جهينة نيوز- خاص
لا شك أننا نحيا في سورية الآن مرحلةً فائقة الحساسية من حيث حجم الآثار الناجمة عن سبع سنوات مضت من العمل الارهابي على الأرض وما قابله من حشدٍ لكل الطاقات من أجل مواجهته والتصدّي له للحفاظ على مقدرات البلاد وعوامل استقرار واستمرار الحياة فيها في كل مجال...وفي الوقت الذي لم يتراجع فيه الحصار الدولي، وتتزايد معه حاجة البلاد إلى الخدمات، فإن المعلن من القدرات الحكومية –وخاصةً في مجال الطاقة- يكفي لمواجهة الحصار وتأمين الخدمات الضرورية للشعب، ولكن يبدو أن ما هو غير معلن من خفايا العمل الحكومي وسوء أدائه وارتجاليته في الكثير من الأحيان، يتناقض مع المعلن من القدرات، ويشل كل الآمال ببصيص ضوء في آخر النفق، وفي أعماق آبار الغاز المكتشفة!
أمننا الطاقوي وغاز شمال دمشق الصاعد
في إطار استراتيجيات وخطط الشركة السورية للغاز لاستثمار غاز شمال دمشق الصاعد، والمصنفة بـ"الأمن الطاقوي" للمدينة، أعلنت وزارة النفط في آذار من عام 2018 عن استدراج عروض لنقل معدات محطة الهيل الغازية وإعادة تركيبها وتأهيلها وتشغيلها في موقع البريج لفصل السوائل وتجفيف الغاز وإجراء القياسات، وجاء في دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع نقل المحطة ما يبرر الحاجة الماسة له بالتالي :
- إن معالجة الغاز الخام عن طريق نقله إلى معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى هو عبارة عن حل مؤقت ولا يمكن أن يكون دائماً للأسباب التالية:
1 تضرر الخط الناقل للغاز الخام وتآكله وانسداده وحدوث خسارة اقتصادية كبيرة وكلفة مالية إضافية لإعادة صيانته كون (خطوط شبكة نقل الغاز غير مصممة لنقل الغاز الخام) حيث أن كلفة الأنابيب تقدر بحوالي 5600 مليون ليرة سورية، ونقل الغاز الخام يقلل من العمر التشغيلي لها بنسبة لا تقل عن 25 بالمئة مما يسبب خسارة تقدر بحوالي 1400 مليون ليرة سورية...
2- إن معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى يعمل حالياً بحمولة أكثر من 120 بالمئة من طاقته التصميمية نظراً لدخول غاز شركة حيان للنفط وغاز حقول شمال دمشق إلى المعمل مما يشكل ضغطاً كبيراً على المعمل ومعداته و يقلل من عمره التشغيلي...
وقد خلصت الدراسة إلى أن نقل محطة الهيل وتركيبها وتأهيلها وتشغيلها في موقع البريج ومعالجة الغاز الخام المنتج في المحطة، ضرورة وحاجة ماسة ليس فقط بسبب المؤشرات الاقتصادية الجيدة والمشجعة، وإنما للحفاظ على الشبكة السورية لنقل الغاز النظيف بحالة فنية جيدة.
وكان مدير عام السورية للغاز قد اعتبر أواخر شهر كانون الأول من العام المنصرم هذا المشروع من أهم المشاريع الاستثمارية بالقول "إن الشركة السورية للغاز تتابع عملها بوتيرة عالية لتنفيذ الخطط الإنتاجية والاستثمارية السنوية المنوطة بها خلال الحرب، وحالياً لدينا عدة مشاريع استثمارية للمحافظة على الإنتاج وزيادته من أهمها مشروع نقل محطة الهيل إلى موقع البريج شمال دمشق"...!..
البداية المتعثرة للمشروع
وابتدأ مشوار المشروع متعثراً بسلسلة أحداث كثيرة وغامضة مغلفة بسوريالية إدارية وتردد حكومي ما بين التريث والإقدام والإلغاء، وفي كل حالة تدهشنا التعليلات التي تتناقض كلياً عن سابقاتها، فبتاريخ 10/2/2019 تقرر العدول عن تنفيذ العقد رقم 15 تاريخ 2/5/2018 بسبب الانخفاض السريع في ضغط الآبار الحالية وتراجع مؤشرات الانتاج في حقول شمال دمشق والحاجة الماسة الى المزيد من الدراسات الخزنية والجيولوجية والمسوحات، ولتخلص الدراسة إلى عدم وجود جدوى اقتصادية من تنفيذ المشروع أمام هذه المعطيات الفنية.
وفي ضوء متابعتنا لقضية "مشروع نقل محطة الهيل إلى موقع البريج و"ملثمه"، برز لنا تساؤل يحتاج إلى إجابة منطقية حول المعطيات الجدية التي جعلت الكتب الصادرة من الشركة السورية للغاز تتأرجح بين الحاجة الماسة للمشروع وعدم جدواه اقتصادياً وبفارق زمني لا يتجاوز الشهرين، وفي هذين الشهرين لم يحدث أي تغيير دراماتيكي للواقع الذي بُنيت عليه دراسة الجدوى الاقتصادية ساعة الإعلان عن المناقصة...!... مع التأكيد أن المشكلة ليست إطلاقاً في مناقصة تمت أو لم تتم، ولكن المشكلة في أداء يبدو فيه واضحاً أن الصالح العام استقر في آخر البنود والأهداف.
مشروع نقل محطة الهيل إلى موقع البريج...البداية والنهاية!
لقد كان تاريخ 9/4/2018 موعداً لانضمام المشروع بعد فضّ عروضه إلى ألغاز الغاز الوطني... ذلك أنه استدعى تحرُّك الأمن الجنائي والسياسي، إضافة إلى تحقيقات مالية أدت إلى توقيف موظفين وفرار آخرين ودعاوى قضائية، وبالمقابل استدعى تحركاً غير مفهوم الهدف ضمن أروقة الوزارة، وذلك بجملة من الإجراءات والتريثات لا يضر من سيرها إعفاء كل معترض من منصبه!
حيث تبين أن "ملثّما" دخل ذات مساء قبيْل فض العروض إلى مبنى الشركة السورية للغاز –صاحبة المناقصة- مما أدّى –ربما- إلى جعل عروض الشركات المساهمة في المناقصة تختلف بالشكل والحجم والمضمون، فأحد العروض المالية كان عبارة عن ورقتين بيضاوين (!) بينما كان الفارق بين العروض الأخرى بضع مئات من الملايين السورية زيادةً على مليارات بلغت خمسة...وبعد استبعاد الشركة صاحبة الورقتين البيضاوين، فاز عرض إحدى الشركات المتبقية –وقيمته قرابة خمسة مليارات ونصف-...ولكن هذا الفوز لم يكلل بأمر المباشرة فسحبت الشركة الفائزة عرضها بتاريخ 21/10/2018 وحررت لها التأمينات النهائية...
ومن جهته، تسارع التحقيق المالي في إدارة قضايا الدولة ووجهت الشركة السورية للغاز تهمة التلاعب للشركة صاحبة الورقتين البيضاوين، بما يعتبر سابقة غريبة من نوعها وهي الادعاء على الضحية، وهنا برز تحرُّك من قبل وزارة النفط لإعادة إحياء المشروع عبر ما يسمى "إعادة الارتباط" غير القانونية مع الشركة الفائزة -والتي أُعفي من أجلها مديران بسبب رفضهما التوقيع عليها-، وكل ذلك تم خلال يومين لا أكثر بين 27/11 و29/11/2018!...وتم بموجب ذلك توقيع العقد مع الشركة الفائزة وتصديقه من قبل رئاسة مجلس الوزراء بعد تزكية ودفاع كبيرين من قبل وزير النفط، على أن الموضوع هو حاجة ماسّة وأمر ملحّ...
ولكن في تلك الأثناء، كانت خبرة الأمن الجنائي قد أُجريت -بوجود قاضي التحقيق المالي- على الظرف الخاص بالشركة صاحبة الورقتين البيضاوين، وتبيّن للقاضي أن الظرف قد تعرّض لفتح غير شرعي بقصد التلاعب، مما يعني براءة الشركة من الغش الذي اتّهمت به، ومما يعني أيضاً نقضاً لشهادات من تغاضى عن التلاعب بالظرف المذكور، ولتتحول الشركة من مدّعى عليها إلى مدّعية، فبادرت إلى رفع دعوى على من اتهمها بالغش والتلاعب، بما يعني قضائياً التوسع في التحقيق، لنفاجأ قبل نهاية الشهر الأول من هذا العام بإيعاز مدير عام الشركة السورية للغاز إلى مدير التطوير والمدير المالي لديه بالتريُّث في إصدار أمر المباشرة بالعقد مع الشركة الفائزة، مذيّلاً إيعازه هذا بكتاب إلى الشركة السورية للنفط من أجل معرفة خططها بخصوص مشروع غاز شمال دمشق والمتوقع من الإنتاج!
وحتماً فنحن لا نستغرب صيغة الكتاب الأخير، فمدير عام الشركة السورية للغاز صرّح قبل عام أن "أعمال الاستكشاف الجديدة هي من مهام الشركة السورية للنفط"، لذا سيأتيه جواب الشركة بصيغة متوقعة هي "حالياً تتم متابعة أعمال استكشاف حقول شمال دمشق، قارة والبريج ودير عطية"...!..فبأية معطيات تمّت دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع؟!
ويدخل المشروع المذكور في غيبوبة جديدة بتاريخ الرابع من شباط الحالي حين أرسلت الشركة الفائزة بالعقد المتريُّث فيه، كتاب اعتذار عن تنفيذه بسبب العقوبات الأوروبية الصادرة بحق مديرها العام، فتم إخطار وزير النفط من أجل إلغاء المشروع –هكذا بكل بساطة - ليبقى قضية في طور النظر من قبل قاضي التحقيق المالي في حمص، ولتبقى أزمة الطاقة في طور الاستمرار والمعاناة بين "هرقل" الحكومة و"قيصر" الغرب بانتظار "غودو"!
وبانتظار فك ألغاز "المناقصة اللغز" وإزاحة اللثام عنها على يد القضاء، وبانتظار أن تنتفي قناعتنا أن كتاباً يحمل الرقم 167/ص د س/ ممضى من قبل مدير عام الشركة السورية للغاز بتاريخ 26/11/2018 يتضمن قرار حرمان الشركة الضحية من التعاقد معها دون أن ينسحب هذا على حالة مشابهة في رحلة "المشروع"، هو أحد الأهداف الأساسية لبعض المعنيين، فإننا نود -وبشوق كبير ناجم عن غيرتنا الوطنية وإدراكنا الدقيق لحساسية المرحلة- معرفة كيف تعمل الحكومة، وأية معايير وضوابط علمية وإدارية لديها في التعاطي مع أهم قضايا الثروة الوطنية وأكثرها إلحاحاً...كما أننا لا نعرف من أين نحصل على الإجابة، أَمِن كلمة القضاء النهائية أم من المسؤولين المعنيين أم من المتورطين؟!...لربما نعرف من كل هؤلاء ما الذي حدث، ولربما يُنبئنا ملثّم المشروع في حال العثور عليه بما نريد!
برسم السيد وزير النفط
إنها جملة تساؤلات وهواجس نضعها برسم السيد وزير النفط لندرك معه ومنه أين المصلحة العامة في هكذا أداء، ولماذا تراجعت مؤشرات الانتاج في حقول شمال دمشق ليستبدل التعليل في طرح المشروع، ولاحقا العدول عنه، من الحاجة الماسة للمشروع إلى الحاجة الماسة للمزيد من الدراسات، وأيضا لماذا سيطرت الحاجة الماسة له ما يزيد عن سنة ونصف بواقع لم يتغير، وليأتي قبل أيام من يعلن عدم جدوى المشروع، في استدراك غير منطقي أن ثمة ما هو جديد جداً في واقع الانتاج شمال دمشق ؟؟!! وهل عائدية المشروع الاقتصادية أمر غير ذي أهمية حتى تُنسف أرضيته الأساسية وبخلاصة (مبدع) أن لا حاجة له؟! ألا يستحق العبء المالي الكبير لهذا المشروع والملقى على عاتق الدولة التأكد من جدواه قبل طرحه؟! وهل الأضرار الكارثية نتيجة تشغيل معمل جنوب المنطقة الوسطى بحمولة تزيد عن طاقته التصميمية بنسبة 120% مسألة فيها وجهة نظر؟! والسؤال الأهم بعد كل ذلك، من هو المستفيد من إلحاق كل هذا الضرر بالمصلحة العامة؟!
للحديث بقية ...
02:39
02:52
02:58
03:01
03:09
03:35
03:42
03:46
03:50
04:04
04:32
04:34
04:34
04:36
04:36
04:38
04:39
04:40
04:41
04:48
05:11
05:15
05:20
05:37
05:49
07:51
15:49
16:07
16:23
16:51
02:28
04:17
20:16
21:49
22:23
23:16
23:24
23:49
23:56
00:30
00:44
00:44
00:46
00:50
01:13
01:17
01:18
01:20
01:25
01:26
01:57
02:01
02:16
02:36
02:36
02:41
02:43
02:51
03:51
06:06
06:49
07:01
08:28
14:47
14:51
16:27
17:27
17:37
17:43
17:44
17:47
17:48
18:00
18:05
19:21
21:46
21:51
21:57
22:06
00:28
14:54
15:27
16:54
17:03
19:14
11:53
16:34
16:38
20:46
22:11
22:14
17:37
18:11
19:12
19:12
19:14
19:23
22:29
18:28