جهينة- خاص:
في كل اجتماع مع مؤسسات الوزارة وإداراتها ومحاكمها المختلفة، كان يركزُ دائماً على حسن سير العملية القضائية والملاحظات التي يمكن رصدها لتلافي أي خلل في الأداء، وفي الوقت نفسه ضرورة الاستماع إلى شكاوى المواطنين ومعالجتها وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة، مشدداً على أهمية عامل الزمن وعدم إطالة أمد التقاضي وعدم التأخر بالبت في الدعاوى ومتابعة القاضي لكل التفاصيل المتعلقة بمجريات الدعوى المنظورة أمامه، فضلاً عن سعيه لتوحيد الرؤى لتسريع إجراءات التقاضي وتلافي المعوقات والإشكالات التي تعترض عمل القضاة بما يؤدي في النهاية إلى إنجاح العمل القضائي وتعزيز الثقة بالقضاء.. يمتلكُ خبرةً تمتدُ إلى أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، شغلَ فيها مناصب ووظائف ومهمات عدة بينها: رئيس مجلس الدولة، رئيس اللجنة القضائية العليا لانتخابات مجلس الشعب، نائب رئيس محكمة النقض، رئيس الغرفة الجنائية الأولى بمحكمة النقض، ويدركُ تماماً منذ صدور مرسوم تعيينه في التاسع والعشرين من آذار عام 2017 أنه سيكون أمام مهمة شاقة، ولاسيما في مؤسسة تعرضت للكثير من الانتقادات والاتهامات، وقبلها لتخريب وإحراق وتدمير منشآتها على أيدي العصابات الإرهابية المسلحة، لكن الإرادة والروح الوطنية التي يتحلّى بها جعلتا هذه المؤسسة في مقدمة مؤسسات الدولة التي تنهضُ (اليوم) بمشروع إصلاحي سيكون أحد محاور هذا اللقاء الخاص والشامل.. إنه وزير العدل الأستاذ القاضي هشام الشعار الذي التقته «جهينة» في الحوار التالي:
جرائم المعلوماتية أو الجرائم الإلكترونية
أصدر السيد الرئيس بشار الأسد القانون رقم /9/ لعام 2018 القاضي بإحداث محاكم متخصّصة بقضايا جرائم المعلوماتية والاتصالات، بماذا تحدثوننا عن آلية التطبيق والقانون المطبق، وهل له علاقة بالقانون الناظم لجرائم المعلوماتية أم سيتم الاعتماد على قانون العقوبات والقوانين الرديفة؟
من المعلوم أن الثورة التكنولوجية المتسارعة التي تحدث في هذا العالم أفرزت نوعاً جديداً من الجرائم التي لم تكن معهودة من قبل، وتُعرف بجرائم المعلوماتية أو الجرائم الإلكترونية أو جرائم الفضاء السيبراني، ويتم ارتكاب هذه الجرائم عبر استخدام الأجهزة الحاسوبية أو الشبكة أو التي تقع على المنظومات المعلوماتية أو الشبكة.
لقد أصدر المشرّع السوري القانون رقم (17) لعام 2012 المتعلق بتنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، حيث نصّ القانون المذكور على تعريف الجريمة الإلكترونية وحدّد مسؤوليات مقدمي خدمات النفاذ والاستضافة على الشبكة، كما نصّ على تكليف الهيئة الوطنية لخدمات الشبكة بوضع المعايير التقنية الناظمة لتطبيق أحكام هذا القانون، كما عرف القانون أنواعاً من الجرائم المعلوماتية مثل النفاذ غير المشروع إلى الشبكة، وشغل اسم موقع إلكتروني وإعاقة الوصول إلى الخدمة واعتراض المعلومات، وتصميم البرمجيات الخبيثة واستخدامها وجرائم الاحتيال عبر الشبكة والاستعمال غير المشروع لبطاقات الدفع وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، كما نصّ القانون على إحداث ضابطة عدلية في وزارة الداخلية مختصة باستقصاء جرائم المعلوماتية وجمع أدلتها الرقمية، وإلقاء القبض على مرتكبيها وإحالتهم إلى المحاكم الموكول إليها أمر معاقبتهم، وأيضاً نصّ القانون على تعريف الدليل الرقمي وحجّته أمام المحكمة المختصة. وانطلاقاً من أهمية هذا الموضوع فقد حرصت وزارة العدل على اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها أن ترتقي بمستوى المحاكم الناظرة بهذا النوع من الجرائم من خلال التأهيل والتدريب اللازم للقائمين على هذه المحاكم، لذلك قامت الوزارة بإجراء المرحلة التدريبية الأولى «الموجّهة للقضاة والضابطة العدلية المختصة في سورية» على مكافحة الجريمة المعلوماتية ومفاهيم الدليل الرقمي والتي أُقيمت بموجب مذكرة التفاهم المشتركة بين وزارات الداخلية والاتصالات والتقانة والعدل والأكاديمية العربية للأعمال الإلكترونية، ويهدف البرنامج التدريبي إلى تزويد القضاة وعناصر الضابطة العدلية بالخبرات الضرورية في مجال مكافحة الجريمة المعلوماتية والدليل الرقمي، إضافة إلى الجوانب التقنية والقانونية التي يحتاجها المتدربون للتعامل مع القضايا المتعلقة بهذا النوع من الجرائم والإخبار عن الطابع غير المشروع للمحتوى على الشبكة والبيانات الرقمية المخزّنة في الأجهزة الحاسوبية أو المنظومات المعلوماتية أو المنقولة بوساطتها والتي يمكن استخدامها في إثبات أو نفي الجريمة المعلوماتية.
وشارك في هذه الدورة 65 قاضياً من دمشق وريف دمشق والقنيطرة، و27 ممثلاً من فرع مكافحة الجرائم المعلوماتية وقسم المعلوماتية وفروع الأمن الجنائي بوزارة الداخلية في المحافظات، كما تمّ عقد مرحلة تدريب متقدمة للقضاة الذين اجتازوا المرحلة الأولى من التدريب شملت جانبين «قانوني وتقني»، حيث تسعى وزارة العدل من خلال التأهيل والتدريب المستمرين في هذا المجال إلى إحداث محاكم متخصّصة بهذا النوع من الجرائم وأيضاً إحداث قضاء نيابة وتحقيق خاص بالجرائم المعلوماتية وهو ما تحقّق من خلال القانون رقم (9) لعام 2018 القاضي بإحداث قضاء متخصّص بقضايا جرائم المعلوماتية والاتصالات، إذ أحيلت كافة الدعاوى من هذا النوع والمنظورة سابقاً في عدد من المحاكم إلى المحكمة المحدثة المختصة بهذا النوع.
المباني المستأجرة لا تلبي الحاجة
ما الجديد في واقع أبنية العدليات وقصور العدل وآلية تجديدها، وهل سيتم إحداث محاكم جديدة؟
تتمثل هذه الأبنية بقصور العدل في المحافظات وأبنية المحاكم في المجمّعات القضائية والمحاكم المنتشرة على مستوى النواحي في أنحاء القطر كافة، والكلّ يعلم ما تعرضت له هذه المباني من تدمير ونهب إثر الأحداث التي تمرّ بها سورية، إذ كانت الهدف الأول للمجموعات الإرهابية المسلحة في الأيام الأولى للأحداث، الأمر الذي أخرج العديد منها من الخدمة، ما اضطر الوزارة لاستئجار أماكن جديدة من أجل ضمان استمرار العملية القضائية رغم كل الظروف الصعبة المرافقة لذلك. وحالياً تعتمد الوزارة بشكل أساسي على الإيجار لدور المحاكم في ظل عدم توفر الأماكن المناسبة لقصور العدل والمحاكم في مختلف العدليات، وهذه المباني المستأجرة لا تلبي الحاجة الفعلية بسبب تصميمها غير المناسب وصغر مساحتها في الغالب. كما تقوم الوزارة بمتابعة بناء قصور العدل في كل من المحافظات التالية: (اللاذقية- المشروع العاشر- مازالت في مرحلة الدراسة)، (السويداء- إتمام بناء القصر العدلي في كل من السويداء وصلخد)، (درعا- إتمام بناء القصر العدلي الجديد بدرعا وحالياً العمل متوقف فيه منذ بداية الحرب)، (طرطوس- بناء ملحق للقصر العدلي مازال في مرحلة الدراسة)، وتعمل الوزارة على تأمين أبنية مستأجرة في العدليات المذكورة لاستمرارية العملية القضائية. أما ما يخصُ عدلية دمشق فإن الوضع في القصر العدلي ليس جيداً، نظراً لما يعانيه من ازدحام خانق في ظل وصول عدد المراجعين فيه يومياً إلى /15/ ألف مراجع، وذلك بسبب وجود عدد كبير من الإخوة المهجّرين من المحافظات الأخرى بفعل العصابات الإرهابية المسلحة، والذين قدموا إلى دمشق ينشدون الأمن والأمان فيها، وتقديم الخدمات لهم، إضافة إلى أن هذا البناء ونظراً لقدمه ووقوعه بالقرب من مجرى نهر بردى عانى من هبوط في الأساسات ما اضطر الوزارة للتعاقد مع إحدى جهات القطاع العام لتدعيمه والعمل على عزل السطح الأخير فيه لتفادي رشح المياه التي تؤثر على البناء بشكل عام، ولذلك سعت الوزارة لتأمين مكان جديد لتخفيف الازدحام في هذا البناء إلا أن جهودها لم تفلح، رغم مراسلة جميع الوزارات والجهات العامة للاستفادة من الأبنية التابعة لها والقريبة من القصر العدلي، ما اضطرها أخيراً لنقل المحاكم المدنية إلى مبنى الوزارة في أتوتستراد المزة للتخفيف من هذا الازدحام وإتاحة المجال لأعمال الترميم فيه. ويمكنني القول هنا إن الأمر نفسه ينطبقُ على القصر العدلي بريف دمشق الكائن في شارع خالد بن الوليد بعد أن تم نقله من منطقة الزبلطاني إلى مبنى المطبعة الرسمية، حيث يعاني هذا البناء من ازدحام خانق، نظراً لنقل العديد من محاكم المناطق إلى هذا البناء مثل: (الزبداني، ببيلا، المليحة، داريا..)، وتعمل الوزارة بجد على تأمين الأماكن المناسبة لقصور العدل، وبما ينسجم مع ما يتوفر من ميزانية مناسبة، حيث عمدت مؤخراً إلى شراء بناء جديد لمحكمة الشيخ بدر بعد تأمين الاعتمادات المالية اللازمة، وهناك مفاوضات بين الوزارة وأحد المالكين لشراء مبنى لمحكمة قطنا، كما تقوم الوزارة بإعداد خطة لتأمين الأراضي المناسبة لبناء قصور العدل أو شراء بعض الأبنية من القطاعين العام والخاص من أجل تيسير عمل هذه المحاكم.
مسابقات لاختيار القضاة
هل هناك فكرة لتعديل آلية انتقاء القضاة، وهل ما يُطبق الآن هو انتقاء مثالي؟
يتمّ انتقاء القضاة من خلال إجراء مسابقة لاختيار عدد من حملة الإجازة في الحقوق لاختيارهم كطلاب للالتحاق بالمعهد العالي للقضاء، وتمر هذه المسابقة طبعاً بالمراحل المعتادة من حيث الإعداد للتسجيل وأخذ الموافقات اللازمة وإجراء الامتحان الكتابي ومن ثم الشفوي استكمالاً لإجراءاتها، ويتمّ إعداد الامتحان التحريري والتصحيح بإشراف لجنة من الوزارة، ويكون هذا التصحيح مثل تصحيح أي مقرر في كلية الحقوق تماماً.. وبعد قبول المتقدّم في المعهد العالي للقضاء يتم إخضاع المتدرب فيه للدراسة مدة عامين ما بين الجانب النظري والجانب العملي، فهو معهد يماثل المعاهد العليا في القطر من حيث المواد التي يتمّ تدريسها وأسس النجاح والرسوب. وكذلك تقوم الوزارة بالإعلان عن مسابقات لاختيار عدد من المحامين لتعيينهم كقضاة مستشارين وقضاة بداية مع اشتراط مدة عمل في مجال المحاماة لـ 7 أو 10 أو 12 سنة حسب حاجة وزارة العدل، ويخضع المتقدم لهذه المسابقات لإجراءات المسابقة الاعتيادية نفسها من حيث الامتحان التحريري والشفوي والموافقات اللازمة للتعيين، كما يخضع بعد نجاحه للدراسة الاجتماعية والصحية والنفسية، حيث تستأنس الوزارة برأي المحامي العام بالمحافظة ورأي فرع نقابة المحامين في محافظة المتقدم ورأي فرع حزب البعث العربي الاشتراكي وغير ذلك بهدف تشكيل صورة واضحة لدى الوزارة عن الشخص المتقدم وتقييم وضعه الاجتماعي وسلوكه الأخلاقي.
محكمة الإرهاب
في ظل الحرب على سورية برز ما يسمّى «جرائم الإرهاب»، ما هي هذه الجرائم ودور محكمة الإرهاب في تقييمها ومكافحتها؟
إثر الأزمة التي تمر بها بلادنا والحرب التي تُشنّ عليها من العصابات المسلحة والدول الداعمة والممولة لها ظهرت إلى السطح جرائم ذات طبيعة خاصة، هي الجرائم الإرهابية بكافة أنواعها، إضافة إلى جرائم الخطف مقابل الفدية وغير ذلك من الجرائم التي لم يكن يعرفها المجتمع السوري، الأمر الذي استدعى الإسراع في إحداث محكمة تتصدى للنظر بالدعاوى الخاصة بهذه الجرائم وقانون خاص بهذه الجرائم، وبناءً عليه أُحدثت محكمة قضايا الإرهاب بموجب القانون رقم 22 لعام 2012 وهذه المحكمة هي محكمة استثنائية، وأهم ما فيها أن حق الدفاع فيها مقدّس لا يمكن المساس به رغم ما يُشاع أحياناً من البعض حول هذه المحكمة.
أما بشأن ما يتمّ تداوله في الشارع عن دفع مبالغ مالية هائلة مقابل إخلاء سبيل الموقوف بغضّ النظر عن كونه إرهابياً أم لا، فنعتقد أن الأمر فيه الكثير من المبالغة والتجنّي بحق المحكمة والكادر القضائي والإداري الذي يعمل فيها، لكن وكما أفرزت الأزمة -كما قلنا- نوعاً خاصاً من الجرائم فقد أفرزت أيضاً أشخاصاً من ضعاف النفوس يستغلون آلام الآخرين ومعاناتهم، ويمارسون النصب والاحتيال عليهم بحجة أنهم من ذوي النفوذ ويستطيعون إخلاء سبيل الموقوفين.. وكشفت الوزارة بعض حالات النصب والاحتيال هذه وتمت معالجتها أصولاً، حيث أُحيل مرتكبوها إلى المحاكم المختصة لينالوا جزاءهم العادل، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه المحكمة تخضع لرقابة مباشرة من الوزير ومن إدارة التفتيش القضائي، كما أن الوزارة وفي سبيل تسريع عمل هذه المحكمة وضبطه عمدت إلى تجهيز برنامج أتمتة العمل القضائي لتطبيقه في هذه المحكمة وتجهيز البنى التحتية اللازمة لذلك من تجهيزات وشبكات كهربائية وحاسوبية.
مشكلات اجتماعية حقيقية
خلّفت الأزمة كثيراً من المشكلات الاجتماعية كزيادة حالات الطلاق في المجتمع السوري، كيف واجهت المحاكم الشرعية مثل هذه المشكلات؟
لاشك بأن الأزمة التي يمر بها وطننا الحبيب والحرب التي تُشنّ عليه من العصابات المسلحة وتهجير عدد كبير من المواطنين من أماكن إقامتهم إلى أماكن أخرى، تركت آثاراً اجتماعية جسيمة الضرر تجلّت بازدياد ظاهرة زواج القاصرات وارتفاع حالات الطلاق نتيجةً لذلك، ما انعكس سلباً على العلاقات الأسرية وأوجدَ مشكلات اجتماعية حقيقية، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الذي رافق ذلك وفقدان كثير من الأسر لمصادر دخلها، وهذا ما ألقى عبئاً غير مسبوق على المحاكم الشرعية ولاسيما في دمشق بعد انتقال العديد من الأسر من المحافظات الأخرى إليها، حيث ساهمت المحاكم الشرعية في دمشق بحلّ العديد من هذه المشكلات وفق أحكام القانون، كما أنها وبتوجيهات من الوزارة عمدت إلى الإسراع في إنجاز تلك المعاملات والدعاوى القائمة بهذا الخصوص، مع الحرص على تحقيق العدالة والحفاظ على مصلحة الأطفال في الأسر التي كان الطلاق مصير الزوجين فيها.
ظروف قاهرة تطيل أمد التقاضي
من بين أهم المشكلات أيضاً في مثل هذه القضايا إطالة أمد التقاضي، ما هي الحلول والمقترحات المطروحة للدعاوى التي تستمر لسنوات عدة؟
تسعى وزارة العدل إلى الحدّ من ظاهرة إطالة أمد التقاضي وفق الإمكانيات والظروف المتاحة، وهي في سبيل ذلك أصدرت العديد من التعاميم والقرارات بهذا الخصوص ومنها التعميم رقم 81 لعام 2015 الذي يهيب بالقضاة بذل الجهد لإزالة التراكم في الدعاوى والإسراع في فصلها بموجب القرار 5928/ل تاريخ 17/10/2016 الذي يطلب من جميع العاملين إنهاء الأعمال الموكلة إليهم يومياً من دون إبطاء أو مماطلة أو تقاعس، كما صدر التعميم رقم 27 لعام 2017 بأن تنجز أي معاملة محالة إلى إدارة التفتيش القضائي خلال شهرين على الأكثر، ولا يجوز الاستثناء من أي من المدد المشار إليها إلا في حال القوة القاهرة التي يعود تقديرها إلى مجلس القضاء الأعلى، إلا أن الظروف الحالية أدت إلى نشوء أسباب قاهرة تطيل أمد التقاضي ومن أهمها موضوع التبليغات التي تعتبر العامل الأول في إطالة أمد التقاضي، حيث يتعذر تبليغ الأطراف بسبب الظروف الأمنية، ولذلك لجأت الوزارة إلى وسائل بديلة في التبليغ كالتبليغ الإلكتروني وبوساطة الرسائل النصية أو عبر موقع الصحف الإلكترونية. والأمر نفسه ينطبق على الكتب التي ترسلها المحاكم إلى الجهات الأخرى ذات العلاقة حيث يحصل تأخير من هذه الجهات في الرد على هذه الكتب، ما ينعكس سلباً على أمد التقاضي، ولذلك فإن الوزارة تخاطب هذه الجهات بضرورة الإسراع في الرد على الكتب المرسلة. أضف إلى ذلك أن الأحداث التي تعرضت لها سورية أدت إلى إتلاف الكثير من الدعاوى، ولهذا عمدت الوزارة إلى ترميم هذه الدعاوى التالفة عبر مجلس القضاء الأعلى حرصاً منه على استمرارية عملية التقاضي وإنجازها بالسرعة الممكنة، كما عملت على نقل الدعاوى من محافظة إلى أخرى لضمان استمرار العملية القضائية.
تعديل القوانين وتغييرها
بعد التطورات الكبيرة والتحولات التي شهدها مجتمعنا باتت بعض القوانين القديمة تستلزم التغيير والتطوير والتعديل، هل ما زالت هذه القوانين ساريةً حالياً، وهل تواكب التطور الحاصل برأيكم؟
تساهم الوزارة بشكل أساسي بإعداد التشريعات المناسبة للعمل القضائي وتعديل البعض منها لكي تتماشى مع التطورات الحاصلة في المجتمع، فمع ظهور جرائم جديدة أثناء الأزمة لم تكن معروفة سابقاً عملت الوزارة على إصدار قوانين مختلفة تتعلق بـــ(مكافحة الإرهاب وإحداث محكمة جديدة لها، قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 1 لعام 2016، قانون السجلات القضائية، قانون الكاتب بالعدل..) والقائمة تطول. ومن المعلوم هنا أن البيئة التشريعية المناسبة أحد العوامل المساعدة على ارتقاء القضاء وتطويره بما يخدم مصالح الناس والدولة، وأن مرور الزمن على بعض القوانين يستدعي حكماً تعديلها بما يتناسب مع الوضع القائم، وهذه هي الحال في جميع دول العالم فيما يخص التشريعات الوضعية، واستناداً إلى ذلك فإن الوزارة شكلت سابقاً لجاناً متعددة لتعديل بعض القوانين التي مرّت عليها فترة من الزمن ولاسيما أن معظم القوانين الحالية تعود إلى أربعينيات القرن الماضي مع بداية استقلال سورية، ومن هذه اللجان لجنة تعديل قانون العقوبات، ولجنة تعديل قانون البيّنات، ولجنة تعديل قانون الإرهاب، ولجان أخرى، وصدر قانون أصول المحاكمات المدنية رقم /1/ لعام 2016 كنتيجة لانتهاء أعمال اللجنة المختصة بذلك ولا تزال بعض اللجان تتابع عملها لتعديل بعض القوانين وفق الحاجة، ومن أهم القوانين التي يتمّ العمل على تعديلها: (قانون أصول المحاكمات الجزائية، قانون العقوبات، قانون إدارة أموال الأيتام، قانون البيّنات..) والقائمة تطول أيضاً.
كما ساهمت الوزارة خلال سنوات الأزمة فقط منذ 2011 لغاية 2016 في إصدار /150/ قانوناً و/350/ مرسوماً تشريعياً، وهناك العديد من اللجان القانونية التي تقوم بدراسة بعض الموضوعات القانونية وإبداء الرأي فيها مع المقترحات اللازمة لمعالجة ما يعترض العملية القضائية من مشكلات تظهر أثناء العمل القضائي وبعض الأسئلة المطروحة من الوزارات المختلفة.
أتمتة العمل القضائي
أنجزت وزارة العدل خلال السنوات الأخيرة خطوات مهمة في توفير بيئة عمل إدارية سريعة من بينها مشروع أتمتة العمل القضائي وتعميم ذلك على كامل العدليات في سورية.. ما ثمار هذا الإنجاز وفوائده؟
تهدف الوزارة من خلال هذا المشروع إلى ربط جميع محاكم الجمهورية العربية السورية بوزارة العدل إلكترونياً وتنظيم عمل جميع هذه المحاكم وأتمتتها بما يحقق السرعة في العمل والحدّ من إطالة العملية القضائية وتحقيق المزيد من الشفافية والنزاهة في العملية القضائية وتأمين حماية الدعوى وكل ما يتعلق بها، وذلك من خلال تخزينها على مخدّمات خاصة في وزارة العدل والسعي إلى تخزينها في أماكن خارج الوزارة، إضافة إلى الوقوف على مسار العملية القضائية بدقة بالغة في كل محكمة والاستفادة من مخرجات هذا البرنامج لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى ازدياد عدد الدعاوى، وبالوقت نفسه تضع صانع القرار على بينة تامة بخصوص مسألة معينة (بيع الأراضي الحدودية، جرائم الاحتيال، الجرائم المصرفية، حالات الطلاق المتزايدة.. إلخ)، إذ تمّ تطبيق هذا البرنامج جزئياً في عدلية ريف دمشق (القسم المدني) منذ عام 2014 وما زال يعمل من دون أية مشكلات، وسوف يتم تطبيقه هذا العام في عدلية ريف دمشق (القسم الجزائي) وكذلك في عدلية دمشق كاملة، وذلك بعد تأمين التجهيزات وإعداد الشبكات الحاسوبية والكهربائية اللازمة لعمل البرنامج، كما نخطط لتطبيق هذا البرنامج في كل من عدليتي حلب وحماة بعد تأمين التجهيزات اللازمة لذلك، حيث سيسهم هذا البرنامج في حل الكثير من المشكلات القضائية، كما أنه يقضي على حالات الفساد المختلفة بنسبة لا تقلّ عن /70%/، فهو يعتبر من الحلول الأساسية التي تساهم في تطوير العملية القضائية إلى حدّ بعيد.
الفساد في القضاء أشد وأخطر
ما الدور الذي تضطلع به الوزارة (اليوم) في مكافحة الفساد، وهل يتم تطبيق العقاب بحق القضاة المخالفين؟
الفساد ظاهرة موجودة في كل نواحي الحياة، وهذه الظاهرة قديمة قِدم الخلق، ولكن وجودها في المجتمعات يتأثر صعوداً وهبوطاً بعدة عوامل منها: الدين، الأخلاق، الثقافة ودرجة الوعي، وتزداد هذه الظاهرة انتشاراً في الأزمات والكوارث والحروب، وهذا الأمر نعتقد أن الجميع يلاحظه. أما في القضاء فالفساد أمر آخر، هو أشد خطورة وأقسى أثراً، ويسبّب نوعاً من عدم ثقة الناس به (أي القضاء)، وهذا الأمر يلحق الضرر بسمعة القضاء الوطني الذي يُعدّ الملاذ الأخير والآمن للمواطن من الظلم الذي لحق به، ما يستدعي أن تكون الوزارة حريصةً كل الحرص على مكافحة الفساد في أي مفصل من مفاصل عملها، ومن أجل ذلك نصّ قانون السلطة القضائية على كيفية ملاحقة القاضي الفاسد والعقوبات التي قد يتعرّض لها جراء ذلك. كما أن إدارة التفتيش القضائي ومن خلال قيامها بالتفتيش الدوري على أعمال القضاة والمحاكم تتابع هذا الأمر، وتعالج أي حالة فساد مكتشفة وفق الأصول القانونية، كما يمكنها متابعة الأمر من خلال الشكاوى التي تُرفع للوزارة والتي من خلالها يُشار إلى كل حالة من حالات الفساد، وبدورها الوزارة تقوم بقمع هذه الحالات بشكلٍ فوري، وتسعى من خلال التعاميم والقرارات التي تضمن سير العملية القضائية بأحسن السبل إلى تجنيب القاضي أو المساعد القضائي الوقوع في الخطأ، ومن أجل ذلك واستمراراً لعملية الإصلاح القضائي أطلقت وزارة العدل مشروع أتمتة العمل القضائي في كافة المحاكم، وهو أحد الأمور التي ستحدّ من وقوع الفساد في العملية القضائية إلى حدّ بعيد، حيث سيؤمن التواصل الدائم ما بين كافة المحاكم ووزارة العدل، مع الإشارة إلى أن هذا البرنامج فيه من المزايا الكثير بحيث ينبّه القاضي قبل الوقوع في الخطأ.
أما فيما يتعلق بالمحامين فإن الوزارة على تواصلٍ وتنسيقٍ دائمين مع نقابة المحامين باعتبار أن المحامين جزء من العملية القضائية التي لا تستقيم في بعض مراحلها من دونهم، وما يتم تداوله عن شبكات فساد من القضاة والمحامين نعتقد أنه أمرٌ مبالغٌ فيه إلى حدّ كبير، وإن وُجد فلا شك أنه من الحالات النادرة، إذ إن غالبية القضاة والمحامين هم من الأشخاص المحترمين، والذين يمارسون عملهم ضمن الأصول والقانون.
التشكيلات القضائية
هنا لا بد أن نتوقف عند التشكيلات القضائية والتغييرات التي تحصل باستمرار، هل هي من باب إعطاء الفرصة للإمكانيات الأفضل أم من ضمن خطة مكافحة الفساد؟
من المعلوم أن السلطة القضائية كإحدى سلطات الدولة الثلاث هي سلطة مستقلة، وينظم عملها قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /98/ لعام 1961م، كما ينظم شؤون القضاة بالدرجة الأولى وكيفية تعيينهم وتوزيعهم وذلك كله بإشراف مجلس القضاء الأعلى الذي يترأسه السيد رئيس الجمهورية العربية السورية، وينوب عنه حكماً السيد وزير العدل. ونصّ هذا القانون في مادته رقم (95) على أنه: «في غير حالات الضرورة القصوى تجري التعيينات والترقيات والتنقلات بين القضاة مرةً واحدةً كل سنة ويكون ذلك خلال شهر تموز»، الأمر الذي يقتضي إعادة توزيعهم على المحاكم والدوائر القضائية، وعادةً ما يكون ذلك في الشهر السابع من كل عام تماشياً مع دوام المؤسسات الأخرى كالمدارس والجامعات، إلا أن واقع الحال في المحاكم قد يفرض على الوزارة إجراء هذه التشكيلات في مواعيد غير محددة، وذلك حينما تلاحظ أن هناك خمولاً في العمل الذي يمارسه القاضي لفترة طويلة، حيث يصبح غير مهتم بعمله مما يؤثر في الدعاوى المنظورة وحقوق المواطنين، إضافة إلى أنه قد يكون هناك بعض التناقض في المهام الموكلة إليه ما بين النيابة العامة وقضاء الحكم ما يستدعي نقله حكماً لعدم جواز الجمع، كما أنه في حالات محددة قد تكون هناك شكوى بحق قاضٍ ما يؤدي إلى نقله من مكان إلى مكان آخر، فضلاً عن أن الترفيعات التي يتم بموجبها ترفيع بعض القضاة من درجة إلى درجة أعلى تقتضي نقلهم في أغلب الأحيان إلى محاكم أخرى أعلى درجة. وبكل الأحوال فإن التشكيلات القضائية التي تجريها وزارة العدل في العدليات المختلفة يكون الهدف منها الحفاظ على استقرار العمل في المحاكم وتحفيز القضاة على متابعة الدعاوى المنظورة أمامهم، إضافة إلى تمكينهم من العمل في محاكم مختلفة ليكونوا على اطلاع على كافة أنواع الدعاوى التي تُعرض على القضاء. وهنا أشير إلى أن كل ما ذُكر يتمّ اتخاذه بناءً على قرار من مجلس القضاء الأعلى الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق العدالة والمصلحة العامة.
الإصلاح.. وتحديد المسؤوليات
ما الخطوات التي حققتها وزارة العدل في مشروع الإصلاح الإداري الذي دعا في أهم بنوده إلى تطوير القضاء ومكافحة الفساد؟
منذ أن طرَحَ السيد الرئيس بشار الأسد مشروع الإصلاح الإداري بادرت وزارة العدل إلى عقد اجتماع لأعضاء مجلس القضاء الأعلى ومديري الإدارات في الوزارة والمحامين العامّين في دمشق وريف دمشق، حيث تمّ الحديث عن أهمية كلمة السيد الرئيس في اجتماع مجلس الوزراء بخصوص الإصلاح الإداري واعتبار هذه الكلمة منهاج عمل، وجرى التأكيد على أهمية العمل الجماعي التوافقي كفريق عمل واحد في الوزارة وتنسيق العمل بين الوزارات كافة، كما تم التأكيد على ضرورة العمل الإداري وتطويره ومكافحة الفساد الإداري من خلال عدة نقاط أهمها: توصيف الأعمال المسندة للعاملين في الوزارة بدقة لتحديد المسؤوليات، ومتابعة الإدارات للعاملين وتقييم أعمالهم دورياً، واستخدام الأساليب الحديثة في العمل الإداري بما يحقق الدقة وسرعة الإنجاز، إذ تعمل الوزارة حالياً على اتخاذ الإجراءات الضرورية للارتقاء بالعمل الإداري وخاصة العمل على إدخال وسائل التقنية الحديثة من خلال أتمتة كافة الأعمال الإدارية في الوزارة بالتعاون مع المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا.
وأخيراً يمكن القول إن تأمين الظروف المناسبة لعمل القاضي يساعده في إنجاز مهامه وتوفير الحماية المعنوية له وعدم تعرضه لأي ضغط من أي جهة كانت، ما يساهم في استمرارية عمله ونجاحه، كما أن تحسين الأوضاع المادية للقاضي من المسائل التي تسعى الوزارة لتأمينها، وذلك لتوفير العيش اللائق والكريم للقضاة وتأمين متطلبات حياتهم وعدم لجوئهم إلى مصادر دخل أخرى سواء كانت مشروعةً أو غير مشروعة.. وفي سبيل ذلك استطاعت الوزارة من خلال رفع قيمة اللصيقة القضائية تأمين دخل مناسب للقضاة، كما صدر المرسوم التشريعي رقم (2 لعام 2018) القاضي بزيادة التعويض القضائي للقضاة بنسبة 100% ، وكذلك صدر القانون رقم (15 لعام 2018) القاضي بزيادة تعويض المكتبة ليصبح عشرة آلاف ليرة بدلاً من ألف ليرة.
المصدر : مجلة جهينة