جهينة نيوز- خاص
تعتبر السيرة السياسية للأكراد السيرة الأكثر تحديثاً في مراكز الدراسات ووكالات الأنباء العالمية، ويعكس هذا التحديث المستمر "الوضع المؤقت المستثمَر دولياً" والذي يعيشه الأكراد منذ القلاقل التي داهمتهم في القرن السابع عشر الميلادي في أراضيهم الأصلية التي تقع كلها في إيران اليوم ما بين طهران وهمدان شرقاً، وزنجان وحلوان غرباً، مما اضطرّ غالبيتهم إلى الهجرة من الهضبة الإيرانية إلى العراق وتركيا وسورية بين أعوام 1508-1623م هرباً من الصفويين...ثم حدثت هجرات أخرى للأكراد بين البلدان المذكورة نفسها في القرن العشرين، مما وضعهم ضمن أجواء سياسية متأرجحة أصلاً في المنطقة التي كانت تعاني من الاستعمار العثماني، ثم من ويلات الحرب العالمية الأولى والاستعمار الأوروبي –البريطاني والفرنسي- في القرن العشرين، فشهدت البلدان المذكورة مزيجاً من العناصر الكردية اللاجئة على مراحل ضمن ظروف دولية معقدة لدرجة أنه يصعب حتى الآن على مراكز الدراسات أن تحصي عدد الأكراد في العالم، فتذكر أحدث الإحصائيات عدداً تقريبياً لهم يتراوح بين 25 و35 مليون نسمة! تجمعهم حالة اللجوء إلى البلدان، وتفرّقهم الأهواء والأحزاب والاتجاهات والميول والاستثمارات السياسية المؤقتة...
آخر التعاريف السياسية المحدّثة للأكراد
أما آخر تعاريف الأكراد السياسية "المحدَّثة" فهو ما يصول ويجول في وكالات الأنباء العالمية ومقدمات الحديث عنهم في مراكز الدراسات الغربية، وهو أنهم "يشكّلون عنصراً أساسياً في الحرب ضد التنظيمات الجهادية في سورية والعراق"...!...وهذا التعريف كما نلاحظ يلخّص الاستثمار السياسي من قبل بعض الدول الغربية لموضوع الأكراد بما يتناسب ومشاريع هذه الدول في المنطقة، ودون أن نخوض في التفاصيل، فنحن ندرك أن حجة الإرهاب والتنظيمات الجهادية في المنطقة تضخّمت كثيراً بعد سقوط برجيْ التجارة العالمية في نيويورك بالولايات المتحدة عام 2001، وذلك لتشكّل تلك الحجّة مسمار جحا للتدخل في المنطقة وتنفيذ السياسات المنتمية إلى المشروع الصهيوني العالمي، ومنها مؤخراً مشروع كيان كردي منفصل في سورية تصاعد مؤخراً الحديث عنه والتحذير منه جدّياً من قبل وزارة الخارجية الروسية رغم وضوح معالمه منذ سنوات تلت انطلاق الأحداث في سورية...وإذا عدنا إلى تعاريف سياسية للأكراد سابقة لأزمات ما سُمي بـ"الربيع العربي، نجد أنها كانت تتناسب وسياسات الغرب ورغباته في المنطقة حسب الأحداث الجارية فيها، فمرةً يعرّفونهم بأنهم المناضلون من أجل الحصول على جنسية أو هوية أو حقوق إنسان في البلدان المضيفة، ومرة يعرّفونهم بأنهم ضحايا الديكتاتوريات والحروب والنزاعات في "الشرق الأوسط"، وقد تطورت تلك التعاريف كثيراً بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت عام 1991، وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فأضحى بعض الأكراد أولئك الساعين للحصول على الحكم الذاتي في البلدان التي تستضيفهم، وقد تم تفعيل هذا التعريف في العراق أولاً، وتجري –كما رأينا- محاولة تفعيله وتطويره منذ سنوات في الشمال والشمال الشرقي السوري بدعم أميركي وغربي وصهيوني، وذلك ليحصل أكراد سورية على دولة منفصلة عن الدولة السورية.
هل الأكراد السوريون "شعب كردي" و"قومية" خاصة في سورية؟
بالتأكيد لا صحة لمصطلح "الشعب الكردي" في سورية، لأن الأكراد السوريين مواطنون يدخلون في تعداد "الشعب السوري" المكوِّن للدولة السورية...وكحال العديد من الدول قديماً وحديثاً، فسورية دولة ينتمي إليها مواطنون بعضهم لا يتمتع بالأصل السوري، إلا أن القانون منحهم الجنسية والهوية السورية بحكم الإقامة الدائمة المبررة والخضوع للقوانين، ثم اندماج هؤلاء في البيئة السورية ليحققوا معادلة "انثروبولوجية" وهي أن الإنسان يصبح ابن البيئة التي يعيش فيها، وتحديداً، بدءاً من الذي يولد في تلك البيئة...ويبقى موضوع تعدد المشارب والأصول التاريخية أمراً ثانوياً في تحديد الصفة المواطنية لمكونات الدولة من شعبها، وفيما يخص المواطنين الأكراد السوريين، فالبحث عن أصولهم التاريخية يبدأ خارج الأراضي السورية باعتبارهم وافدين إليها من بلد أو بلدان أخرى، بالإضافة إلى أنه لا روابط قديمة للأكراد السوريين مع الأرض السورية وذلك استناداً إلى كل المكتشفات الأثرية والكتابية اللغوية في سورية، أما انعدام تلك الروابط فينفي تماماً كون الأكراد السوريين "قومية" خاصة ضمن سورية، فشروط القومية لا تتحقق إلا باستمرار شعب ما في أرضه منذ أقدم العصور محافظاً على لغة قومية مستمرة ومتفوقة من حيث الجذور والانتشار، وهنا فالعودة إلى اللغة الأم في سورية تؤكد أنها العربية المرتبطة بلهجات سورية القديمة من أكادية وإبلائية وكنعانية وآرامية وسريانية، أما اللّهجات الكرديّة والمصنّفة عالمياً باللّغات الإيرانيّة، فتعد أقرب إلى اللّغة الأفغانيّة (البشتو Pashto) التي لا وجود لها في تاريخ سورية اللغوي، وقد عمد بعض مثقفي الأكراد في سورية إلى القيام باستعارات كثيرة من اللهجات السورية الدارجة في بعض المناطق –كالسريانية-وغيرها في الجزيرة السورية والشمال السوري ومحاولة نسب هذه الاستعارات إلى "الكردية" الأصلية، وهنا تشير دراسة أسماء المدن والقرى الرئيسية التي يقطنها أكراد وافدون إلى سورية إلى أنه لا يوجد أي أصل كردي لغوي لها حسب الأمثلة التالية:
عامودا: (وهي تابعة لمحافظة الحسكة وتبعد عنها 80 كم إلى الشمال)، واسمها عربيٌّ آرامي يعني العامود، حيث الألف الأخيرة هي أداة التعريف الآرامية مثل الحارسة = حرستا، القرحة = قرحتا.
قامشلي: اسم عربي طبيعي، فـ[قمش] تعني [جمع]. أمّا اللاحقة [لي] فهي ليست تركية كما يدّعي البعض بل هي عربية ظنّ بعض الأكراد أنّ قلب الياء إلى واو في قامشلي = قامشلو، تصبح كردية، لكنّ هذه اللاحقة (الواو) هي آشورية- سريانية تأثّر بها الأكراد حين استقبلهم السريان السوريون.
ديريك (المالكية): اسم بلدة في شمال شرق سورية، يستخدم الأكراد اسمها –أي ديريك- على انه كردي علماً أنه سوري قديم، فهو تصغير لـ(درك)، وهي كلمة وردت في النقوش الكنعانية وتعني: الأرض المنخفضة (الدرك الأسفل) و"ديريك" تقع على جرف (درك سفلي) إلى نهر دجلة.
ومع اسم ديريك نجد أسماء: دريكيش، ودركوش، وهو اسمٌ عربيٌّ عموري/كنعاني.
عين عرب: كلمة عين موجودة في كافة اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية. والعين من فعل (عان)، وسميت عين الماء عيناً لأنّها تعين الإنسان على الحياة، أمّا كلمة عرب فهي تعني بالآرامية ماء وكل ما يخص الماء وفي العربية نجد: بئرٌ عروب = بئرٌ كثيرٌ ماؤه، وادي عربة = وادي الماء، إمرأة عروب = متودّدة لزوجها كالماء الصافي، أمّا في الآرامية –والعربية-: فالعرّاب هو المسؤول عن تعميد الطفل في الماء، وفي الأوغاريتية: فقد سمّي الإله حدد: إله البرق والرعد والأمطار بـ "راكب عربة" أي راكب الغيمة التي تحمل الماء. وفي الأكادية عربتو تعني الجو الغائم حامل الماء. والعربي من أقام عند مظانّ المياه. وهناك فرق بين العربي المقيم عند مظانّ المياه المدني، وبين الأعراب الذين يذهبون إلى مظانّ المياه.
إذاَ فكلمة عين عرب تعني عين الماء. وفي لبنان قرية كنعانية تسمّى عرب صاليم أي: ماء الأصنام. وشمال دمشق هناك معربا، فيها ينابيع تكفي لزراعتها.
وقد حوّل البعض اسم مدينة "عين عرب" إلى كوباني، وأصلها أنّ هناك شركة إنكليزية "كومباني" company كانت تعمل هناك لتمديد السكّة الحديدية في القرن الماضي فأطلق بعض الأكراد اسم كوباني اشتقاقاً من كومباني، ودرج هذا الاسم على أنه كردي!
عفرين: في محافظة حلب، اللاّحقة [ين] هي أداة جمع بحالة النّكرة في الآرامية (قنّسرين وتعني قن النسور، جسرين وتعني الجسور...) ومنطقة عفرين ذات غبار إنْ لم تُزرع بالأشجار والخضراوات، فهي صيغة آرامية وعربية (عفر، تعفّر من الغبار، وعلى سبيل المثال فقرية "يعفور" كانت معروفة بالغبار الذي يجتاحها بعمل الدوّامات الهوائية فيها.) وهذا خلاف ما يقال اليوم إنّ عفرين هي بلدة حديثة كردية، بل هي بلدة سورية آرامية، وهناك تل في فلسطين يسمّى تل عفرين أيضاً وهو بجوار قفّين في قضاء نابلس، وهناك عفرون في فلسطين أيضاً، و"تلّعفر" في العراق.
نلاحظ إذاً أنه لا صحة لمصطلح "شعب كردي" أو "قومية كردية" في سورية تسمح للأكراد بالتفكير في الانفصال والاستئثار بجزء كبير من الأراضي التابعة للدولة السورية، وما تسعى إليه الولايات المتحدة لأجل تحقيق ذلك هو إعلان السيطرة العسكرية على منطقة شرق الفرات بالتزامن مع الغزو التركي لعفرين في 20/1/2018، والذي تمخّض في هذه الأيام عن مساعٍ لنقل المقاتلين الأكراد من عفرين إلى منطقة شرق الفرات، مما يؤكد التنسيق الأميركي التركي بخصوص تشكيل دويلة كردية تحت إشراف مباشر من قبل القوات الأميركية في شرق الفرات...ولكن ما هو مصير تلك المساعي؟ وهل تنجح في ظل الظروف الجديدة التي تشهد تطوراً هائلاً في الاستراتيجية القتالية للجيش العربي السوري، وحراكاً مختلفاً عن السنوات السابقة من قبل الحلفاء، ومنهم الروس الذين شرعوا الآن في فضح النوايا الأميركية في سورية بوضوح، بالإضافة إلى ظروف الإخفاق الكردي نفسه والمتمثل في ارتباط مشاريع انفصالهم تاريخياً بمخططات سياسية أجنبية تسير على رمال متحركة، ولن يُكتب لها النجاح.
مراجع:
-محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور وحتى الآن،(باللغة الكردية) 1931، نقله إلى العربية وعلق عليه محمد علي عوني- 1936.
-زبير سلطان قدوري: "القضية الكردية من الضحاك إلى الملاذ" ط1، دمشق 2005
--محمد بهجت قبيسي: "الأكراد والنبي"،ط1، دمشق 2014
-قبيسي محمد بهجت، "ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية"، دمشق، دار شمأل، 1999
06:36
08:47
17:20
22:45
22:58
23:11
04:49
09:40
22:36