جهينة نيوز- خاص
رأينا في الحلقة الأولى آخر تعاريف الأكراد السياسية "المحدَّثة" في المراكز السياسية الدولية بما يلخّص الاستثمار السياسي من قبل بعض الدول الغربية لموضوع الأكراد ويتناسب ومشاريع هذه الدول في المنطقة، وهو أن الأكراد "يشكّلون عنصراً أساسياً في الحرب ضد التنظيمات الجهادية في سورية والعراق"...!... وقد لاحظنا أنه لا صحة لمصطلح "شعب كردي" أو "قومية كردية" في سورية تسمح للأكراد بالتفكير في الانفصال والاستئثار بجزء كبير من الأراضي التابعة للدولة السورية، وما تسعى إليه الولايات المتحدة لأجل تحقيق ذلك هو إعلان السيطرة العسكرية على منطقة شرق الفرات بالتزامن مع حديث مزعوم عن وجود بقايا من "داعش" في المنطقة كذريعة للاحتلال، وبالتزامن مع الغزو التركي لعفرين في 20/1/2018، والذي تمخّض في الأيام السابقة عن مطالبة تركية بنقل المقاتلين الأكراد من عفرين ومنبج إلى منطقة شرق الفرات، مما قد يؤكد التنسيق الأميركي التركي بخصوص تشكيل دويلة كردية تحت إشراف مباشر من قبل القوات الأميركية في شرق الفرات...حيث طلبت تركيا من الولايات المتحدة قبل حوالي أسبوعين نقل "وحدات حماية الشعب" الكردية من مدينة منبج شمالي سوريا، إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات، وردّت واشنطن بأنها "تتفهم" هواجس أنقرة.
وزير الخارجية التركي يتّكئ على عروبة منبج!
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي "ريكس تيلرسون" "لابد أن نتأكد من عبور "وحدات حماية الشعب" إلى شرق نهر الفرات، لأن حلول الاستقرار هناك يعتمد على من سيقوم بإدارة المدينة وتأمينها، إذ أن 95 بالمئة من سكان منبج من العرب، وقيام "وحدات حماية الشعب" بإدارة المدينة وتولي الأمن فيها لن يرسي الاستقرار أبدا"...
أي هدف يحلم به أردوغان؟
والسؤال المطروح هنا هو كيف توصل الأميركيون إلى حد التنسيق مع الأتراك بخصوص إنشاء دويلة كردية ملاصقة لهم ولو باستثناء عفرين ومنبج، حيث من المعروف أن الأكراد لم يستطيعوا إنشاء كيان انفصالي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، وقد أحبط "مصطفى كمال أتاتورك" كل مساعيهم بعد تأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 1923...ووصولاً إلى حقبة "رجب طيب أردوغان"، فهل يسعى هذا الأخير إلى تحقيق حلمه السلطاني العثماني عن طريق إرضاء الأكراد والحصول على مكافأة الدول الكبرى له بإتاحة سيطرته على مناطق في شمال سورية، على أن يكون الثمن هو غض النظر عن دويلة كردية على الأراضي السورية في شرق الفرات، وتأمين التسهيلات العسكرية والسياسية والديموغرافية لقيامها، ومنها الحرب على عفرين؟
صيف 2017 صيف أميركي كردي مشترك!
ومنذ صيف عام 2017 ، فالإدارة الأميركية كانت قد عقدت اتفاقيات مع قيادة ما يسمى بـ"وحدات حماية الشعب" لعشرة أعوام قادمة تتضمن الاستمرار في تسليح تلك الوحدات وتأهيلها والتنسيق معها، كما تتضمن تلك الاتفاقيات إجراء مناورات عسكرية ثنائية مشتركة وأن تكون "قوات وحدات حماية الشعب" تلك، قوات شريكة وحليفة للولايات المتحدة في محاربة "الذريعة" في المنطقة، أي الإرهاب، وأن تقوم الولايات المتحدة بتقديم كافة أنواع الدعم لهذه القوات، مع دعم ما سمي بـ"قوات سوريا الديمقراطية" وتقديم الدعم اللازم لبناء "جيش مستقبلي" لكامل المنطقة التي يعمل الانفصاليون على السيطرة عليها بدعم الولايات المتحدة، وأن تقوم "الإدارة الذاتية" بتقديم ضمانات لبقاء القواعد الأميركية في المنطقة الإدارية التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" و"قوات سوريا الديمقراطية".
ومن بين بنود الاتفاقيات المذكورة "مراعاة الظروف الإقليمية في إنشاء إقليم ذاتي للأكراد"، وأن يقوم الطرف الأميركي بتدريب الكوادر الإدارية الانفصالية في مختلف مجالات الحياة...
ومن الجدير ذكره أن المبعوث الخاص للتحالف الدولي للرئيس الأميركي "بريت ماكغورك" كان قد قام بزيارة سرية إلى مدينة عين العرب في السادس عشر من شهر أيار عام 2017 حيث هبط بطائرة هليكوبتر في قاعدة "التحالف الدولي" (جنوب مدينة عين العرب) للقاء ممثلين عن ما سمي "مجلس الرقة المدني" الذي تم تأسيسه مؤخراً من قبل القوات المسماة " قوات سوريا الديمقراطية".
وقد أتت زيارة "ماكغورك" بالتزامن مع زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى واشنطن، ما اعتبرها مراقبون رسالة أميركية للرئيس التركي بعد إقرار البيت الأبيض تسليح وحدات الحماية الكردية، وأكدت مصادر أن ممثلين عن وزارة الخارجية الأميركية كانوا برفقة "ماكغورك" لمناقشة ملفات استراتيجية على الصعيد السوري، بالإضافة إلى مناقشة كيفية إدارة مدينة الرقة، على ان يجتمع ماكغورك وممثلو الخارجية الأميركية في اليوم التالي –أي 17 أيار 2017 مع قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" لبحث المسائل اللوجستية والاحتياجات العسكرية لمعركة مدينة الرقة القريبة آنذاك.
هذا وقد نفت مصادر إعلامية آنذاك أن صهر الرئيس ترامب "جاريد كوشنر" كان مرافقاً لممثل الرئيس ترامب في زيارته إلى عين العرب، بينما أكدت مصادر أخرى أن وفداً أميركياً ترأسه صهر الرئيس ترامب "جاريد كوشنر"، قد عقد لقاءات مطولة في مدينة "عين العرب" في شهر أيار من عام 2017 عقب توقيع ترامب على تصريح يخول بموجبه وزارة الدفاع الأميركية تزويد "وحدات حماية الشعب" بمختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مع تأكيدات أميركية على أن "وحدات حماية الشعب" شريك رئيسي وهام في محاربة الإرهاب...وكان السيناتور الجمهوري الأميركي "جون ماكين" قد سبق كلاً من ممثل الرئيس الأميركي "ماكغورك" وصهر ترامب إلى "عين العرب" أثناء التحضيرات لما سمي وقتذاك بعملية "تحرير الرقة".
منطقة شرق الفرات المستهدفة
تشمل منطقة شرق الفرات التي تحضّرها الولايات المتحدة لتكون كياناً انفصالياً للأكراد، مدناً وبلدات سورية هي المالكية والقامشلي وصولاً إلى تل أبيض وعين العرب والحسكة، إضافة إلى الرقة والطبقة ومنطقة شرق الفرات في مدينة دير الزور...وكل هذه المدن والقرى التابعة لها سورية تاريخاً وحاضراً استقبلت لاجئين أكراد قادمين من تركيا تحديداً، ليس قبل قرنٍ من الزمان، ولم يشكلوا أكثرية سكانية خلال هذا القرن...وحتى لو شكّلوا أكثرية، فذلك لا يعطيهم أي مبرر للاستئثار بالمنطقة واحتلال تاريخها وإخضاعها للنفوذ الأميركي وصراع الدول الكبرى داخل الدولة السورية الأم... وهناك دراسة خاصة بمحافظة الحسكة أصدرها مكتب الدراسات والبحوث التابع لـ"التجمّع الوطني للشباب العربي" جاء فيها بخصوص التوزُّع الديموغرافي في محافظة الحسكة وقراها ما يلي:
-إجمالي عدد القرى في محافظة الحسكة 1717 قرية.
-العدد الكلي للقرى (العربية) في المحافظة 1161 قرية وتشكل نسبة 67,62 ٪ من إجمالي القرى .
-العدد الكلي للقرى (التي يقطنها أكراد) في المحافظة 453 قرية وتشكل نسبة 26,38 ٪ من إجمالي القرى.
-العدد الكلي للقرى (الآشورية السريانية) 50 قرية وتشكل نسبة 2,91 ٪ من إجمالي القرى
-عدد القرى المختلطة (عربية + كردية) 48 قرية وتشكل نسبة 2,79 ٪ من إجمالي القرى
-عدد القرى المختلطة (عربية +سريانية) 3 قرى وتشكل نسبة 0,17 ٪ من إجمالي القرى
-عدد القرى المختلطة (سريانية+ كردية) 2 قرية وتشكل نسبة 0,12 ٪ من إجمالي القرى
شرق الفرات جبهة جديدة لمحور المقاومة
دعا مستشار قائد الثورة الإسلامية الإيرانية للشؤون الدّولية "علي أكبر ولايتي"، الأحد 18/2/2018، جبهة المقاومة إلى اعتراض انتشار القوات الأميركية بشكل تدريجي في شرق الفرات.
وقال ولايتي في لقاء له مع نائب الرئيس العراقي "نوري المالكي"، إنه "بعد انتصار جبهة المقاومة على داعش يجب ان نتحلى بالمزيد من اليقظة مقارنة بالماضي في مراقبة أوضاع المنطقة"، محذراً من "مخططات الإدارة الأميركية لتقسيم المنطقة وبث الفرقة والخلافات فيها"...
من جانبه، أكّد نائب الرئيس العراقي أن "الحكومة العراقية كسائر أعضاء جبهة المقاومة تعتقد أنه يجب عدم السماح لواشنطن بالانتشار في شرق الفرات"، مضيفاً أن "إنشاء قواعد عسكرية أميركية جديدة في سورية سيشعل موجة جديدة من الإرهاب ويعزز التيارات التكفيرية التي تهدف إلى إضعاف جبهة المقاومة ولا سيما إيران".
خاتمة:
وهكذا نرى أن الانفصاليين الأكراد في نهاية مراحل الأزمة السورية المنظورة سيشعلون المنطقة الواقعة بين شرق الفرات وغربه، فهم الآن أداة بيد الاحتلال الأميركي، وهدف مشترك لعدوّيهما التقليديين تركيا وإيران، أما بالنسبة إلى دولتهم الأم سورية، فهم خارجون عن القانون فيها ومتعاونون مع قوة احتلال، فما الذي سيضاف في الفترة القادمة إلى تعريفهم المحدّث الجديد؟
23:10