوا عليها اسماً كردياً هو "روج آفا" الذي تردد صداه حتى في بعض وسائل الإعلام المحلية...ومنذ أواخر عام 2014 فإن المتابع للإعلام الغربي والعربي -المرتبط به- يلاحظ كيف تم تسريع الموضوع باتجاه إعلان "الفدرالية" المذكورة، فأظهروا على سبيل المثال مدينة "عين العرب" على أنها مقاطعة لها استقلاليتها عن الجمهورية العربية السورية، فاستضاف بعض تلك القنوات ما أطلقوا عليه اسم "رئيس مقاطعة" المدينة باسمها المشوّه "كوباني"، كما استضافوا شخصاً على أساس أنه "نائب وزير خارجية عين العرب"!!!
وفي شهر كانون الأول 2014 قام وزير الخارجية الفرنسي الأسبق "برنار كوشنير" بزيارة (المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال سورية) –حسب تعبير إذاعة "شام إف إم" في 1/12/2014- وذلك للاستعلام عن "الإدارة الذاتية" في تلك المناطق، حسب الإذاعة المذكورة.
وبتاريخ 7/12/2015 قدّمت قناة الميادين تقريراً إخبارياً عن الأوضاع في مدينة عفرين السورية...وما لاحظناه –مع الأسف- أن القناة أجرت لقاءً مع شخص من عفرين معرّفةً إياه بأنه "مدير تموين مقاطعة عفرين"!!!
وقد أوغلت القناة المذكورة بعيداً في "تكريد" بعض المناطق السورية في الشمال، حين وصفت مدينة عفرين بـ"الكردية" والقرى القريبة منها بــ "العربية"...وهكذا...!...ثم رسمت القناة الخريطة السورية ملوِّنةً فيها الشريط الشمالي السوري باللون الأحمر على أنه "كردي" يضم عفرين وعين العرب وتل أبيض والقامشلي...!...كما وجلبت خبيراً من خبرائها "الجيوسياسيين" ليتحدث عن أن الخلاف هناك هو خلاف بين "الأكراد" والأتراك والتنظيمات الإرهابية، وكأن الأمر خرج من الواقع السوري الأصلي...وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حيادية وسائل الإعلام تتضمّن فعلاً نقل "الواقع كما هو"، ولكن بشرط أن يكون هذا الواقع مستمراً "كما هو" نوعاً ما منذ الماضي في حالة أكراد سورية، وبشرط ألا تُظهر وسيلة الإعلام هذا الواقع كيف سيكون في المستقبل كما وضعت تصوراته دراسات المراكز الغربية المنحازة ووسائل الإعلام غير الحيادية.
وفيما أثنى الإسرائيليون على محاولات انفصال الأكراد في دويلة خاصة بهم معتبرين ذلك "نضالاً كردياً من أجل الاستقلال" –ولو انطلاقاً من البوّابة العراقية-، فهل يقع الأكراد في فخ عقيدة "بن غوريون" القائلة "إن كل عدو للعرب يشكّل حليفاً محتملاً للإسرائيليين"؟!
وأخيراً فإن هجرة الأكراد إلى بلادنا والتي تمّت ما بين سنتي 1508 و 1623 ميلادية بعد الحروب الصفوية العثمانية، وبعدها بموجب فرمانات عثمانيّة وتغييرات ديموغرافيّة سكّانيّة جغرافيّة،
ثم الهجرة إلى دمشق بعد سنة 1818م، ونشوء حيّ الأكراد على أراضٍ من أملاك الدولة شمال نهر يزيد، هي كلها أحداث لا تشكّل مبرراً للحديث عن انفصالٍ واستقلالٍ في أهم المناطق السورية التي تشكّل الخزّان الاقتصادي الوحيد في البلاد من حيث الثروة النفطية والزراعية، بالإضافة إلى غنى تلك المناطق بالشواهد الأثرية التي تعزّز روابط التاريخ السوري منذ أقدم العصور، وتؤكد وحدة عناصر الهوية السورية عبرها، فكيف سيغدو مستقبلاً حال التاريخ السوري وواقع آثار المنطقة التي يود انفصاليو الأكراد الاستئثار بها في سورية بناءً على مزاعم لا أسس لها في التاريخ؟ ألا تتمرأى مسألة الانفصال بدويلة كردية في سورية في بعض المشاريع الأجنبية التي عبثت بالتسلسل الزمني للعصور التاريخية السورية وبعثرت بعض معطياتها وشوّشت عليها واختلقت واقعاً تاريخياً وإثنياً وعرقياً مرفوضاً ومخالفاً للواقع الأصلي في المنطقة؟...ويضاف إلى ذلك أن ما أُشيع لفترة طويلة من ارتباط أسماء عائلاتٍ عربية سورية –ومنها شخصيات تاريخية- بأصول عرقية كردية، إنما دحضته الدراسات الحديثة المستندة إلى كتب التاريخ العربي وأمهات مصادره الموثوقة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بمناطق معينة في سورية مثل ما يسمى بــ "حصن الأكراد" في قضاء تلكلخ والذي ثبت أنه حصن عربي كان يسمى "حصن الصفح"، ومثل "جبل الأكراد" في محافظة اللاذقية والذي يتألف من حوالي عشرين قرية يسكنها كلها عربٌ سوريون ينفون انتماءهم للأكراد، علماً أن جل المهاجرين من الأكراد اندمج مع أهل البلاد وتمتّع بالخصوصية السورية التي من أهم صفاتها ذلك الفسيفساء الحضاري المنسجمة عناصره في كل العصور ضمن البيئة السورية، ولئن قيل إن ثمة مشكلة في عدم الحصول على هويةٍ شخصيةٍ عانى منها بعض أخوتنا الأكراد في بعض المناطق السورية التي وفدوا إليها، فهي تعود إلى الستينات من القرن الماضي حين رفض الآلاف منهم تسجيل أنفسهم خوفاً من الخدمة العسكرية، علماً أن التعليم في المدارس والجامعات السورية قد أُتيح لمن لا يحملون الهوية بموجب بطاقات تعريف رسمية.
وختاماً، فإن ما عرضناه في الحلقات الثلاث عن "أكراد سورية بين نزعة الانفصال وحقائق التاريخ" لا يجدّد الدعوة إلى القومية العربية، كما لا ينسف الفكرة القومية لأي شعب حين يلتزم الدُّعاة إلى القوميات المختلفة بالقواعد الأساسية لها وأهمها انسجام التاريخ والعرق واللغة والتقاليد مع الجغرافيا في الأرض الوطنية والارتباط الحقيقي المعزّز بالأدلّة لأصحابها بها، ثم ثقة القوم بأنفسهم والاعتماد على النفس وضمان السيادة...فمسيرة المئة عام من "سايكس بيكو" إلى جمهورية "كردستان الحمراء" في القوقاز التي لم تكمل سنواتها الأربع، إلى جمهورية "مهاباد" في إيران والتي لم تكمل أيضاً عامها الأول، إلى فدرالية "الرميلان" على الأراضي السورية، مسيرةٌ مخالفةٌ للتاريخ والجغرافيا والمنطق حوّلت الأكراد إلى فرس رهان لطموحات بعض القوى الدولية وجعلت منهم أوراقاً سياسيةً تتحكّم بها الأحداث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع الحلقة الثالثة:
-محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور وحتى الآن،(باللغة الكردية) 1931، نقله إلى العربية وعلق عليه محمد علي عوني- 1936.
-زبير سلطان قدوري: "القضية الكردية من الضحاك إلى الملاذ" ط1، دمشق 2005
--محمد بهجت قبيسي: "الأكراد والنبي"،ط1، دمشق 2014
-قبيسي محمد بهجت، "ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية"، دمشق، دار شمأل، 1999.
-تقارير إعلامية وسياسية وأثرية.
23:05
04:38
05:03
05:03
05:08
05:09
05:18
05:23
16:18
16:34
16:39
16:48
16:52
16:56
16:59
17:03
17:12
17:16
17:19
17:23
17:27
00:56
01:03
01:12
01:15
01:23
01:28
03:09
21:03
21:25
21:28
22:00
22:06
22:17
22:19
22:21
22:23
22:26
01:09
01:13
01:34
01:38
01:44
17:22
01:32
02:16
01:48
01:38
15:18
15:29
23:28
23:32
23:41
23:42
16:16
19:55
16:17
18:05
00:51
00:59