أردوغان بين مطرقة التحالف الدولي وسندان التطرف

الأحد, 19 تشرين الأول 2014 الساعة 14:00 | مواقف واراء, كتبت رئيسة التحرير

أردوغان بين مطرقة التحالف الدولي وسندان التطرف

جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:

مع انطلاق المشروع التغييري الأمريكي أو ما سُمّي بـ«الشرق الأوسط الكبير» الذي يرتكز على الإسلام السياسي في العالم العربي، برزت الحاجة الأمريكية والغربية والخليجية متمثلة في تعميم الأنموذج التركي على دول الشرق الأوسط، ما هيّأ المناخ لحزب العدالة والتنمية لإحياء العثمانية الجديدة التي تُرجمت مساعي تركية للسيطرة على العالم العربي من منظور إيديولوجي مغلّف بقيم زائفة في الديمقراطية وحقوق الإنسان وتبادل السلطة!.

ولكي يتمكّن حزب العدالة والتنمية الإسلامي من قيادة مشروع سيطرة المتأسلمين على السلطة تحت لافتة «الربيع العربي»، كان لابد أولاً من تهيئة الأرضية في الداخل التركي، كي يستطيع التماهي مع مستجدات السيطرة على الساحات السياسية في الدول المستهدفة «ربيعياً»، وهو المدرك أن العقبة الأساس تكمن في الجيش التركي «حامي العلمانية» الذي أسقط أربع حكومات في السنوات الخمسين الماضية من عمر الجمهورية الأتاتوركية، حيث بادر إلى عملية أسلمة الجيش التركي من خلال زج كبار قادته في السجون أو دفعهم إلى الاستقالات الجماعية، وردفه بعناصر «إخوانية الهوى»، ما أفقد هذا الجيش القدرة على القيام بأي تحرك من شأنه عرقلة سياسة «الخليفة أردوغان»، إضافة إلى حملاته الممنهجة ضد العلمانيين داخل الجسم القضائي والجامعات وكل مفاصل الدولة، ما مكنه من التماهي مع الواقع الجديد وتسويق نفسه فاتحاً إسلامياً على رأس جيش إسلامي، والإتيان بالإخوان المسلمين على رأس السلطة، انطلاقاً من اعتبارات أيديولوجية وسياسية تشكل العمود الفقري للسياسة الخارجية التركية في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية تجاه الدول العربية والإقليمية.

من هنا, وبعد مرور قرابة أربع سنوات من عمر المواجهة الكبرى مع سورية، جرت الرياح بما لا تشتهيه سفن أردوغان، فلا الدولة السورية سقطت ولا الإسلاميون استطاعوا الوصول إلى الحكم في سورية، لا بل سقط الإسلام السياسي بسقوط الإخواني محمد مرسي، منهياً حلم أردوغان في «الخلافة»، الأمر الذي خلق أنماطاً مختلفة من التحالفات تتمثل في خسارته مصر الإخوانية والسعودية الداعم الأساس لنظام السيسي، والأهم والأخطر أن تركيا برمتها بدأت تعاني نتائج سياسة حمقاء مدمرة، فقد جعل منها الثنائي «أردوغان وداود أوغلو» ساحة مفتوحة على كل المخاطر الأمنية.

في ظل تلك التطورات الإستراتيجية المستجدة بدت السياسة التركية وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، ما دفع أردوغان إلى المزيد من التطرف والإمعان في استخدام الخطاب الطائفي الذي لا يختلف عن خطاب البغدادي أو ابن لادن أو الزرقاوي، سوى أنه صادر عن «متطرف إسلامي» بربطة عنق، في نهج واضح يعزّز من خلاله الفرز الطائفي والمذهبي والانقسامات في الساحة العربية، والتمترس خلف تنظيمات إرهابية عبر تقديم كل وسائل الدعم لها، من تدريب وتسليح وفتح أراضيه لتكون مقراً آمناً لها، أول تداعياته التصدع الكبير الحاصل في النسيج الاجتماعي التركي اليوم.

إن هذه التطورات في مجملها أوجدت تحديات جدية بالنسبة للأمن القومي التركي, ترتبط بالتداعيات المباشرة على الاستقرار الأمني والوحدة الجغرافية لتركيا, وذلك في ضوء عاملين أساسيين، أولهما تحويل الساحة التركية إلى ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات من جراء إمعان أردوغان في دعم تنظيمات إرهابية لمقاتلة «النظام السوري» وإحداث التغيير الذي يخدم مصالحه، معتقداً أنه بالإمكان إبقاء نتائج تمدّد تلك التنظيمات الإرهابية ضمن سيطرته، والذي غذى هذا الاعتقاد قيامه بتعديل الدستور التركي بما يناسب بقاءه في السلطة لكونه الراعي العقائدي لها، ما أفضى إلى الأمر الأخطر الذي راهن عليه وفشل، إذ وجد أردوغان نفسه اليوم بين مطرقة التحالف مع الأمريكان في قتال من يشكلون رأس حربة عثمانيته والذي سيدفع بتلك التنظيمات إلى الهروب للأمام أي إلى الداخل التركي، وسندان الأصولية والكراهية والعنصرية والشوفينية البغيضة التي زرعها في المجتمع والجيش التركي.. وثانيهما يتمثل في ارتدادات ما سمّي «الربيع العربي» من خلال سعي الأكراد لتأسيس «كردستان الغربية» في شمال سورية.

ومن هنا أيضاً أتت الإستراتيجية التركية في توجيه تنظيم «داعش» إلى المناطق الكردية في الشمال السوري وامتناعها عن مساندة عين العرب «كوباني» في مواجهة «داعش»، لأن سقوط «كوباني» سيتلوه –وفق رؤية أردوغان- سقوط دراماتيكي «لعفرين» ذات الأغلبية الكردية، تالياً تلاشي الحلم الكردي إلى الأبد، الأمر الذي سيدفع بالاضطرابات إلى الداخل التركي، وهذا ما بدأ يحصل بالفعل.

إن المتغيرات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة والعالم، وضعت تركيا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تنتفض بقايا العلمانية وتتراجع معها الأفكار التوسعية لحزب العدالة والتنمية وتعيد إصلاح نفسها من الداخل، وهذا يحتاج عقوداً طويلة، أو تستعد لقطف ثمار التطرف تشظياً عند أول مواجهة مع الإرهاب الذي رعته وغذته وصنعته ولاسيما إذا كانت المواجهة بعيدة الأمد!. 

إذاً, نحن اليوم أمام أحدث مشهد من تداعيات «الصراع مع سورية» تتصدره تركيا التي أغرقها حاكم تقوده نزعاته وأهواؤه في وحول الأزمات المتتالية، وسيؤدي بها إلى الهاوية، وقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد في مجمل خطاباته أن زلزال سورية سيطول كل دول العدوان الداعمة للإرهاب التي ستدفع ثمناً غالياً، وهذا ما سنشهده قريباً، وظهرت أولى علاماته في تركيا.

عن صحيفة تشرين

أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا