جهينة نيوز
تنذر التغيرات التي يشهدها الشمال السوري، وعلى رأسها إطاحة «النصرة» نفوذ «أحرار الشام» وطردها من مدينة إدلب والمناطق الحدودية، بمرحلة جديدة قد تمرّ بها مختلف المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. وفي المقابل يحثّ الجيش وحلفاؤه خطاهم شرقاً، على ضفة نهر الفرات الجنوبية، مستغلين «شقاق الإخوة» في إدلب، وهدوء الهدن في الغوطة والجنوب.
بعد أيام قليلة من الاشتباكات في مختلف مناطق إدلب، تمكنت «هيئة تحرير الشام» من فرض شروطها على «حركة أحرار الشام» وطردها من مدينة إدلب، مركز المحافظة الوحيد الذي انفردت «المعارضة» بالسيطرة عليه.
ولم تكتف «تحرير الشام» باغتنام إدلب المدينة فقط، بل أخرجت «أحرار الشام» من معبر باب الهوى باتفاق وتهديد، ومن نقاط حدودية أخرى بقوة السلاح، على مسمع ومرأى الجانب التركي الذي وقف متفرجاً، من دون زجّ «فصائله» ــ التي نقلها من جرابلس إلى حدود إدلب ــ في صف «الأحرار».
ولا يمكن أن يكتمل مشهد ما يجري في الشمال من دون النظر في معطيات باقي الجبهات السورية، إذ أتت سيطرة «تحرير الشام» على إدلب ــ من دون معارك داخلها ــ غداة اتفاق هدنة بين الفصائل المسلحة والجيش السوري في غوطة دمشق الشرقية يستثني مناطق «الهيئة»، وبعد استقرار هدنة مماثلة في الجنوب ترافقت أيامها الأولى مع مفاوضات لتحييد «الهيئة» عن تلك الجبهة. وبينما تدل تحركات رعاة الهدن على تفاهمهم حول عزل «تحرير الشام»، فرضت الأخيرة نفسها لاعباً وازناً في الشمال، وظهرت نزعتها لتحييد باقي الفصائل كأنها الخطوة الأولى لترتيب بيتها الداخلي، استعداداً لمعارك أكبر تنتظرها إدلب مستقبلاً، بعدما أصبحت «عاصمة القاعدة» من دون «معتدلين».
وشهدت المدينة أمس توتراً كبيراً عقب الإعلان عن انسحاب «أحرار الشام» لمصلحة «الهيئة»، إذ سمع دويّ أربعة انفجارات تبين لاحقاً أنها استهدفت نقاط تفتيش لـ«تحرير الشام» في محيط دوار الزراعة، وتسبّبت في سقوط عشرات من عناصرها. وبالتوازي، سيطرت «الهيئة» على معبر خربة الجوز وعلى بلدتي خربة الجوز والزعينية على الحدود مع تركيا، عقب معارك مع عناصر «أحرار الشام» المتمركزين في البلدتين والمعبر.
أكد قائد «جيش الإسلام» أنه يعمل
على «إخراج النصرة» من الغوط ومن المتوقع أن تشهد المنطقة الحدودية ما بين خربة الجوز ودركوش معارك مماثلة، في خلال محاولات «تحرير الشام» السيطرة على كامل الحدود مع تركيا، بعد أن فرضت سيطرتها على المناطق بين أطمة شمالاً ودركوش جنوباً، مروراً بحارم وسلقين.
وترسم تحركات «الهيئة» خلال الأيام الماضية مخططاً لوصل مناطق سيطرتها بشكل كامل، بعدما كانت مفصولة في بعض المناطق من قبل «أحرار الشام»، وذلك يتيح لها التحرر من أي عوائق على الإمداد والتحرك في كامل الريف الإدلبي.
ويظهر فرض «الهيئة» لشروطها بالكامل على «أحرار الشام» ضعف الأخيرة وعدم قدرتها على فتح مجابهة عسكرية واسعة. وهو ما يشير إلى تأثير الانشقاق الذي تعرضت له «أحرار الشام»، وانضمام جناح يقوده أبو جابر الشيخ مع «جبهة فتح الشام» ضمن كيان جديد هو «هيئة تحرير الشام». وتذكّر هذه الضربة التي تلقّتها «أحرار الشام» بالتصفيات التي شهدها الشمال على مدى عمر الحرب السورية، بدءاً من إنهاء «لواء عاصفة الشمال» على يد «داعش»، مروراً بفناء «لواء التوحيد»، واستهداف قيادة «أحرار الشام» نفسها من قبل مجهولين.
ومن المتوقع أن تنعكس متغيرات الشمال على باقي المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، وهو ما بدا واضحاً أمس، في تصريحات لقائد «جيش الإسلام» عصام البويضاني، أكد فيها أن فصيله سوف يعمل بالتعاون مع «فيلق الرحمن» على «إخراج (جبهة النصرة) من الغوطة»، مضيفاً أن ««النصرة» و»داعش» هم فكر ومشروع واحد، ووجودهم يدمر الأمة، ولا بد من قتالهم وإخراجهم من بلادنا». ورغم قِدم الخلاف بين «جيش الإسلام» و«النصرة» في الغوطة، فإن حديث البويضاني بالتوازي مع معطيات الساحة السورية، يدلل على أن «جيش الإسلام» منخرط في جهود «التوحد ضد الإرهاب»، عبر موافقته على هدنة بعد محادثات استضافتها القاهرة، وأجريت بوساطة موسكو من جهة، و«تيار الغد» المعارض الذي يرأسه أحمد الجربا من جهة أخرى. وتبدو مشاركة الجربا في الوساطة مع روسيا لافتة بالنظر إلى الدور الذي تلعبه قواته مع «التحالف الدولي» في الرقة، ومع مراعاة ما تم تداوله عن محاولاته ــ بإيعاز أميركي ــ نقل «الائتلاف» المعارض إلى الرقة بعد «تحريرها»، عوضاً عن إسطنبول، مقدماً وعوداً أميركية بمناطق ذات حكم مستقل في سوريا.
ومن الممكن القول إن مناطق سيطرة الفصائل المسلحة بدأت مرحلة جديدة، رُسمت ملامحها الأولى في الميدان حين تم العمل على فصل تلك المناطق جغرافياً، واستكملت عبر مسار أستانا الذي أدخل مفهوم الهدن المضمونة بالتوازي مع دعم اتفاقات المصالحات المحلية، وصولاً إلى عقد اتفاقات هدنة منفصلة. فالجنوب اليوم خاضع لهدنة أميركية ــ روسية رعتها عمّان، والغوطة انخرطت في اتفاق رعته القاهرة، فيما دخلت إدلب عباءة «القاعدة» بعيداً عن مسارات «تخفيف التصعيد».
ومن البديهي القول إن ما تشهده إدلب ومحيطها بالتوازي مع الهدن، يصبّ في مصلحة الجيش السوري وحلفائه، ويسهّل مهماتهم على باقي الجبهات. ويظهر ما سبق بشكل واضح في التطورات التي تشهدها محاور عدة في البادية، إذ سيطر الجيش خلال اليومين الماضيين على عدد كبير من القرى والمناطق المحاذية لمدينة الرقة من الجنوب، على الضفة المقابلة من نهر الفرات. وبينما تفصله عن النهر هناك (في قرى خربة الكردي ووادي بير العم) مناطق تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية»، فقد وصل الفرات إلى الشرق، عند قرية دلحة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من بلدة العكيرشي، الخاضعة لسيطرة «قسد». ومكّن التقدم الأخير الجيش من قطع طريق الطبقة ــ دير الزور، المحاذي لنهر الفرات من الجنوب، ما يمهّد الطريق لاستكمال العمليات على طول الطريق نحو الدير. ومن المتوقع أن يتقدم الجيش بعيداً عن طوق النهر القريب، الذي يضم عدداً كبيراً من التجمعات السكنية، والتي تعدّ مراكز حصينة لتنظيم «داعش»، في تكرار لما حصل في محيط مسكنة في ريف حلب الشرقي. ويضم طريق دير الزور (جنوب النهر) مركزين رئيسين يتوقع أن يشهدا معارك عنيفة، وهما معدان والتبني. وبينما وصل الجيش إلى بُعد 30 كيلومتراً من الجهة الغربية عن الأخيرة عقب سيطرته على بلدة السبخاوي أمس، بدأ سلاح الجو باستهداف مواقع «داعش» داخل معدان. وبوصول الجيش إلى السبخاوي، أصبح على بعد أقل من 15 كيلومتراً من حدود دير الزور الإدارية، من الشمال الغربي، وعلى بعد قرابة 80 كيلومتراً عن أقرب مواقعه في محيط الدير الغربي.
جريدة الأخبار اللبنانية