"المهرج": محتوى محبوك بعيار٢٤ قيراط باسم ياخور هيرو السِّيرك الحكائي، وابراهيم الشِّيخ ينتصر لأهليَّة الأداء

الخميس, 2 كانون الثاني 2025 الساعة 13:01 | ثقافة وفن, تلفزيون

بقلم: د.رهف القصار بني المرجه

برصانة دراميَّة قادت عشاريتها، وبقفزة الرَّشا أكَّدت عبقريتها، وإذ بالمرمح البوليسي يستقبلها بطلاوة، فالمحتوى محبوك بعيار ٢٤ قيراط، والإخراج كعرائس المسرح، تتحرَّك برهن الإشارة، لترسم تنوعاً ليس وافراً في الشُّوت، وجاذبيَّة أشدُّ إمعاناً في الفولوينغ.

"المهرِّج" حكايةٌ دراميَّةٌ جديدةٌ، من فئة العشر حلقات، تضمُّها المخرجة السّّوريَّة (رشا شربتجي) إلى أرشيفها، وبتعاونٍ وليدٍ مع الكاتب بسَّام جنيد، والمنتج تمام سلامة، ومؤسَّسة دراما شيلف ميديا.

وإذا ما كان الاستهلال النَّقدي ينبع بداية من تجمهر المتابعين حول بطل العشاريَّة (ابراهيم الشِّيخ ابراهيم)، طالب الحبِّ، وعشيق الحكيمة (رشا/ أمل بوشوشة)، فلا مناص من أنَّ المرور على شخصيته مرهون بالتَّذكير بأنَّه زوج المخرجة، ذاك الشَّاب الذي نال قسطاً مدلَّلاً من التَّعليقات الفيسبوكيَّة، فأنصفته تارة، وجارت عليه أخرى، فابراهيم (طالب) لم يتَّكئ صراحة على الشَّراكة الزَّوجيَّة، بل وظَّف أدواته التَّمثيليَّة في مطارح مجدية، واستنفر قدراته التَّشخصيَّة ليهب الكاركتر روح الحقيقة، فأجاد اللُّعبة، وانتصر لأهليَّة الأداء، وتجاوز (طالب) حكاية الطَّالب والأستاذة، وراحت معالم احترافيته تشقُّ طريقها بأسننٍ بلاغيَّةٍ، وإن بدا مسلماً حاجته لتدريبات فونيميَّة لتحسين مخارج الحروف.

أمَّا بالنِّسبة للشَّق التَّمثيلي، فكان برعاية مؤامرة فنيَّة مسوَّغة، أعضاؤها متمرِّسون ك( نضال نجم، أمل بوشوشة، خالد القيش، ديمة الجندي، غزوان الصفدي)، ترابطوا كبنيانٍ مرصوصٍ، وبزعامة معهودة أُسندت إلى هيرو السِّيرك الحكائي (باسم ياخور)، الذي ما فتئ يتلوَّن بشخوصه حتَّى أوشكت أعتى الدَّرجات اللَّونيَّة على النَّفاد، لكنَّها لن تعدم وسيلتها مازالت في أكفِّ (ياخور)، الذي لن يكلَّ عن استنزاف إعجابنا مع كلِّ شخصيَّة، كلُّ ذلك لتقديم أقصوصةٍ جنائيةٍٍ أعفتها شربتجي من تهمة الرَّخاوة، تلك السِّمة التي اقترنت بالدِّراما البوليسيَّة السُّوريَّة منذ ذيوع صيتها.

وبتمحيصٍ في الخطة الإخراجيَّة، فقد تجلَّى واضحاً عودة شربتجي إلى اعتماد ثبات الكاميرا، في مشاهد عدَّة، بعد أن تخلَّفت عن هذا التِّكنيك بضع سنوات، في محاولة ذكيَّة لخلق مفاضلة تصويريَّة بين حدثٍ متوترٍ يشكِّل نواة مشهد ما، وٱخرٍ راكدٍ يزوِّدنا بمعالجاتٍ تحقيقيَّةٍ تعتاش على الرَّزانة لفهم ٱليَّات وقوع الجريمة.

وبانتقال سلس إلى حبكات القفلة، فللعمل عُكَّاز سندياني، ارتكزت عليه الخواتيم، فشدَّت المتلقي بمكرٍ محبَّبٍ إلى متتاليةٍ مشهديَّةٍ، إضافة إلى زخرفةٍ ذوَّاقةٍ بتقنيَّة (الفلاش باك)، التي نجت من توريط العمل بالعبثيَّة والفوضى، فطُرحت بقدرٍ وافٍ، وزوَّدت المرئي بكوداتٍ منمَّقةٍ، وُظِّفت لفكِّ شيفرة المجهول.

أمَّا سبك الجريمة، فقد كان على درجاتٍ معقولةٍ من الدِّقة في الترابط التعقيبي، الذي تجسَّد بلغة السَّبب والنَّتيجة، فضلاً عن استخدامٍ متواضعٍ للمصطلحات الجنائيَّة، كالركن المعنوي للجريمة، وهو القصد أو النِّية الجرميَّة، التي لا تقوم المسؤوليَّة الجنائيَّة دون إثباتها فعليّاً، إضافة إلى تكنيكٍ متطورٍ نوعاً ما في علم الأدلة الجنائيَّة، وتراتبيَّة التَّحقيق، وأساليب الاستجواب، بعيداً عن الاعترافات الولاديَّة النَّابعة من طوباويَّة صحوة الضَّمير لدى المتَّهمين.

وبتحليلٍ سريعٍ لأبعاد الشَّخصيَّات، فلم يتسنَّ للمشاهد الاطلاع على تواريخها، وبسبر أغوار الجانب السِّيكولوجي بالتَّحديد، تتَّضح شروخات بيِّنة، ومنها شخصيَّة المذيع (خليل/ خالد القيش)، فلامنطقيَّة لمصاحبته ل(رؤى/ روعة السعدي)، زوجة ولي نعمته (سجيع/ عدنان أبو الشَّامات)، ذلك أنَّ الانتهازيَّة التي طغت على نفسيته تقود بالضَّرورة لتعامل حذر مع كلِّ من يحيط بربِّ عمله، يشاركه صديقه (اكثم/ نضال نجم) المطاف ذاته، ولكن بتشريحي سيسيولوجي يلامس ثقافة الأديب، فقد كان المأوى لنزوات صديقه، والدِّرع السَّاتر لخيانته، ولم ترد على لسانه جملة يتيمة دافع فيها عن (رشا/ أمل بوشوشة) أمام زوجها، بحجة أنَّ شريكها لم يتوان عن خيانتها بشكل متكرر، ولا أحقيَّة له بمهاجمة خُلُق والإتيان بمثله، كذريعة بسيطة لابدَّ أن يذكرها كاتبٌ متحضرٌ يؤمن بالقضية الجندريَّة.

سينوغرافيَّاً، وبالاسترسال في الخوض عن عناصر الملابس والماكياج والشَّعر، فقد بدت العفويَّة صبغة غالبة، وإذ محاكاة الواقع تتَّصدَّر وبقوَّة، وتلك إضافةٌ حسنةٌ لأرصدة فلاح العمل، فقد ركَّزت المخرجة على عدم تغيير الملابس، أو الاهتمام المبالغ في دهن الأوجه بمعظم المشاهد، وهي حالةٌ طبيعيَّةٌ تفرضها الأوجال الظَّرفيَّة التي رافقت التِّيمة البنائيَّة للحدوتة.

وباستعراض الرِّسالة الألسنيَّة، فقد شلَّ عنصر البساطة حتميَّة التَّباين بين الهويَّات الثَّقافية، وإذ بالطًَبيبة، والاعلامي، والأديب، ورجال القانون والأمن والأعمال، وحتَّى ربَّات المنازل، وسائقي سيارات الأجرة، وأمناء السَّر، يتحادثون بلغة موحَّدة، قوامها ألفاظٌ شعبيَّةٌ، وحلَّاسها نقاشاتٌ تسطيحيَّةٌ، لا تنمُّ إلَّا عن ركاكةٍ حواريَّةٍ، بعدما فلتت حبائل الملفوظ من يدي السِّيناريست، فحطَّمت تناغماً بين شرائح المجتمع، وقرَّبته من الرَّتابة الكلاميَّة، فالسَّولفة واللَّغو هي لغة الجميع، ولا براعة مشهودة في منطوق الشُّخوص، الذين امتازوا بتنوعٍ مهنيٍ متّقنٍ، ورغم ذاك العطب، وللإنصاف، فقد نجا الحديث من الاسفاف اللُّغوي، وغدا تراشق الشَّتائم مقبولاً بل ومبرر، فاختيرت كليشَّات شعبويَّة، خفيفة الوطء، مسجِّلة للهدف، محقِّقة للوظيفة، وهي التَّعبير عن انفعالٍ بالغٍ، أو خروجٍ عن الطَّور مع احتدام الموقف.

لم يظهر تضافر واضح بين الظَّواهر السَّمعيَّة، فهناك حالة غياب شبه تام للمؤثرات الصَّوتيَّة، رغم دورها الفاعل في دراما الجريمة، مع ضوضائيَّة في الموسيقى التَّصويريَّة، فلا تشكيل مدروس لتمازج المحكي مع الموسيقى والسَّاوند إيفكت، فالحدث معالج بصريَّاً دون منكِّهات تأثيريَّة، إنَّه تعويم للغة الصُّورة، ومزيج لأحداث متراكمة برع صانعوها في سميولوجيا أجسادهم، مخلِّفين وراء سمعبصريتهم كوماً دلاليَّاً، وللرَّاغب الحريَّة في ممارسة شغف الاستقصاء.

 


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا