جهينة نيوز-خاص: حوار بلا ضفاف ما يمكن أن نسميه أو نطلقه على لقاء "جهينة نيوز" الخاص مع الباحث الإستراتيجي الدكتور سليم حربا، فهو ليس حواراً تقليدياً بسبب تعدّد اتجاهاته ومحاوره ودقة التحليل والقراءة والاستنتاج فيه، فضلاً عن الخطاب العلمي الإستراتيجي والمصطلحات المضبوطة التي يستخدمها د. حربا، ويفتقر لها الكثير من المحللين السياسيين الذين نراهم على الشاشات والفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى. ولأن غنى هذا الحوار يقتضي الحفاظ على كل كلمة فيه، فقد آثرنا نشره كاملاً وتقسيمه لضرورات فنية إلى ثلاثة محاور وتقديمها تباعاً لقراء ومتابعي "جهينة نيوز" ولمن ينتظرون آراء وتحليلات د. حربا بما تحمله من قيمة معرفية عالية، ومنطقية وموضوعية في البحث السياسي والإستراتيجي والعسكري. *تجمع الآراء والتحليلات على أن سورية تخوض معركة ربع الساعة الأخيرة.. كيف تقيّمون هذه الآراء وإلى أي مدى تختلفون أو تتفقون معها؟. **أنا أتفق مع هذا التوصيف ولكن يجب أن أؤكد على أننا الآن نشهد مخاض انحسار وانتهاء هذا العدوان على سورية ونشهد حالة تخلّص وتملّص بين المشروع العسكري المفلس والانتقال إلى المشروع السياسي أو العملية السياسية، أنا أتفق مع هذا التوصيف لعدة اعتبارات، أولها أن مشروع العدوان على سورية قد أفلس بشقيه الداخلي والخارجي، أي بمعنى التهديد بالتدخل العسكري الخارجي، فكم سمعنا عن مناطق عازلة وحظر جوي وممرات محمية والتهديد بالتدخل العسكري من قبل الناتو ومنظومة الباتريوت في تركيا، تصريحات كثيرة جداً من الولايات المتحدة والناتو ودول أوروبا والجامعة العربية بالتدخل العسكري المباشر في سورية، كل هذه المسائل وصلت إلى مرحلة الإفلاس والانحسار إلى حدود العدم لإمكانيات ذاتية وإمكانيات موضوعية سورية، الإمكانات الذاتية أهمها مواطن القوة، وأنا اسميها الأثافي الثلاث بما معناه الجيش العربي السوري وإمكانياته وكفاءاته وقدراته التكتيكية والإستراتيجية على الصدّ الناجح والرد المزلزل على أي عدوان من الخارج، والمرتكز الثاني من الأثافي هو الشعب العربي السوري الذي يعزّز القوات المسلحة ويتكامل ويدعم عقيدة الجيش العربي السوري في وجه أي عدوان خارجي أو داخلي، والمرتكز الثالث من الأثافي هو القيادة الحكيمة الناجحة في إدارة الأزمة في سورية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد، إضافة إلى نقاط القوة الموضوعية الأخرى وهي المواقف الثابتة إستراتيجياً لحلفائنا التي ترفض التدخل العسكري الخارجي وتحترم سيادة الدول وحقوق الشعوب وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، لذلك كان التدخل العسكري الخارجي ربما مستحيلاً في هذا الأمر، وهنا أضيف أيضاً أن الكثير من الآراء والمحللين يقولون إن العدوان قاب قوسين أو أدنى، وكنّا ومازلنا نقول إن سورية لا يمكن باعتقادي في ظل امتلاكها لنقاط القوى الذاتية التي عبرت عنها ونقاط القوة الموضوعية التي تكامل نقاط القوة الذاتية وتزيدها قوة مضافة أيضاً، والأهم موقعها الجيوستراتيجي، العبث بميزان أمنها واستقرارها في المنطقة، وبالتالي من يريد العبث به إنما يريد العبث بمنظومة الأمن العالمية أي بمعنى منظومة الأمن السوري على المستوى الديموغرافي، الجغرافي، الأمني، العسكري، الاقتصادي، الجيواستراتيجي متشابكة عضوياً ومتلازمة عضوياً مع منظومة الأمن الإقليمي والدولي، والعبث بهذه المنظومة يشكل انهياراً دراماتيكياً لا يمكن لأحد أن يتحمّله لا في المنطقة ولا في العالم، وقد تسقط منظومات أمن إقليمية ودولية قبل أن تسقط منظومة الأمن السوري. العدوان في الداخل هو مشروع الإرهاب وعسكرته، ولأن مشروع التدخل العسكري الخارجي كان محالاً فقد تمّ التعويل على الشق الداخلي من العدوان، أي بمعنى الحرب بالوكالة لأن الذي يضبط إيقاع كل أشكال العدوان على سورية هي الولايات المتحدة الأمريكية وأدواتها في المنطقة، وبالتالي مشروع عسكرة الإرهاب أريد منه أن يعوض إخفاق مشروع التدخل العسكري، لذلك بدأنا نرى عسكرة للإرهاب وعسكرة للمجموعات الإرهابية، وليس سراً عندما نقول إن الولايات المتحدة مباشرة ومناورة من خلال هذه الأطراف هي التي رعت مشروع تنمية وتقوية هذا الإرهاب، بدعمه وتسليحه وتمويله وتوزيع الأدوار للأطراف الإقليمية لتنمية هذا المشروع وإدخاله إلى سورية ليخوض حرباً بالوكالة عن إخفاق المشروع العسكري الخارجي، ولكن الهدف الإستراتيجي لمشروع العدوان العسكري بشقيه الخارجي والداخلي هو حقيقة تدمير منظومة الدولة السورية، فعندما كنا نسمع شعار ما يسمّى إسقاط النظام طبعاً هذا الشعار كان مرحلياً لإسقاط المنظومة أي منظومة الدولة ومنظومة المقاومة والممانعة، لأن الهدف الإستراتيجي هو إضعاف وإسقاط الدولة السورية كهدف مرحلي لإسقاط منظومة المقاومة والممانعة في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي، أي الهدف الإستراتيجي للولايات المتحدة هو تأمين مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وأمن إسرائيل، وبالتالي سورية هي العقبة الوحيدة وأحد أهم مرتكزات مشروع المقاومة والممانعة في وجه هذا المشروع، وحتى لو تطرقنا إلى البعد الجغرافي في هذا الأمر والجيوستراتيجي سنلاحظ أن الخط الممتد من المحيط الهندي إلى بحر عمان إلى مشيخات الخليج إلى الأردن إلى سورية إلى تركيا إلى جورجيا وفنلندا كل هذا الخط لا يوجد فيه أي مرتكز من المرتكزات التي تشكل عائقاً لمصالح الولايات المتحدة وأمن إسرائيل إلا سورية ولبنان، وبالتالي إسقاط هذا الموقع بموقعه ودوره ومهامه في مواجهة إسرائيل وأمريكا مهمّ جداً، وعندما تسقط سورية يتحول البحر الأبيض المتوسط إلى بحر أطلسي، وهذا جزء من المشروع الأمريكي الصهيوني بما يمكن أن يختزنه البحر المتوسط من غاز وطاقة يمكن أن تغيّر القراءة الجغرافية وخارطة إنتاج الغاز والطاقة ربما لعقود قادمة، إضافة إلى أمن إسرائيل كما ذكرت سابقاً، إذاً ومع مشروع عسكرة الإرهاب والشق الداخلي من العدوان الذي تمثل بهذا الإرهاب استطاع الجيش العربي السوري أن ينسف مرتكزات هذا المشروع الإرهابي ويمنعه من تحقيق أي هدف بالمفهوم التكتيكي والإستراتيجي، ووجّه له ضربات قاسمة بالمفهوم العسكري وأسقط كل محاولاته ومزاعمه وأوهامه ومعاركه الكبرى والصغرى والزلازل والبراكين وساعات الصفر، وتحطمت كلها تحت أقدام الجيش العربي السوري، ومنع مشروع الإرهاب العسكري من الرسملة في أي أوراق قوة أو إنجازات يمكن أن يستثمرها هذا العدوان لتحقيق أهدافه التكتيكية أو الإستراتيجية. إفلاس هذا المشروع العدواني بشقيه الداخلي والخارجي يلقي بظلاله ويدفعنا لنقول إننا دخلنا في الساعات الأخيرة الآن، بعد سنتين من تقوية هذا الإرهاب واستثماره والتهديد باستخدام القوة العسكرية، إلى أن وصلت المحصلة إلى حالة تقريباً شبه صفرية بالمفهوم الإستراتيجي العسكري، نعم دمروا الكثير من المنشآت وقتلوا الكثير من الأبرياء وقطعوا الكثير من مفاصل الحياة وخطوط الطاقة، واستهدفوا حياة المواطن بكل هذا الشكل المركب من العدوان بشقه السياسي والاقتصادي والإعلامي الذي كان عدواناً بكل معنى الكلمة، ولكنهم لم يحققوا الأهداف الإستراتيجية ولم يغيّروا لا الواقع ولا الموقع ولا الدور السوري وسورية مازالت متمسكة بثوابتها وخياراتها بشكل كامل. العنصر الثاني الذي يؤكد أننا في الربع ساعة الأخيرة هو صمود سورية لمدة عامين بالرغم من كل هذا العدوان والوقوف في وجهه، ليس فقط بالمفهوم الأمني والعسكري أيضاً بالمفهوم الاجتماعي والسياسي أي بمفهوم الدولة، فأرادوا لسورية أن تتحول خلال عامين من دولة قوية ذات سيادة إلى دولة ضعيفة فاشلة، فلم تتحول، بل استطاعت البقاء والصمود ومازالت دولة قوية قادرة على فرض هيبتها وسيادتها على كامل أراضي الجمهورية العربية السورية على المستوى الإداري والحكومي والأمني والعسكري، ولم تغيّر خياراتها أبداً، وهنا يجب التأكيد أن ما واجهته سورية من أشكال العدوان المركب لم تواجهه أي دولة منذ الحرب العالمية الثانية إلى هذه اللحظة، لا بالمفهوم العسكري ولا بالمفهوم الإعلامي.. وأنا أعتقد أن ما وجهناه إعلامياً يتفوق على إعلام ألمانيا الهتلرية (إعلام غوبلز)، لهذا عندما نقيّم هذا الإنجاز يجب أن نعطيه حقه وعندما نقول هذا الإنجاز السوري من الصمود بعد سنتين من الانتظار والانتصار فإنه يرتقي إلى مستوى الإعجاز، وهو صمود أسطوري ومرتكزه هو أداء وإنجاز قواتنا المسلحة، ولا نقول إن هذا الجيش بإنجازاته ليس وراءه شعب حر أبي وفيّ لهذا الوطن، ولكن لأن مشروع العدوان بشقيه الخارجي والداخلي كان عسكرياً فقد تقدمت القوات المسلحة وأحبطت هذا المشروع العدواني. العنصر الثالث الذي يؤكد أننا في الربع ساعة الأخيرة، المشروع الذي ادعوا أنه مشروع سياسي، بمعنى ما سُمّي مجلس استنبول ثم أحرق ونسف مرة أخرى بائتلاف الدوحة، وإذا سمّيناه مجازاً "مشروعاً" فإن الذين أرادوا له أن يكون مشروعاً سياسياً اتضح فيما بعد وحتى من الأطراف التي تبنّته من الولايات المتحدة وصولاً إلى باقي الأطراف أن هذا المشروع ليس مشروعاً وطنياً سورياً ولا يحملون مشروعاً سياسياً أساساً، هم لديهم مشروع عسكري فقط وهم أداة حاملة لمشروع عسكري لإسقاط منظومة الدولة السورية، والأهم من ذلك لم ولن يكن لهم ولا يمكن أن يكون لهم أساساً بهذا الفكر والتفكير أي حامل بالإسقاط على المستوى الشعبي السوري، فهم لا يحملون أي مشروع سياسي وطني ولا يمثلون الحالة الشعبية في الداخل السوري، إنما هم يمثلون مشروع الإخوان المسلمين وهم لا يملكون مشروعاً لبناء دولة بل يملكون مشروعاً عسكرياً لإسقاط الدولة والوصول إلى السلطة بمعنى دولة التنظيم للإخوان المسلمين ومرسي أوضح نموذج لما نتحدث عنه. العنصر الرابع، اتضح من خلال سلوك أطراف العدوان أن كل ما نواجهه في الداخل هو منظومة إرهاب وليس ثورة وليس حراكاً مطلبياً ولا ثورياً، وعندما نقول إننا نواجه إرهاباً نحن لا نتهمه، فهو عرّف ويعرّف عن نفسه من خلال قوله وسلوكه، بمعنى أنه لا يوجد فيه أي مقوم من مقومات الثورة أي لا يملك مفاهيم وطنية ولا هو حالة شعبية ولا هو حالة إصلاحية أو نخبوية، ولا يمكن أن ينتمي إلى الثورة ولا يمكن للثورة أن تنتمي إليه، والأمر الثاني هو الحامل الأساسي لهذا المشروع الذي نقول عنه مشروع إرهابي وليس ثورياً هو الذي لا يعرف الديمقراطية لا شكلاً ولا مضموناً، ومشيخات الخليج وقطر وغيرها يتسلقون أحياناً على هذا المصطلح بأن الولايات المتحدة تريد حرية وديمقراطية وحقوق الشعب، وأعتقد أن كل عاقل ومتابع يدرك أن الولايات المتحدة لم يكن لديها يوماً من الأيام هاجس أنها حريصة على حقوق الشعوب وهي التي قتلت الملايين في فيتنام وأفغانستان والعراق وليبيا، إذ لا يهمها أي شيء في العالم إلا مصالحها وأمن إسرائيل، ومادون ذلك هو في إطار البازار ولاشيء مقدس عندها. والمرتكز الخامس أن أطراف العدوان لم يتوفر لديهم الحل السياسي منذ بداية الأزمة، وحتى هذه اللحظة كان هدفهم عسكرياً بالمطلق، فهم الذين أفشلوا مهمة كوفي عنان وقبلها نسفوا مهمة الفريق الدابي وتسلقوا وامتطوا الجامعة العربية التي احتلتها قطر وأرادوا منها أن تكون أداة لشرعنة التدخل العسكري، وحتى الجامعة العربية نفسها ذهبت إلى مجلس الأمن وطلبت التدخل العسكري في سورية تحت الفصل السابع، أي بمعنى أن المشروع كان عسكرياً. وكي لا تكون ذاكرتنا قصيرة عندما كانت كل هذه الأطراف تقول إن سورية لا تستطيع أن تصمد أكثر من أسبوعين وأكثر من شهرين وكانوا يحددون مهلاً في رمضان وعيد الأضحى وفي رأس السنة، الآن وصلوا إلى مرحلة الإفلاس فعلاً لأن سورية لا يمكن أن تسقط أبداً لا كنظام ولا كمنظومة، وبالتالي وصلوا إلى طريق مسدود بالمفهوم العسكري والأمني بعد كل هذه المعطيات التي قلناها وسقناها، لذلك لاحظنا في سياق التصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي المركب أنهم أفشلوا مهمة كوفي أنان وانقضّوا على وثيقة جنيف ولم ينفذوها ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، لأنهم كانوا دائماً وأبداً يراهنون على إنجاز عسكري وعلى قدرة مشروع الإرهاب في الداخل السوري على تحقيق منجز عسكري يقلب موازين القوى ويسقط منظومة الدولة ويحقق أهدافهم الإستراتيجية. المعطى السادس الذي يؤكد أننا في الربع ساعة الأخيرة هو الثبات الإستراتيجي الروسي والصيني والإيراني ودول بريكس، الموقف المتقدم الذي لم يهتز على الإطلاق إلى هذه اللحظة، والثوابت السورية والروسية والصينية والإيرانية وكل أصدقائنا تستند إلى مواطن قوة ومبادئ حقيقية وقانون دولي يحترم سيادة الدول وحقوق شعوب، هذه الثوابت مازالت وبقيت وخاصة في الموقف الروسي الذي راهن عليه الكثيرون حتى كانوا يأتون ببعض مدعي اللغة والفقه اللغوي ربما ليحرفوا أي جملة بأن الموقف الروسي تغيّر، هذا الثبات الإستراتيجي تأكد وأشهر كرتاً أحمر بعد مؤتمر القمة الخامس لدول بريكس، والتهديد الكوري الشمالي أيضاً للولايات المتحدة هو الذي يتقاطع معه تماماً، فهذه الثوابت هي التي وقفت في وجه جوقة العدوان، والأهم من ذلك أن كل المتغيرات والمتحولات والأهداف لمشروع العدوان تبدلت وتغيّرت، فكنّا نلاحظ كل شهر من الأشهر ربما يتبدل الخطاب من مصالح وتهديد ووعيد إلى قبول بالحوار أمام الثبات الإستراتيجي لأصدقائنا، ونزلت جملة توقعاتهم ومطالبهم وجملة أوهامهم من البروج العاجية إلى أرضية الواقعية السورية التي حددتها سورية عبر البرنامج السياسي أو إنجازات الميدان التي تتقاطع تماماً وتتلاقى مع العملية السياسية، وإنجازات الميدان هي التي حكمت وتحكّمت بمفاصل الحل والربط ليس فقط بالداخل السوري بل دولياً وإقليمياً. بناء على كل ما سبق فإن جوقة العدوان من منطلق الاضطرار وليس موقع الخيار الآن تريد الخروج من الإفلاس العسكري والتملّص من المشروع العسكري والانتقال إلى الحل السياسي، لذلك أقول إننا نشهد الربع ساعة الأخيرة وأنا أؤكد أن الولايات المتحدة في مراحل خلت في الأزمة كانت تقود من الخلف والأنساق الثانية والثالثة والرابعة كل تلك الأطراف، فإستراتيجيها دائماً الحرب بالوكالة والتفاوض بالأصالة أي بمعنى تدفع هؤلاء الأطراف الصغار للنار وهي تقطف الثمار، ونلاحظ أنها تقدمت إلى الواجهة وتجاوزت كل تلك الأدوات من خلال كيري بإدارة ملف الأزمة والحل في سورية، وهذا لا يعني أن إرادة الحل السياسي توفرت لدى الولايات المتحدة قولاً وممارسة. قد نقول إن المبدأ قد توفر لديهم لفشل مشروعهم العسكري لكن إرادة الحل السياسي والتفاصيل وإسقاط هذا المبدأ على الأرض لم يتم حتى اللحظة، لأن أمريكا تريدها معركة سياسية بعد إفلاس المعركة العسكرية، كما أنها لا تريد الخروج كونها "إمبراطور" وتدخلت بشكل مباشر وكانت عاملاً مهماً ومساعداً في العدوان وهي التي تضبط كل هذا العدوان وإيقاعه، وكل تلك الأطراف التي تدخلت في العدوان لا تريد الخروج من دون ثمن ولا أعتقد الثمن سيكون سورياً بل سيكون هناك حالة توافق بين أمريكا وروسيا وخاصة خلال لقاء بوتين وأوباما المنتظر، ربما يكون هناك طرح عدة مسائل في إطار البرنامج النووي الإيراني للأغراض السلمية، للدرع الصاروخي، مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، مسألة تحسين المناخ الأمني لتركيا، الأكراد، كل هذه المشكلات ستلقي بظلالها تسلقاً على الأزمة السورية بما فيها مسألة الأزمة بين كوريا الشمالية والجنوبية وكوريا الشمالية والحلف الأطلسي بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية هذه المسائل أعتقد أنها في إطار البحث لاحقاً. *هناك حالة نكوص وتخبّط في صفوف الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب على سورية.. تمثلت بقول دبلوماسي غربي لداود أوغلو بلهجة الأسف: أعتقد أن فرصة العمر للتغيير في سورية ضاعت منا.. ربما إلى الأبد.. ويجب التفكير بألا نضيع فرصة العمر في بيع أوراقنا للأسد بأغلى ثمن.. هل تشي هذه الحالة بشيء منتظر خلال الأيام القليلة القادمة؟. **هذا الذي كنت أقوله، أنهم الآن في مرحلة إعادة صحوة وأتمنى أن تكون صحوة ناصحة لأنهم أخطؤوا بكل حساباتهم تجاه سورية، ربما فكروا نتيجة ما حصل في العالم العربي مما ساقوه تحت مصطلح الربيع العربي لإسقاط منظومة الدولة السورية، ووهم هذه الفورات ولا أقول ثورات بأنهم قادرون على اجتياح الحالة السورية كما حصل في مصر وليبيا وتونس من موقع عاطفي غرائزي وليس من موقع عقلاني، وعندما قال الرئيس بشار الأسد في خطابه الأول أمام أعضاء مجلس الشعب "سورية ليست ليبيا وليست تونس وليست مصر" فهو كان يعني ما يقول من حيث تركيبة البيئة السورية على المستوى الشعبي والقيادي والعسكري، وعلى مستوى الموقع الجيوستراتيجي، والأهم من ذلك على مستوى الخيارات فكل هذه التي ادعوا أنها ثورات حصلت في بلدان حليفة للولايات المتحدة ولم تكن في يوم من الأيام في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي، لذلك كانت نقاط القوة السورية مهمة جداً وكانت حساباتهم خاطئة وافتراضية ولا تلامس حقيقة الحالة السورية، لأن سورية تملك مقومات القوة العصية على هكذا هبات واجتياحات غرائزية وربما عاطفية تقلب موازين القوى في سورية ولاسيما أن سورية في بعدها الحضاري الممتد لأكثر من عشرة آلاف عام لا يمكن أن تهتز من هكذا رياح وهكذا عواصف. ثانياً: الشعب العربي السوري بقدرته وعقلانيته ومحاكمته وثقافته ووعيه أحبط كل هذه التشوهات والأوهام التي تساق تجاهنا ويراد منها أن تكون ثورة، وهناك أيضاً ما عرّى وأفرز الحراك المطلبي من خلال إصدار الرئيس بشار الأسد أكثر من60 قراراً وقانوناً إصلاحياً وهذا البرنامج الإصلاحي تقدم على كل ما في العالم العربي من برامج إصلاحية. فالشعب السوري أفرز من هو المطالب بالإصلاح والبناء وتطوير منظومة الوطن، ومن هو في إطار المؤامرة التي تستهدف نسف وتهديد الوطن، لذلك هذا الأمر ساعد الشعب السوري الذي يتميّز بقيم وطنية غير موجودة في العالم العربي على الإطلاق، وربما تقدم على الكثير في بلدان العالم الذي تحكمه القيم المجتمعية وتتحكم به، فهذا الشعب وبهذه القيم أفرز أعلى وأغلى أشكال المؤسسات الوطنية وهي الجيش العربي السوري ولا أقول عنها مؤسسة عسكرية بل حالة وطنية لأنها على مستوى البناء التنظيمي والعقائدي والمادي تمثل أحد أهم نقاط القوة السورية وهذه المؤسسة بتنظيمها وعقيدتها تعبّر عن كل بيت سوري وهي عابرة للطوائف والمذاهب والسياسات والمناطق، وهناك ثلاث ديانات سماوية (الإسلام، المسيحية، اليهودية) ولكن للسوريين دين وطني -ربما مجازاً- هو الجيش العربي السوري، والأهم أيضاً القيادة الحكيمة والرصينة التي تعاملت مع أشد الأزمات في العقود الماضية والتي كانت تستهدف المنطقة من القضية الفلسطينية إلى احتلال العراق وتعميم هذا الاحتلال إلى إحباط العدوان الإسرائيلي والوقوف مع المقاومة في لبنان، فسورية هي الميزان لاستقرار هذه المنطقة وتصدت بحكمة وبراعة للأزمة، لذلك أقول إن حساباتهم كانت خاطئة تجاه الشعب والجيش والقيادة السورية وهم من إحباط إلى فشل ومن حساب خاطئ إلى حسابات أكثر خطأً. والآن ظهر إلى العلن القليل مما استتر من مواطن تآمرهم وعدوانهم على سورية، فالظاهر كان العدوان العسكري ولكن ما استتر من عدوان اقتصادي وإعلامي وسياسي ومخابراتي كان كبيراً جداً، والسنوات القادمة ستفضح الكثير من الفضائح والفظائع التي قاموا بها، وستظهر هذا الصمود الأسطوري للسوريين عموماً فهم الآن أمام نقطة انعطاف، فإذا أعادوا حساباتهم على أوهام ماسبق فهم سيكرسون حالة من الإخفاق والفشل مرة أخرى. الآن الواقعية تقول بمنتهى الموضوعية إن نقاط القوة الذاتية السورية غير قابلة للحساب أي للقسمة والطرح والجمع وإلى ماهنالك، فهي رقم صحيح ثابت لا يقبل القسمة إلا على واحد، لا الجيش ولا الشعب ولا سورية قابلة لذلك، فهم يتعاملون مع منظومة واحدة، وبلغة الحساب ضربت العدوان والإرهاب وجمعت شمل السوريين وطرحت العملاء والخونة وستجذر كل الأطراف المتآمرة المتبقية بالخارج والداخل، وأؤكد أن ما بقي من أوراق قوتهم ضعيف جداً لأنهم أحرقوا جميع مراكبهم وأوراقهم وما بقي منها لا يتعدى محاولات ومناورات يائسة لا يمكن أن يؤثروا فيها على القرار السوري، لهذا تراهم يستنجدون بالناتو وينشرون الباتريوت ويستنجدون بالولايات المتحدة للتدخل بشكل مباشر، وكل من كان يقول بأن سورية لا تتعرض لمؤامرة هو جزء من هذه المؤامرة، وأن ما يوجد في الداخل السوري ليس إرهاباً فهو يخدم هذا الإرهاب عامداً أو جاهلاً، لذلك نحن يجب ألا نفرط بما حقّقناه وهم في موقف الضعف، وإذا بقي لديهم أوراق لتخفف من سفك الدم والخراب في سورية ولا تؤثر على ثوابتنا وخيارنا فلا بأس بذلك، وخاصة أن خيارنا منذ البداية هو العملية السياسية ولا نريد أن تكون علاقاتنا مع دول الجوار إلا بأحسن ما يمكن، ولكن المشكلة كانت ومازالت مع هؤلاء لأنهم كانوا جزءاً من العدوان. المحور التالي.. مضمون الرسالة الكورية، وأسرار تزامن ظهور الظواهري والبغدادي والجولاني وعلاقة الولايات المتحدة بذلك؟!.
17:10
17:17
17:42
18:09
18:44
19:19
06:54
06:27
05:50