جهينة نيوز - رفعت سيد أحمد
وسط الدماء التي تسيل في دمشق من حي الميدان إلى حمص ودير الزور بأيدي حلفاء إسرائيل من “داعش” و”القاعدة” و”النصرة” وأخواتهم، ووسط تحذيرات السيّد حسن نصرالله وشُرفاء المقاومة من المؤامرات الجديدة التي تُعدّ الآن سراً للقضية الفلسطينية، ووسط أحاديث المصالحة الفلسطينية/ الفلسطينية والتي تحقّق جزء منها “بين فتح وحماس” على أيدي المخابرات المصرية مؤخّراً؛ وعودة رجال أوسلو فعلاً إلى غزّة، تعلو، وإن بصوت خافت إعلامياً وسياسياً، مطالبات في الكيان الصهيوني بإحياء مشروع إعادة توطين الفلسطينيين في سيناء، خاصة بعد قبول حماس لشروط أبومازن السياسية والتي تبدأ بحل الحكومة اللجنة الإدارية، وقد تصل إلى نزع سلاح المقاومة في غزّة انطلاقاً من أن “أبو مازن” هو عرّاب أوسلو ولايزال مصرّاً على كل بنود هذا الاتفاق البائس والذي مات منذ سنوات.
من شروط “صفقة القرن”: توطين الفلسطينيين في سيناء!
نقول وسط هذا كله مع التراجع لقوى المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمها حماس، والضغوط التي تتعرّض لها خاصة من الدول ذات الصلة بالكيان الصهيوني، يتردّد ثانية في أروقة صناعة القرار الإسرائيلي أن تلك هي اللحظة المناسبة لطرح ما سُمّي بـ “صفقة القرن”، والتى تردد أنها تضمن طرح المشروع الصهيوني القديم بإعادة توطين جزء من الشعب الفلسطيني في سيناء بعد موافقة (مصر – السيسي) للتدخّل لحلّ المشكلة المعقّدة بينهم وبين قيادات أوسلو.. فهل يتحقّق ذلك ونصبح أمام واقع جديد، وخطير ليس على مصر وجغرافية سيناء فحسب ولكن على القضية الفلسطينية برمّتها.
دعونا نجيب على الأسئلة بفتح هذا الملف من أصوله التاريخية ..
تؤكّد وثائق الصراع في المنطقة، أن واحداً من أبرز مهدّدات الأمن القومى المصرى بعد ثورتى 25 كانون الثاني/ يناير 2011 و30 حزيران/ يونيو 2013، هو المخطّط الإسرائيلى لتوطين الفلسطينيين في سيناء بالتآمر أو بالإغراءات، وهذا المخطّط له تاريخ طويل منذ الخمسينات وحتى اليوم، ووفقاً للوثائق المُتاحة فإن هذا المخطّط بدأ منذ 1953، وقد رفضه عبد الناصر .. والمخطّط بأكمله منشور فى كتاب اسمه “خنجر إسرائيل” والكتاب عبارة عن تصريحات موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلى وقتها عن خطته لتقسيم العرب واحتلالهم.
وفي العام 1955 حاولت منظمة الأونروا خديعة عبد الناصر بحجج تبدو إنسانية وطلبت منه تخصيص 230 ألف فدان لإقامة مشاريع للفلسطينيين المطرودين من المحتل ورفض عبد الناصر، وفي عام 1967 قام آرييل شارون وكان قائد القوات الإسرائيلية في قطاع غزّة بتقديم مشروعه الذي هو نسخة محدثة من المشروع السابق، وكان مبرّره أن المشروع لا يهدف سوى لتخفيف الكثافة السكانية في قطاع غزّة المزدحم لكنه أُلحِقَ بتقديم المشروع تحرك عملي منه على طريقته الخاصة بشقّ شوارع في المخيمات الرئيسية في قطاع غزةّ لتسهيل مرور القوات إلى المخيمات، ما أدّى إلى هدْم الآلاف من المنازل ونقل أصحابها إلى مخيم كندا داخل الأراضي المصرية، وبعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر رفضت إسرائيل عودة هؤلاء إلى الأراضي الفلسطينية ليصبح مشروع آرييل شارون هو حتى اللحظة المشروع الإسرائيلي الأكثر نجاحاً والذى أسّس للمشاريع اللاحقة.
وفي سنة 2003 قامت المجلة الدورية لوزارة الدفاع الأميركية بنشر خرائط تقسيم الدول العربية التي وضعها اليهودي برنارد لويس وبها إشارة لهذا المخطط، وفي سنة 2005 نفّذت الحكومة الإسرائيلية انسحاباً من قطاع غزّة كبداية كما أعلن لبدء تنفيذه، وفي عام 2006 قامت حركة حماس بحُكم غزّة بعد صراعات مع السلطة الفلسطينية ومحمّد دحلان، وفي عام 2010 – وفي 38 صفحة – جاءت أخطر وثيقة إسرائيلية في هذا المجال وهي وثيقة مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق اللواء احتياط، جيورا إيلاند، ويطرح فيها أن مملكة الأردن هي دولة الفلسطينيين، وبوضعها الجديد ستكون من ثلاثة أقاليم تضمّ الضفّتين الغربية والشرقية وغزّة الكبرى التي تأخذ جزءاً من مصر.
وقال إيلاند أن إسرائيل نجحت بجهود سرّية خصوصاً في إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالضغط علي العرب للاشتراك في حل إقليمي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يقوم على استمرار سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية، مقابل تعويض الفلسطينيين، بمساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولة فلسطينية مستقرّة وقادرة على النمو والمنافسة.
لكن أخطر ما كشفه إيلاند هو أن عملية الانسحاب الأحادي الجانب من غزّة عام 2005 كانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، وهو ما رفضته مصر ولاتزال، لأنها تعرف وتدرك مدى المخططات الإسرائيلية على أمن مصر القومي ، ولقد بُنيَ الاقتراح الإسرائيلى على الآتي:
- تنقل مصر إلى غزّة مناطق مساحتها نحو 720 كيلومتراً. وتشمل هذه المنطقة جزءاً من الشريط المبني الممتد على طول 24 كيلومتراً على طول شاطىء البحر المتوسط من رفح غرباً حتي العريش. بالإضافة إلى شريط يقع غرب كرم سالم جنوباً، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر. وتؤدي هذه الزيادة، إلى مضاعفة حجم قطاع غزّة البالغ حالياً 365 كيلومتراً نحو ثلاث مرات.
- توازي مساحة 720 كيلومتراً حوالى 12 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزّة، يتنازل الفلسطينيون عن 12في المئة من أراضي الضفة التي ستضمّها إسرائيل إليها.
هذا ولقد رفض الفلسطينيون والمصريون على مرّ تجارب الحُكم منذ عبدالناصر وحتى السيسي، هذا المخطّط وإن كانت الضغوط مستمرة لتنفيذه، من قبل أميركا وإسرائيل والاتحاد الأوروبى وبعض الدول الإقليمية ذات العلاقة الاستراتيجية النفطية والعسكرية مع إسرائيل ونقصد تحديداً قطر وتركيا، والسعودية، واليوم يتجدّد الحديث إسرائيلياً، ضمن شروط “صفقة القرن القادمة” وبعد لقاء نتنياهو ومصافحته الشهيرة للرئيس المصري السيسي في الأمم المتحدة قبل أيام وبعد توصّل مصر إلى اتفاق مصالحة من الفصائل الفلسطينية وتلويح بعض مسؤوليها بإمكانية أن يلعبوا دور الوسيط بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين، هنا يؤكّد الخبراء الصهاينة الذين يهتمون بهذا المخطط أن الخطوة القادمة هي إعادة إحيائه بحجّة أن حماس التي كانت حركة مقاومة مسلّحة هي الآن في حضن وتحت ضغط “رجال أوسلو”، وهؤلاء هم بالضرورة رجال إسرائيل في الضفة، والآن في غزّة، لكن ما يقف عقبة أمام تلك المخططات الصهيونية القديمة “المتجدّدة” هو هذا الشعب الفلسطيني اليقظ، والمعلم، والذي يرفض هكذا حلول ولا يستبدل وطنه بوطنٍ آخر، ونحسب أن شعباً دفع من دمه وأرواح أبنائه مئات الآلاف عبر مائة عام من التضحيات والصراع الدامي، لا يمكنه أن يقبل بأرضه بديلاً، وهو وحده القادر على كنس كل تلك (القمامة) السياسية الإسرائيلية؛ بأصدقائها من العرب والفلسطينيين، وبصفقات قرنها ونعتقد أن مصر، كذلك – جيشاً وشعباً – ترفض هذا المخطط الإسرائيلي مهما تزيّن تحت مسمّيات، أو إغراءات، إلا أن هذا الرفض كله، فلسطينياً ومصرياً، ينبغى له أن يظل يقظاً خلال الأيام القادمة لأن المؤامرة على فلسطين، كبيرة، وخطيرة، وتلك بعض إشاراتها المقلقة، والله أعلم.
المصدر: "نضال الشعب" الفلسطينية
01:16
21:51