جهينة نيوز- بقلم محمد منذر الخليفة:
إن لم تكن سمعت بالمعبار, فهو المنفذ الوحيد لمدينة دير الزور على العالم الخارجي حتى وقتِ قريب وكذلك المصدر الوحيد (وإن كان شحيحاً) للمواد الغذائية الداخلة للأحياء التي تبسط الدولة السورية السلطة فيها.
قبل شهر من اليوم إن كنت متوجهاً إلى كل من الرقة والحسكة بل وحتى للأحياء الخاضعة تحت سيطرة كتائب المعارضة المسلحة, يتوجب عليك أن تخوض تجربة العبور بين ضفتي نهر الفرات على متن قوارب بدائية يتكدس فيها العابرون مستسلمين لمزاج موجه القارب الذي يردد باستمرار عبارات تحذيرية للركاب بعدم التحرك وإلا سينقل القارب بمن فيه.
على الضفة الأخرى تستقبلك حشود من سائقي سيارات الأجرة والدراجات النارية بعبارة الحمدالله على السلامة ومن ثم التسابق لالتقاط زبائنهم..
بمجرد وصولك تعلم أنك أصبحت في المنطقة التي تسيطر عليها عناصر "جبهة النصرة" من أبناء المنطقة وعليك الاستعداد للخضوع لعملية تدقيق في وثائقك الرسمية وربما الإجابة عن بعض الأسئلة عن وجهتك وعن سبب عبورك, تتصدى لهذه المهمة عناصر ملثمة تتوزع في منطقة خلفية أبعد عن شاطئ النهر بين المنازل خوفاً من السيطرة النارية لقناصة الجيش السوري وترافقهم في هذه الحواجز نساء ملثمات بالزي الشعبي للمرأة الريفية، تتولى أمور تفتيش النساء في حالة الشك في كونهن من المطلوبات باعتبار أن لدى الكتائب المسلحة والهيئة الشرعية أرشيفاً واسعاً لمدنيين مدانين بتهمة التعامل مع أجهزة الأمن.
تتنفس الصعداء بالانتهاء من هذه الإجراءات في حال كنت متوجهاً نحو الرقة أو الحسكة أو الميادين حتى نحو دمشق، أما إن كنت متوجهاً نحو الأحياء والمناطق الخاضعة لسيطرة الكتائب المسلحة، فعليك أن تشد نفسك أكثر وأن تكون حاسماً في أجوبتك فستقف أمام عدة حواجز لتشكيلات عدة أكثر تشدداً وبفارق لا يتعدى الأمتار بين الحاجز والآخر على طول جسر السياسية، فإن كنت من غير أبناء هذه الأحياء أو القرى (المحررة) فدخولك شبه مستحيل هذا إن لم يقبض عليك بتهمة "عوايني".
على طول الطريق الواصل حتى محافظتي الرقة والحسكة والمتفرع عنه طريق لمدينة الميادين والبوكمال وصولاً للحدود العراقية المسمى طريق الجزيرة، تلاحظ الأسلوب الحقيقي للحياة في المناطق (المحررة)، حيث تجد تجارة المواد النفطية المكررة محلياً من الآبار المسيطر عليها من قبل أبناء الريف الديري وأكياس الدقيق التركي -المقايض- مع محتويات الصوامع المنتشرة في الريف، كذلك استعاض الريف عن انقطاعات شبكة التغطية الخلوية والاتصالات بتركيب لواقط انترنت فضائي يتحدث أحد أصحاب مقاهي الانترنت المفتتحة حديثاً بلسان الدعاء "الله لا يجيب التغطية لعندنا منشان ما ينقطع رزقي" حيث دقيقة الاتصال الواحدة داخل سورية تبلغ مائة ليرة سورية عبر الاتصال الفضائي.
مع تحول جزء كبير من أبناء سكان الريف من حملة السلاح إلى تجار مشتقات نفطية أصبح من المألوف أن ترى السيارات الحديثة الفارهة تسير على الطرقات الزراعية في الريف بعد أن كانت مقتصرة على الجرار وسيارات النقل الزراعي! ففي ظل غياب سيطرة الدولة غدا من السهل إدخال السيارات من الحدود التركية مباشرة من دون جمارك، فبالإمكان أن تركب سيارة BMW X5 على سبيل المثال مقابل خمسمائة ألف ليرة سورية أو أقل.
على الرغم من انتشار اللافتات والشاخصات الطرقية التي تحمل عبارات تشيد بالحكم الإسلامي وتحرض على الجهاد، لا تخلو بعض الجنبات من لافتة قرية أو حائط مدرسة من عبارة للرئيس الراحل حافظ الأسد.. أو السيد الرئيس بشار الأسد في تناقض عجيب حملنا على سؤال أحد المارة فأجاب: مصالح "والله بس يوصل الجيش عند دوار غسان عبود بالدير رح ينهزم الجيش الحر من الميادين والبوكمال". ويتابع الآخر مشيراً إلى معقل ضخم لحركة أحرار الشام "ما ضل حدا" ويقصد بها حالة الاقتتال التي شهدتها المنطقة بين فصائل متعددة إسلامية من جهة وبين تنظيم داعش من جهة أخرى وفي ظل معارك رفاق السلاح أصبح كل من يقترب من هذه المقرات مشكوكاً بارتدائه حزاماً ناسفاً.
ليس في الأفق ما يشير إلى انتهاء الحالة الميدانية في القريب غير أنه بات من الجلي حالة المزاج العام المدني الرافض للعامل المسلح التخريبي وهذا ما سيعجل أي عملية حسم عسكري في المستقبل.