كنائس الشرق تدق ناقوس الخطر..؟

الخميس, 19 كانون الأول 2013 الساعة 16:44 | مواقف واراء, كتبت رئيسة التحرير

كنائس الشرق تدق ناقوس الخطر..؟

جهينة نيوز - فاديا جبريل:

وكأن قدر هذه المنطقة أن تكون هدفاً استراتيجياً غربياً ومنطلقاً لإشعال حروب دينية وصراعات طائفية، ذلك أن العدو يعلم علم اليقين بأنه، كي يتمكّن من السيطرة عليها، لا بد من ضرب جذورها الحضارية واختراق بنيتها الاجتماعية والاقتصادية، وتحويل الإنسان العربي فيها إلى شخص منفعل وليس بفاعل، ذي منظومة فكرية استهلاكية هشة يسهل اختراقها وتحريكها حتى بالخرافة وقتما يشاء هذا العدو، ونتذكّر أنه باسم الدفاع عن الكنيسة خاضت أوروبا حروبها «الصليبية» في الشرق، وباسم الدين أيضاً حكم العثمانيون منطقتنا 400 سنة وأعلنوا عليها حرباً استنزفت مقدراتها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية، وكلتا الحربين أغرقت الشرق بالدماء والجهل وفتكت بعقول أبناء العرب ومستقبلهم!. واليوم باسم «الوهابية التكفيرية» التي زُرعت قسراً في عقول البعض وعمّمها آل سعود بالإرهاب والقتل والأموال، يجري تحطيم ما تبقى من بنى اجتماعية خدمة لأهداف سياسية كبرى، تسعى لإيجاد اختراقات وبيئة مناسبة لإتمام التقسيم الجغرافي والنفسي والفكري في المجتمع الواحد، الأمر الذي عجزت عنه الحروب السابقة والمؤامرات التي تعرضت لها منطقة الشرق الأوسط. أول الاختراقات تجلّى وبشكل واضح في استهداف جوهر الدين الإسلامي الذي يحضّ على الاعتدال والابتعاد عن الإقصاء والإلغاء لمصلحة «إسلام وهابي» مصنّع غربياً ومصدّر خليجياً، ليشكل في مراحله المتقدمة جيشاً تكفيرياً سيغدو اليد الضاربة التي تُغني عن استنزاف الجيوش الغربية في معارك طويلة الأمد لا أفق لها لتحقيق الخطوة الاستراتيجية التمهيدية لإتمام مشروعهم التقسيمي، وذلك من خلال استهداف النسيج الاجتماعي بترهيب الأقليات والتهديد بالمجازر والعنف اللامحدود والخطف والذبح، فمن جهة يصبح الدفاع عن الطائفة أو المذهب متقدماً على الدفاع عن الوطن، ومن جهة أخرى الدفع بمن انتقلت إليه نيران إرهابهم إلى الهجرة بعيداً عن الوطن كحال المسيحيين في الشرق الأوسط.

في ظل ما يجري على الساحة العربية، نجزم بأن المخطط التخريبي الذي ينتشر وباؤه إرهاباً وهابياً لتهجير المسيحيين، ما هو إلا حلقة في سلسلة المخطط الصهيوني لتقسيم المنطقة على أساس طائفي ومذهبي ابتدأت فصوله مع قيام حليف الوهابية «إسرائيل» في فلسطين، ففي أعقاب نكبة عام 1948، عملت قطعان العصابات الصهيونية على تهجير وقتل وتدمير قرى مسيحية بأكملها ولاسيما في القدس الغربية، وإنشاء أحياء سكنية يهودية فيها تمهيداً لإعلانها «عاصمة يهودية»، لتكرّ السبحة على كل دول الشرق الأوسط بمخطط غربي هادئ يعتمد عملية تطهير عرقي ناعمة للمجتمعات العربية من الأقليات عبر منح عائلات بأكملها تسهيلات في الحصول على تأشيرات للهجرة تحت ذرائع متعددة، وأهمها ذريعة الإرهاب الذي عملت الولايات المتحدة وأذنابها في المنطقة على نشره وتغذيته في العالم العربي منذ عقود!!. ومع خروج مخطط تهجير المسيحيين إلى العلن في ظل ما تشهده الساحة الإقليمية والدولية من إعادة تشكيل العالم من جديد، بعدما كان لسنين خلت في كواليس الغرب، ظهرت النيات الغربية بوضوح سعياً لإفراغ الشرق من مكوناته الحضارية وتحويل مجتمعاته إلى مجتمعات من لون واحد، غارقة في التطرف والإرهاب والتخلف، يسهل معها تنفيذ مخططات التقسيم عبر خلق المناخ المسوغ للوجود الاستعماري للغرب، بدءاً من التدخل الإنساني إلى التدخل بحجة محاربة الإرهاب ووقف الاقتتال الطائفي أو العرقي، كما يحصل اليوم في إفريقيا الوسطى، وكما حصل في السودان حين تمّ فصل جنوبه ذي الأغلبية المسيحية وبرعاية أمريكية كاملة، وصولاً إلى الإجهاز على ما تبقى من تعايش بين الأعراق والطوائف في المنطقة برمتها، ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق منيت الديمغرافية المسيحية المشرقية بخسائر فادحة، تمثّلت في هجرة مئة ألف مسيحي قبطي من مصر، ولم يبقَ من أصل أكثر من مليوني مسيحي عراقي سوى ٨٠٠ ألف، وفي سورية تقوم الدول الأوروبية وبكل هدوء بقبول هجرة أي سوري شرط أن يرفق المتقدم بطلب الهجرة وثيقة كنسية تثبت أنه من رعايا إحدى الكنائس السورية، في سعي غربي حثيث لصبغ مجتمعاتنا بصبغة اللون الواحد، كما ذكرنا، وهذا ما عبّر عنه بوضوح الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للبطريرك بشارة الراعي في تشرين 2011 عندما قال «إنه لا مكان للمسيحيين في الشرق ولاسيما في لبنان وسورية»!! وعلى هذا، لا بد هنا من الإقرار بأن مخاوف مسيحيي الشرق التي تدفعهم إلى الهجرة مسوغة وليست من باب ضعف الانتماء إلى الوطن، كما يحلو للبعض أن يصنّفها، ولكن مع خروج هذا المخطط إلى العلن، كما أسلفنا، انعكس ذلك وعياً سياسياً بصبغة وطنية مسؤولة لدى المسيحيين في سورية بأن المعركة مع التكفيريين الوهابيين تستلزم الصمود بوجه هذا المد الإجرامي الموجّه غربياً، وأن التمسّك بالوطن والدفاع عنه يأتي في مقدمة أسباب هذا الصمود والبقاء.

إن ما تشهده المنطقة من حرب قذرة متعددة الوجوه والأهداف ليس كمثلها حرب في التاريخ، من حيث إنها تدفع إلى سيطرة صنيعة الصهيونية «الإسلام المتطرف» بدعم غربي مباشر لمجموعات متطرفة أصولية تكفر كل مؤمن من كل الطوائف والأديان في سعي لضرب البنية الفكرية والأخلاقية للمجتمع، جعلت من مخاوف الأقليات، ومنهم المسيحيون والمسلمون المعتدلون وسواهم، تتسع لتشمل مساحة الوطن، ما يستدعي من جميع أطياف وطوائف ومكونات المجتمع، التزاماً بالواجب الأخلاقي والانتماء إلى هذه الأرض، والدفاع عن مصير وطن كامل مهدّد بالتقسيم والتهجير، وليس فقط الدفاع عن طائفة بعينها.

لقد أدرك مسيحيو سورية خاصة ومسيحيو الشرق عامة، أن مخطط تدمير الكنائس واستهداف الأديرة بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية وتهجير المسيحيين من العراق يعمل عليه اليوم بنسخته الوهابية في سورية، وأن سورية ذات المزيج الفريد باتت في عين عاصفة الإرهاب وكنائسها تدق ناقوس الخطر، فكان الدفاع عن وجودهم الممتد إلى أكثر من 2000 عام، هو الخيار والقرار الذي تجسد تعاضداً في جبهة المقاومة الداخلية لصد هذه الهجمة الأصولية، كما أدركوا أيضاً أن الإرهاب الوهابي ارتكب الكثير من المجازر بحق المسلمين بطوائفهم المتعددة قبل أي استهداف للقرى المسيحية، وما استهداف الكنائس إلا حلقة في سلسلة استهداف كل دور العبادة التي لا تنسجم مع الفكر الوهابي الإقصائي، ولنا في نبش أضرحة ومقامات الأولياء والصالحين والقديسين مثال صارخ على أن هدف هذا الفكر المتطرف دفن النور الحضاري السوري وليس استهداف طائفة من دون غيرها، فمن اختطفوا راهبات دير مارتقلا في معلولا هم ذاتهم من اختطف زوار الأماكن المقدسة من اللبنانيين في إعزاز، وأيضاً هم من اختطفوا أكثر من 120 امرأة وطفلاً من قرى ريف اللاذقية الشمالي، وهم من قتلوا الأبرياء في مدينة «عدرا العمالية» ودير عطية وغيرها من بلدات ريف دمشق.

نجزم بأن الصوت المسيحي أثبت عكس ما كان يُراد له أن يكون، وتُرجم ذلك بإظهار التشبث بهذه الأرض والدفاع عنها بكل الوسائل، والتأكيد على أن قدرهم، كقدر كل السوريين من كل الطوائف، البقاء في هذه الأرض حتى لو دمرت كل كنائسها، لأن الحجر يعمر.. أما الوطن إن ضاع فلا يرجع، الوطن كما قيل فيه «شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم».

عن صحيفة تشرين

أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 نصر سوريا
    20/12/2013
    17:50
    ليهدموا الكنائس ..ألجسد والعقل والنفس هم أهم كنيسة
    الكنائس يعاد تعميرها وهي مكان للعبادة والتأمل والشكر للخالق القدير العظيم الذي أعطانا (الروح )و(الحياة)والأخطر (وهو المطلوب من الكفرة المكفرين) تدمير و هدم النفوس وهدم العقول وهدم المباديء وهدم الحقائق وهدم (الإنسان),,,,,,,,,,,والهدف ملء البنوك
  2. 2 نصر سوريا
    20/12/2013
    19:46
    بنوكهم تعمر بسفك الدم والمجازر
    يهدمون الكنائس والجوامع والاضرحة ولايهدمون البنوك وخاصة البنوك الممولة للإرهاب!!!
  3. 3 انتظار
    22/12/2013
    06:55
    النصر
    الكنائس تنتظر مع المآذن امتزاج الأجراس مع الأدان لتعلن النصر الكبير

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا