جهينة- أمينة عباس:
فنان شاب مجتهد يسيرُ بخطوات واثقة ومدروسة، تخرَّج في المعهد العالي للفنون المسرحية دورة عام 2013، أي في ذروة الحرب على سورية وفي أقسى الظروف التي مرّ بها كل سوري، ومع هذا استطاع أن يثبت نفسه كممثل في العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية كان آخرها مشاركته في فيلم «دمشق.. حلب» للمخرج باسل الخطيب في مشاركةٍ وصفها بالثمينة، وفي الوقت الذي غابَ فيه عن دراما رمضان يستعد حالياً لخوض أول تجربة إخراج له في مجال المسرح.. إنه الفنان طارق عبدو الذي التقته «جهينة» فكان معه الحوار التالي:
دمشق.. حلب
ما الأسباب التي جعلتك تقول: «دمشق.. حلب» مشاركة ثمينة لي؟
في البداية أشير إلى أنني سبق أن شاركت في عدة أعمال سينمائية هي: «حرائق البنفسج» للمخرج محمد عبد العزيز «مسافرو الحرب» للمخرج جود سعيد والفيلم القصير»اليقظة» لعمرو حاتم علي، وعلى الرغم من أن مشاركتي في فيلم «دمشق.. حلب» هي مشاركة بسيطة على صعيد المساحة ولكنها في غاية الأهمية بالنسبة لي وتعني الكثير، لأنها مع مخرج كبير هو باسل الخطيب وإلى جانب فنان قدير هو دريد لحام ومع أسماء فنية كبيرة أخرى.. و»دمشق.. حلب» فيلم واقعي سيؤثر كثيراً وسيصل إلى الجميع، وهو نوع من السينما أقرب إلى الجمهور، وأنا هنا لا أقول إن السينما يجب أن تراعي الجمهور العادي الذي لا يتابع عادةً الأفلام السينمائية ولكن يجب أن يتم تقديم أفلام تؤثر فيه، و»دمشق.. حلب» يحقق نوعاً من التوازن بين ما يريده المخرج وما يريده النقاد والجمهور.
تبقى السينما بالنسبة لأي فنان حاجة وضرورة وحلماً يسعى لتحقيقه دائماً.. لماذا برأيك؟
لأن السينما خلود، والممثل يعرفُ تماماً أن العمل في التلفزيون يوميّ واستهلاكي وتجاري بحكم أن التسويق هو من أهدافه، في حين أن السينما في سورية تُنتَج بعيداً عن الأهداف التجارية، والدليل أفلامها التي توثق المرحلة التي تمرّ بها سورية، وبرأيي السينما في سورية (اليوم) يجب أن تكون في أوج حالاتها لأننا الأحق بأن نحكي عمّا حدث في بلادنا، وإن لم نفعل سنجد آخرين غيرنا يقومون بذلك.. من هنا كان من الضروري أن تتناول السينما موضوعة الحرب بتفاصيلها وتأثيراتها أثناء الحرب وبعدها، والموضوعات في هذا المجال كثيرة، والجميل أن السينما السورية هي سينما روائية ووثائقية بشكل طبيعي، ولذلك يبدو تأثيرها أقوى والصورة فيها أكثر صدقاً.
تعاملتَ في السينما مع أسماء مهمّة في عالم الإخراج، فما ميزة كل واحد منهم برأيك؟
كل مخرج له ما يميّزه على صعيد آلية التعامل مع فن السينما، وجميع المخرجين الذين تعاملت معهم (باسل الخطيب، محمد عبد العزيز، جود سعيد) قدموا أفلاماً ترضي الجمهور، ومن المهم أن يوجد الممثل في أفلام من إخراجهم، مع التأكيد على أن الطرق تختلف في كل خطوة من خطوات العمل السينمائي بين مخرج وآخر، وهذا أمر طبيعي، فهناك مخرجٌ يحضِّر كثيراً، ومخرجٌ آخر يشتغل أمام الكاميرا، ولكل طريقة من هذه الطرق إيجابياتها وسلبياتها.
الإخراج المسرحي
تستعد حالياً لإخراج أول عمل مسرحي لك، فماذا تحدثنا عن مسيرتك المسرحية؟
أنا بصدد التحضيرات الأولية لمسرحية «الحارس»، وسأحاول فيها أن أحكي عن واقعنا عام ٢٠١٨ فمن خلاله سيتم التعامل مع خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بكل أقسامه، ومن المفترض أن يتمّ عرضه في الشهر العاشر.. وقد بدأتُ حياتي المسرحية بشكل حقيقي من خلال المعهد الذي تخرجتُ فيه بمسرحية «الكوميديا السوداء» إشراف بسام كوسا، وبعد التخرّج شاركتُ في مسرحية «هوب هوب» للمخرج عجاج سليم، ومن ثم في مسرحية «مدينة في ثلاثة فصول» إخراج عروة العربي، كما لم أتوانَ عن المشاركة بأية ورشة تقام في مجال المسرح، وأنا (اليوم) لا أترددُ بالمشاركة في أية ورشة مسرحية.
الرغبة بخوض تجربة الإخراج المسرحي هل تعتبرها طارئة أم توطئة لمشروع مسرحي؟
هي ليست رغبةً طارئةً ولا وليدة المصادفة، فقد سبق أن عملتُ مخرجاً مساعداً في مسرحية «الخزان» إخراج يزن الداهوك، مع إشارتي إلى أن دخولي عالم الإخراج المسرحي لا يعني أنني سأترك التمثيل، إذ إن هناك أسماء كثيرة جمعت بين الإخراج والتمثيل.. وبالعموم فإن تنوع الاختصاصات أمر مشروع، في حين أن الفكرة المتداولة لدى الكثيرين منّا هي أن الممثل يجب ألا يُخرِج والمخرج يجب ألا يمثل، ولدينا تجارب كثيرة لممثلين مارسوا الإخراج ومخرجين مارسوا التمثيل، وبالنسبة لي أستطيع القول إن التمثيل هو مهنتي الأساسية، وأرغب بأن أكون مخرجاً في يومٍ من الأيام لأن الإخراج تجربةٌ ممتعةٌ وجميلةٌ، وتبقى التجربة هي الحَكَم، مع إيماني بأن لا مانع من أن يخوض الممثل تجارب عديدة في مجال الفن بعيداً عن التمثيل يختبر فيها معرفته وصبره، ويضيف لمعارفه معارف أخرى تصبّ جميعها بخدمة مهارته في التمثيل، وهذا ما أحاول فعله، علماً أن الإخراج عبارة عن تحويل مجموعة من الأفكار إلى حياة من لحم ودم، وفي الوقت الذي يهتم فيه الممثل بدوره يكون المخرج مسؤولاً عن كل تفاصيل العمل.
كيف أثّرتْ مشاركتك في مسرحية «هوب هوب»، وهي أول عمل مسرحي تشارك فيه بعد التخرّج، في مسيرتك الفنية؟
هي بالفعل أول مسرحية بعد التخرّج شاركتُ فيها بعد أن اختارني مخرجها عجاج سليم للمشاركة فيها، وكان عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية حينما كنتُ طالباً، وكان متابعاً لما أنجزه كطالب لم يُضِع وقته في المعهد الذي كنت أقضي فيه كل وقتي بالدراسة والتدريب، وقد أسند إليّ د. سليم في «هوب هوب» إحدى شخصيات المسرحية، وتعاملتُ معها في البداية من دون أن تكون لها ملامح معينة، وبعد أن التقطتُ مضمونها أضفنا أنا والمخرج اللهجة الحلبية وصنعنا لها (كركتر) معيناً، وقدمتُها من دون استعراض وبشكل عفوي.. وأشير هنا إلى الجهود التي بذلها الفنان محمد خير الجراح -الذي كان مشاركاً في العمل أيضاً- في مساعدتي لإتقان اللهجة الحلبية، مع تأكيدي على أن التدريب وحده لا يكفي لإتقان اللهجة، إذ لا بدّ من التقاط روحها قبل ذلك، وهذا ما حاولتُ فعلَه ونجحت فكانت الشخصية مقنعةً وبعيدةً عن الابتذال، وكنتُ سعيداً بنجاحها وتقبّل الجمهور لها إلى درجة أن الكثيرين اعتقدوا أنني ممثل حلبيّ، ولا أخفي أن نجاحي في هذه المسرحية التي حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً رشّحني للمشاركة في مسلسل «دامسكو» إنتاج مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني وإخراج أيمن زيدان، فبعد مشاركتي في المسرحية دعتني مديرة المؤسسة آنذاك السيدة ديانا جبور للمشاركة في «دامسكو» واحترمتُ هذا الموقف لها وهي التي لا تربطني بها معرفةٌ سابقةٌ، علماً أن لي مشاركات متعددة مع المؤسسة مثل مسلسلات «شهر زمان- تحت سماء الوطن- حدثَ في دمشق».
نقلة جماهيرية وفنية
لم تمرّ مشاركتُك في مسلسل «أزمة عائلية» مرور الكرام، خاصةً أنه بتوقيع مخرج مخضرم هو المخرج هشام شربتجي، فماذا عن خصوصية هذه المشاركة بالنسبة لك؟
المشاركة في هذا المسلسل حققت لي نقلةً جماهيريةً وفنيةً، خاصةً أن هشام شربتجي قدّمني بطريقة مختلفة، وأنا بطبعي أميلُ للأدوار التي تقدمني بطريقة جديدة في كل مرة، وبدت الشخصية للمتلقي سهلة وخفيفة، في حين أن أداءها لم يكن سهلاً، ولاسيما أنه كان مطلوباً منّي كممثل أن أكون في عمر 18 سنة وأنا في عمر 28، إلا أنني أعترف بأن العمل في «أزمة عائلية» كممثل موجود في كل الحلقات علَّمني الاسترخاء كممثل أمام الكاميرا.. وللأسف فإن نجاحي في «أزمة عائلية» جعل بعض المخرجين يقدمون لي أدواراً شبيهة بما قدمتُه، ما جعلني أرفضها بشدة لأنني أرفض أن يؤطروني بهذه النوعية من الأدوار.
ما أهم النقلات النوعية التي مررتَ بها في مسيرتك الفنية؟
دخولي إلى المعهد المسرحي كان نقلةً نوعيةً في حياتي، وتفوّقي فيه كان كذلك، كما شكلت مشاركتي في مسرحية «هوب هوب» ومسلسل «أزمة عائلية» نقلةً جماهيريةً كبيرةً في مسيرتي الفنية أيضاً.
ما رأيك بما قُدِّم من أعمال درامية خلال شهر رمضان، وماذا تابعتَ منها؟
قُدِّمت مجموعة من الأعمال كانت مجرد محاولات لإنقاذ الدراما السورية من الانقراض، بعضها كان جدّيّاً، وبعضها الآخر لم يكن كذلك، وتابعتُ مسلسل «الواق واق» إخراج الليث حجو ووجدتُ فيه روحاً جديدة لنوع كوميدي جديد على الدراما السورية وهي دراما سوداء تحمل طابعاً رمزياً، ويعدّ العمل محاولة جدّية لتطوير ذهنية المشاهد البسيط نحو نوع خاص من التلقي.
ما الذي جعل البعض يقول إن مسلسل «الواق واق» لم يرتقِ إلى مستوى الأعمال التي سبق أن قدّمها الليث حجو مخرجاً وممدوح حمادة كاتباً؟
هذا أمر طبيعي تجاه هذا النوع الجديد من الدراما والذي لم يعتَد عليه الجمهور، مع التأكيد على أن العمل ظُلِم بسبب الخطأ التقني الذي ارتُكِب من المحطة التي عرَضته في حلقته الأولى والذي ترك أثره على الانطباع الأول لدى الجمهور، ولكن من تابعَ العمل اكتشف أنه لا يقلُّ أهمية عن الأعمال السابقة لحجو وحمادة، وهو برأيي عمل سيتابَع بشكل مختلف بعد رمضان لما فيه من طرحٍ جديد، وإذا لم يتابَع جماهيرياً فسيبقى عملاً مهماً كغيره من الأعمال المهمة التي لم تحقق جماهيرية معينة في ظل رغبة الجمهور بمتابعة أعمال الأكشن والإثارة.. ولذلك فإن مسلسل «الواق واق» نوعٌ جديدٌ من الكتابة الدرامية السورية.
المصدر:جهينة
https://jouhina.com/magazine/article.php?id=4184