جهينة نيوز- بقلم د. عبد الحميد سلوم:
بما أن الوزارة المُعدَّلة متحمسة للتغيير والتطوير وتكافؤ الفرص حسب تصريحات بعض أعضائها، فهل ستقوم بتعديل المرسوم رقم 4 للعام 2010 المتعلق بوزارة الخارجية الذي ينطوي على تمييز واضح بين أبناء المؤسسة الواحدة وأبناء الدورة الواحدة ويقضي على مبدأ تكافؤ الفُرص ويفرز الناس إلى مدعوم وغير مدعوم وكأننا في زمن الفصل بين السود والبيض في القارّة السمراء، والمليء بالثغرات؟؟.
خطاب القَسَم للسيد الرئيس وردت فيه الفقرات التالية: "الحديث عن الأخلاق ليس بديلا عن تطوير الأنظمة والقوانين أو مبررا للتهرب من مسؤولية الدولة في ذلك.. فإذا كانت الأخلاق والثقافة هي الأساس.. فتطوير إدارة الدولة ومؤسساتها هو البناء"... "سنعزز العمل المؤسساتي عبر تكافؤ الفرص وإلغاء المحسوبيات.. فلا مبرر للتقاعس أو للسلبية في التعامل مع التحديات الوطنية"..
انطلاقا من ذلك أجد واجبا في تفنيد المرسوم المُشار إليه.. بهدف تعديله وتطويره وتجاوز الثغرات والعيوب به ليكون عادلا ويحقق تكافؤ الفرص للجميع ولا يسمح لأحد بالالتفاف عليه.. والحد ما أمكن من الشخصنات التي أهلكت مؤسسات الدولة!!.
1- هذا المرسوم التشريعي، تمييزي جدا.. وقد صيغ في بعض موادّه لخدمة فئة ضيّقة مدعومة!! مرسوم ينص في مادته 30 (من حصل على لقب سفير فتنتهي خدمته حين إتمامه الخامسة والستين من العمر ويجوز بناء على اقتراح الوزير تمديد خدمته سنة فسنة بما لا يتجاوز سن السبعين)!! طبعا لا يخفى أن التمديد بعد 65 لهذه الشريحة يكون حسب المحسوبية!! هذه المادّة معروف كيف وُضِعت بوقتها لخدمة أحدهم وقد بلغ 72 وما زال بكل صلاحياته وهو من خارج الملاك!! يعني لا يكفي أنهم تكرّموا بالألقاب دون سواهم، بل وخمس سنوات زيادة عن زملائهم، هذا إن لم تتمدد أكثر!! هذا ليس عدلا!!. فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني تقسيم الناس على أساس تمييزي إلى مدعوم وغير مدعوم!! فمعروف للجميع أن المدعوم فقط هو من يحصل على لقب السفير وغير المدعوم لا نصيب له في ذلك مهما كانت مؤهلاته!! فهل لهكذا أمر شبيه في مكان آخر حتى بأفريقيا المعروفة كانت بالتمييز العنصري!!. بكل وزارات العالم تقريبا، لقب السفير هو امتداد للقب وزير مفوّض ويأتي بعده طبيعيا، إلا في بلدنا فهو لغز لا يحل طلاسمه إلا الله والعالمين بالغيب!! فترى من يحمل ألقابا صغيرة يقفز فورا إلى منصب سفير بينما يبقى (وزيرا مفوّضا) عدة سنوات رئيس بعثة، ولا يمنحونه اللقب مع أنّه أكفأ وأنجح من أي سفير!!. ألمْ يكن ممكنا وضع مادة في المرسوم 4 تنص على أن كل من وصل إلى لقب وزير مفوض يحصل بشكل طبيعي بعدها على لقب سفير، وكل حسب دوره، كما يحصل في غالبية البلدان، بدل هذا القفز غير العادل، وخلق الغبن والشعور بالظلم لدى الغالبية من الناس وإشعارهم وكأنهم ليسوا من الوطن، وأن الدولة للمدعومين!؟. أم إن المسألة شطارة، والشاطر يدبَّر رأسه؟. والمفارقة أن من يحمل لقب سفير يبقى بالبعثة 6 أو 7 أو 8 أو 9 أو 10 سنوات ولا يقول: انتهت مدتي وعليكم أن تنقلوني! ولكن بعد أن ينتقل ويمكث بالوزارة سنتين يقلب الأرض ويتوسل الأيدي وغيرها كي ينتقل تحت أية صفة، ودون أدنى احترام للقب السفير، إذ لم يعد الأمر يهمه بعد أن سوكرَ على البقاء حتى الـ65!!.. فما بين ما يعادل 300 دولار وأقل بالشهر، وعشرة آلاف دولار بالشهر في البعثة يتسابقون للظفر بالانتقال للخارج ويأخذون دورهم ودور غيرهم ممن لم يحملوا لقب (سفير) وعليهم بالتالي أن يتقاعدوا في الـ60 وبينهم من هم أكفأ أبناء الوزارة وتفريغ الوزارة منهم هو كما تسريح خيرة المقاتلين من الجيش، فمن يفعل ذلك بهذه الظروف؟؟.. ولو ساد المنطق والعدل لتمَ سحب لقب (سفير) من كل من سعى بعدها لينتقل بأية صفة لأهداف مالية صرفة، وبعد أن ضمن البقاء للـ65 بحسب المرسوم المذكور!! ومن ثم تطبيق نظام الـ60 عليه!! هذه سابقة غير مسبوقة بأي مكان: أن يكون الشخص سفيرا ثم يستقتل بعدها ليشغل قائما بالأعمال من أجل المنفعة المادية.. داعسا على لقبه الذي أقسم عليه أمام رئيس الدولة!! فماذا يعني ذلك؟؟ الوضع الطبيعي أن يبقى السفير يعمل بالوزارة حتى تحين له فرصة أخرى بتعيينه سفير مجددا، وإن لم تحن هذه الفرصة فيبقى مديرا بالوزارة، لأن فرَصه أخذها مُسبقا، ومن حق غيره أن يأخذ فرصه أيضا، إلا إن كانت الدولة لناس دون غيرهم.. والمرسوم رقم 4 يرسّخ هذا المفهوم!!.
2- الفقرة (آ) من المادة 40 تمنح وزير الخارجية (طبعا أي وزير خارجية)، حق ترشيح السفراء، وباعتقادي من الأسلم والأصح أن يكون القرار جماعيا حتى يبتعد عن الشخصنة، من خلال تشكيل لجنة من عدة جهات بالدولة والترشيح يتم وفق معايير وشروط مُعلنَة وواضحة ومعروفة للجميع، ومُعلَنة بالمرسوم، وكل من يشعر أن هناك معيارا أو شرطا ينقصه فعليه أن يسعى لاستكماله، ولا تبقى الأمور حزازير وبهلوانات ودعم وواسطات ومحسوبيات!!. (فالبعض) ممن صاروا سفراء(إناثاً وذكوراً) لو كانت هناك معايير صحيحة لرأينا غيرهم وأكفأ منهم بكثير..
3- المرسوم 4 لم يحدد فترة زمنية لبقاء السفير بالبعثة (وكأنه من غير طينة، وهذا عهدناه فقط ببلدان موصوفة بالرجعية).. بينما حدّد فترة لبقاء أعضاء البعثة.. ولذا شاهدنا بقاء البعض لأكثر من عشر سنوات ينتقل من سفارة لأخرى وأهل الكفاءات والخبرة يتفرجون!!، وهذا يتعارض مع مفهوم تكافؤ الفرص والعدالة..
4- المرسوم لم ينص على أن كل دبلوماسي يجب أن يخدم في منطقة صعبة وبعيدة، ولذا بقيت مسألة توزيع الناس على البعثات خاضعة لمستوى المحسوبية والدعم والأمزجة.. فالبعثات في البلدان المرغوبة للمدعومين وغير المرغوبة، في البلدان الصعبة المسكونة بالكوليرا والملاريا، لغير المدعومين.
5- المرسوم لم ينص على أنه لا يجوز للمتنفذين بالوزارة أن يستغلوا نفوذهم لتظبيط أبنائهم وأقاربهم، على حساب أبناء الوطن الآخرين، ولذلك لم نشهد متنفذاً بالوزارة على مدى عقود إلا واستغل نفوذه لمصالحه ومصالح أبنائه، فبتنا نرى الأب والأبناء، والأخوة والأخوات، والأهل والأقارب، بينما عدّة أخوة وأخوات في بيت واحد لا يجدون عملا وبينهم من ينتمون لذوي شهداء، وبفضل دمائهم ما زال أولئك يقبضون بالعملة الصعبة.. (يعني ما يعادل مليوني ليرة سورية بالشهر الواحد)!!.. فقد تعودوا على القبض بالعملة الصعبة وهذا لا يلبق إلا لهم ولأولادهم!!.
6- المادة 36 من المرسوم رقم 4 تنص على أنه لا يجوز النقل أو التعيين في السلك الدبلوماسي والقنصلي إلا عن طريق المسابقة حصرا.. ولكن هناك العديدين ممن تم نقلهم لملاك الوزارة –من الإعلام- ولو خضعوا لمسابقات (ربما) لانحرجوا!!.. وليس المقصود هنا من كانوا وزراء ورؤساء منظمات، وإنما إعلاميون عاديون جدا، ومنهم من تقاعد!!..
7- المادة 47 تنص "على أنه لا يجوز نقل الزوجين العاملين في الوزارة للعمل في بعثة واحدة ويُحال أحدهما حكما على الاستيداع في حال مرافقته للزوج الآخر".. فبات ينتقل الزوج وزوجته كل منهما إلى بعثة (وقد تكون سفارة، وقنصلية عامة بنفس البلد كما أبو ظبي ودبي مثلا، أو بعثة في نيويورك وسفارة بواشنطن.. أو بعثتين في أوروبا (وهكذا دواليك) ويتقاضى الزوجان في الشهر الواحد ما يقرب من عشرين ألف دولار، يعني ما يقرب من أربعة ملايين ليرة سورية بالشهر (بالشهر وليس بالسنة) وهذا الأمر قائم حاليا.. فكم عائلة شهيد تتقاضى هذا المبلغ؟؟ يمكن أكثر من مائة عائلة شهيد!!.. أعتقد بهذه الظروف هذا الأمر غير مقبول.
8- المادة 54 تشترط بزوجة العامل بالخارجية الإلمام بإحدى اللغات الأجنبية الحية... فما بالكم إن كان دبلوماسياً أو رئيس بعثة لا يعرف كلمة واحدة بلغة أجنبية، لا حيّة ولا ميّتة؟!.
9- المادة 55 تقضي بإنهاء خدمة كل عامل في الوزارة إذا تزوج من أجنبية.. والكل يعرف أن هناك العديدين مخالفين لهذه المادّة، والتفّوا على المادة بعدم تسجيل زواجهم في السجلات السورية.. بل العديدون يحمل أولادهم الجنسيات الأجنبية.
10- المرسوم 4 لم ينص على أن التراتبية والأقدمية هي معايير أساسية في عمل الوزارة كمؤسسة من مؤسسات الدولة وفي توزيع العمل، وإسناد المهام، وهذا يعني فسح المجال للشخصنة والمحسوبية وشوربة الأمور. وهذا ما شهدناه..
11- المادة 35 تعطي الحق للوزير بما يلي: (أن يرفض بدون بيان السبب، وقبل إجراء المسابقة، طلب أحد راغبي التعيين في وزارة الخارجية وهذا الرفض التقديري غير تابع لأي طريق من طرق المراجعة القضائية أو الإدارية). هذه المادة لا يجوز أن تكون بهذا الغموض والشمول، وإن كان المقصود وضع صحي مُعيّن كأن يكون الشخص أعور أو أكتع أو أعرج أو بدين جدا مما يؤثر على حركته، وشكله غير لائق للمهنة، فيمكن تضمين شروط المسابقة شرطا يقتضي بأن لا يكون الراغب بالتعيين يعاني من أية عاهة جسدية.. وإن كان الأمر مسألة أمنية أو محكومية أو غير ذلك، فهناك جهات أمنية وهناك ورقة (لا حكم عليه)..
12- المادة 45 تنص على أنه لا يجوز وجود أكثر من محاسب واحد وإداري واحد بالبعثة، ولكن تأتي مباشرة مادة بعدها لتنسفها وتنسف بعض المواد قبلها بإعطاء الوزير الحق بوقف مفعول تلك المواد.. ماذا يعني ذلك؟ يعني يمكن أن يكون هناك أكثر من إداري بالبعثة، بحسب.......... (وكنا نرى أحيانا ثلاثة إداريين).
13- المادة 80 تنص على أنه "لا يحق للعاملين في الوزارة وتحت طائلة العقوبة نشر مؤلف أو مقال أو إلقاء محاضرة في موضوع سياسي إلا بموافقة خطية مسبقة من الوزارة". هذه المادّة هي تكتيف للدبلوماسي، وقد ثبت مدى خطئها في الأحداث التي مرّت وتمر بها سورية. وأعرف أن الوزارة لا تعطي موافقة على مقال أو محاضرة أو مقابلة صحفية (ذات مواضيع سياسية)، وإن أعطتْ فتأتي متأخرة بعد فوات أوان الموضوع وهذه قمة البيروقراطية والروتين، أو انعدام الثقة بكفاءة رؤساء البعثات.. وهناك من اتّخذ من هذه المادة ذريعة لعدم القيام بنشاط إعلامي (لأن فحوى النشاط الإعلامي هو سياسي) ملقيا اللوم على الوزارة.
هذا المرسوم تسبب بخلل كبير ويحتاج إلى إعادة نظر وتعديل ولاسيما في مادته 30 التي لا سابقة لها بما تنطوي عليه من تمييز.. فهل ستبادر الحكومة المعدّلة لتعديله تحقيقا للموضوعية والمنطق والعدالة وتكافؤ الفرص التي يكثر الحديث عنها؟!.. وهل هناك من يسمع ويحرص على تطبيق توجيهات السيد الرئيس أم إن الكلام يدخل من الأُّذن اليمنى ويخرج من اليسرى كما عهدنا الأمور دوما؟!!.
*الكاتب يحمل ماجستير بالعلوم السياسية ودكتوراه في التاريخ العام– مدرس في كلية الآداب بجامعة دمشق بين 1978-1980– دبلوماسي سابق مرتبة وزير مفوّض.
01:57
03:43
15:31
22:44