خاص: بغداد :
انشغل الرأي العام العالمي كما الإعلام خلال اليومين الماضيين ما لم ينشغل به من قبل بسبب قصف الفرقاطة الأمريكية مطار الشعيرات في حمص ب 59 صاروخ توماهوك ، هذه الصواريخ التي يعتقد بأنها تصيب أهدافها بشكل دقيق, وكان علامات هذه الضربة متوقعة منذ آخر تصريح للسيد الأصفر ترامب وهو على متن الطائرة أمام جمع من الصحفيين بأن ذلك لا بد أن يحدث بسبب التحشيد الإعلامي الذي رافق قضية غاز السارين وحادثة خان شيخون في إدلب والتي لم يمض عليها يومان أو أقل من ذلك ، والدعوات المخلصة إلى إجراء تحقيقات دولية من قبل سورية والمنظمات الدولية لم تكن ترضي جميع الإطراف، تلك التي يمثلها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي أشار إلى عدم مصداقية الجانب الأمريكي في التحقيقات وانحرافها دائما عن مؤداها ومرماها الحقيقي مثلما حدث من قبل. ولكن هذه الضربة على الرغم من قساوتها وتجاوزها على خيارات وطن وأمة إلا أنها كرست التخندق السابق بين معسكر داعم للإرهاب تقوده أطراف محلية وأخرى دولية باركت العدوان على سورية بدأت من مباركة السعودية وتركيا وما يسمى (بالمعارضة) وذيول تابعة لها مع مواقف خجولة لمصر والعراق خشية الغضب الأمريكي، في حين أن الشارع العربي حاول أن يقول كلمته باتجاه ذلك وإعلان موقفه الرافض مع قوى رئيسة في محور الصراع الأخر وفي مقدمتها سورية وروسيا وإيران وأحزاب عربية تدين التدخل الأمريكي بهذه الهمجية، في حين استبشرت قوى معادية لهذا المحور بضرورة استمرار الهجمات على المواقع العسكرية السورية ، تلك المواقف التي تجاوزت نسبية الرأي الأمريكي نفسه القائل بأنها رد فعل سريع لا يمكن أن يستمر وظهور الكثير من التندرات والأماني والتشفي أيضا بضرورة استهداف مواقع أكثر حيوية من ذلك بما فيها ما يدعى بالمتحدثة باسم المعارضة السورية ( ديما موسى) والشحن الذي تمارسه تلك القوى تجاه سورية.
إن هذا التخندق ليس جديدا، بل هو جزء من إفرازات الراهن العالمي الجديد واصطفافاته التي تلتقي مع الاصطفاف الطائفي الذي تقوده قوى رجعية عربية وإقليمية والعداء غير المبرر لسورية شعبا وحكومة، بعدما انتهت من ذلك في العراق وأيقنت من تدمير ممكناته وتقويض قواه الحقيقية وها هي تحاول اليوم إعادة السيناريوهات العراقية المكررة عام 1991 والادعاء بوجود أسلحة كيمياوية، وهي ليست كذلك وتكريس ذلك للوصول إلى لحظة 2003، وما تلاها وتكاتف الأشرار من أجل تقويض التجربة العراقية وتقويض بنى الدولة كافة، وان تكرار السيناريو نفسه في سورية لا يلحق الضرر بها وحدها، بل في المنطقة بأجمعها بعدما تيقن الجميع بأن ذلك سيعود بالفائدة لقوى التطرف التي تنتمي إلى الحاضنة الفكرية المتطرفة نفسها (داعش) مهما صرح البعض بمدنية التوجه أو مخالفة ذلك، ولكنه في النتيجة سيكون تحت تلك الرايات السود كما حدث في مصر وأماكن أخرى جربت ذلك، أو من خلال ما ترشح عن جولة المفاوضات السورية الأخيرة التي تزعم الطرف الآخر (محمد علوش) زعيم أكثر الجهات تطرفا وسفكا للدماء وقد تم هذا برعاية أمريكية، على الرغم من تصريحات ترامب المخالفة لذلك ودعوته بتقويض سلطة الإرهابيين مقابل دعم الجيش السوري، ولكن الأمور سارت على عكس تلك التصريحات وهو ما يؤكد على تبعية القرار الأمريكي للوبي الصهيوني الذي بارك بقوة أيضا تلك الضربات الصاروخية الأمريكية على سورية . ونحن إذ نرى سرعة التطورات في المواقف التي تعيد للأذهان صواريخ التوماهوك التي أمطر بها الأمريكان بغداد ومدنا عراقية أخرى وتقطيع الأواصر بينها، نرى أن هذا العدوان لا يمكن أن يثني عزيمة شعب تعود المقاومة واتخذها سبيلا للوجود وللحياة، ونقول للسيد البرونزي لقد تعودنا حفيف صواريخك فادفع بالمزيد منها، وإن هذه القوى الصاروخية المعدودة على قاعدة الشعيرات وإلحاقها الضرر ببعض الطائرات والمعدات الأخرى، إنما تأتي بمواقف معاكسة لإرادة أمريكا والحلفاء الشامتين والفرحين بقتل الأبرياء والآمنين، من خلال التفاف الشارع العربي حول سورية واستهجانه للموقف الأمريكي الأرعن وما حدث وسيحدث في مجلس الأمن الدولي وخطابات الدول الرافضة للعدوان على سورية سيعيد الصواب إلى مساره في قادم الأيام.
خاص جهسنة نيوز