جهينة نيوز-خاص
استكمالاً لفصول ما يجري في الشمال والشمال الشرقي السوري من غزو تركي وضجة دولية مفتعلة حوله، رغم التنسيق الأميركي التركي، شهدت أنقرة في 17/10/2019 اجتماعاً للرئيس التركي أردوغان مع الوفد الأمريكي برئاسة نائب الرئيس الأميركي "مايك بنس" ... وقد انفضَّ الاجتماع عن صدور بيان تفهّمت فيه الولايات المتحدة "هواجس تركيا الأمنية المشروعة تجاه حدودها الجنوبية"، كما التزم البلدان "بتعهداتهما في حماية جميع أراضي وشعوب دول حلف شمال الأطلسي(!)، وضرورة استهداف العناصر الإرهابية ومخابئها وتحصيناتها ومواقعها وأسلحتها وآلياتها ومعداتها فقط، ومحاربة أنشطة داعش في شمال شرق سوريا، والتنسيق بشأن مرافق الاحتجاز والمشردين داخلياً من المناطق التي كان يسيطر عليها داعش سابقًا حسب الاقتضاء"...كما أكّد الجانبان الأميركي والتركي "التزامهما بالوحدة السياسية والسلامة الإقليمية لسوريا والعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة(!)، والتي تهدف إلى إنهاء النزاع السوري وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، واستمرار أهمية وفعالية سلامة "المنطقة الآمنة" من أجل معالجة المخاوف الأمنية الوطنية في تركيا"...وقد أعرب الجانب التركي عن "التزامه بضمان سلامة ورفاهية سكان جميع المراكز السكانية في "المنطقة الآمنة" التي تسيطر عليها القوات التركية"...وأخيراً فقد اتفق الجانبان على "ان تنفذ القوات المسلحة التركية "المنطقة الآمنة" في المقام الأول وسيزيد الجانبان تعاونهما في جميع أبعاد تنفيذه، كما سيقوم الجانب التركي بإيقاف عملية "نبع السلام" مؤقتًا للسماح بسحب "وحدات حماية الشعب" من منطقة شرق الفرات لمسافة 30 كم خلال 120 ساعة وتحت إشراف أميركي"...على أن يتم رفع العقوبات الأميركية على تركيا، والتي لم تأخذ حيّز التنفيذ أصلاً.
هذا وإثر الاتفاق الأميركي التركي الجديد (القديم)، أعلن تنظيم "قسد" الانفصالي عن استعداده لاتفاق وقف إطلاق النار مع تركيا...
وهكذا فأول تعليق على الاتفاق، يمكننا القول فيه إنه تثبيت لكل التنسيق والتفاهمات الأميركية التركية الكردية، كما نلاحظ فيه عبارة خطيرة للغاية هي اتفاق الجانبين التركي والأميركي على "التزامهما بالوحدة السياسية والسلامة الإقليمية لسوريا"...وهي عبارة ملغومة وتنتقص من وحدة الأراضي السورية والسيادة السورية عليها، فضلاً عن أن ما سمي بالمنطقة الآمنة التي سينفذها الجيش التركي في الأراضي السورية الواقعة شرق الفرات حسب الاتفاق التركي الأميركي الأخير، إنما هي إعلان احتلال متجدد للمنطقة.
موقف الدولة السورية
في تصريحات له يوم 17/10/2019، أكد السيد رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد أن "الأطماع الخارجية بدول منطقتنا لم تتوقف عبر التاريخ، والعـدوان التركي الإجـرامي الذي يشنه نظام أردوغان على بلادنا حالياً يندرج تحت تلك الأطمــاع مهما حمل من شعارات كاذبة، وسنرد عليه ونواجهه بكل أشكاله وفي أية منطقة من الأراضي السورية وعبر كل الوسائل المشروعة المتاحة"...
هذا وتحرص الدولة السورية كل الحرص على ما حققته بجيشها وتضحياته من إنجازات لحماية وحدة سوريا وسلامة أراضيها خلال السنوات الثماني الماضية، وقد بدأت منذ ليلة الأحد 13/10/2019 بمواجهة ما تم مؤخراً من إجراءات تركية في الشمال والشمال الشرقي السوري –نالت كل الرضا الأميركي غير المعلن حتى تاريخ 17/10/2019- وتجسّدت في إعلان تأسيس جيش عميل لتركيا، واجتياح المنطقة لإقامة "منطقة آمنة" (تلم شمل) الرهائن المهجّرين السوريين في الشمال، تحت المظلة التركية العثمانية، وبموجب بطاقات هوية تركية في أرض يعزم أردوغان على ضمها إلى ما احتُلَّ من أراضٍ سورية بُعيْد الحرب العالمية الأولى...
وكانت الادارة المسماة "الإدارة الذاتية الكردية" قد أعلنت الأحد 13/10/2019 التوصل إلى اتفاق مع الدولة السورية ينص على "انتشار الجيش السوري على طول الحدود مع تركيا للتصدي لغزو الجيش التركي والفصائل الموالية له، والمستمر منذ 9/10/2019 ضد مناطق سيطرتها"... وأضافت الادارة المذكورة من مدينة عين العرب قائلة: "لكي نمنع ونصد هذا الاعتداء فقد تم الاتفاق مع الحكومة السورية كي يدخل الجيش السوري وينتشر على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة قوات سوريا الديموقراطية، مضيفة أن "هذا الاتفاق يتيح الفرصة لتحرير باقي الأراضي والمدن السورية المحتلة من قبل الجيش التركي"... وأضاف البيان "نقول لأهلنا في شمال وشرق سوريا إن هذا الانتشار جاء من خلال التوافق معنا ومع قسد".
أما المشهد في الشمال والشمال الشرقي السوري قبل اجتماع نائب الرئيس الأميركي "مايك بنس" مع الرئيس التركي أردوغان في 17/10/2019، فهو اجتياحٌ تركيٌّ واحتلالٌ لمدن وبلدات في الجزيرة السورية، حمل عنوان مكافحة الارهاب الكردي وإقامة "منطقة آمنة"، وزحفٌ بطولي للجيش العربي السوري للمواجهة والتصدّي بعد أن بدأ تنظيم "قسد" برمي حمولته الثقيلة والاستنجاد بالدولة السورية، فهل قصد "قسد" من ذلك خلط الأوراق، ثم الانقضاض مجدداً على ورقة تسمح له بإكمال مسيرته الانفصالية، أم أنها توبة لا رجعة عنها؟! ...إنها أمور لن يستعصي إدراكها وكشف مضامينها على الجيش العربي السوري أثناء تأدية واجبه المقدّس.
قصة الاجتياح التركي للجزيرة السورية
بعد الاعلان الأميركي والدولي عن القضاء على تنظيم "داعش" –في شهر آذار 2019- في مناطق الجزيرة السورية، واحتجاز الآلاف من أسرى هذا التنظيم وعائلاته في سجون تنظيم "قسد" ومخيماته، وبعد تكدُّس أنواع السلاح الأميركي بيد تنظيم "قسد" وقيامه بتأسيس جيش قوامه 15 ألف مقاتل، حيث تم إلزام الشبان بالانضمام إلى قواته وإنشاء معسكرات لتدريبهم وممارسة سياسة فرض التجنيد الإجباري حتى على الإناث، طغت المخاوف على تركيا من تهديد "قسد" لأمنها في الحدود الجنوبية مع سوريا، وقد توعد الرئيس التركي أردوغان في 30/آذار/2019، الوحدات الانفصالية الكردية بتلقينها الدرس اللازم، خلال تجمع جماهيري لحزب العدالة والتنمية في منطقة سلطان غازي بمدينة إسطنبول، فقال: ألم نلقنهم درسًا في الممر الإرهابي، شمالي سوريا، في عفرين؟ بلى، لقد فعلنا، والآن، إذا لم يُضبَط الوضع (من جانب الولايات المتحدة) في شرق الفرات، فإننا سنلقنهم الدرس اللازم، وقد استكملنا جميع استعداداتنا".....
مخاوف تركية من دويلة كردية
عكس كلام أردوغان السابق المخاوف التركية المتزايدة من التوغل الكردي قرب الحدود التركية وإنشاء كيان كردي يحفز الأكراد في الجنوب التركي لإقامة دولة لهم، وهذه الدواعي بمجملها جعلت تركيا في مرحلة استعداد دائم وتأهب عسكري ضد فكرة السماح للقوات الكردية الانفصالية بإنشاء دويلتهم على الحدود التركية مباشرةً، مهما كلفها الأمر...
كان كلام أردوغان هذا قبل سبعة أشهر، مما يؤكد ما استنتجناه في مقالات سابقة –نشرها موقعنا- أن الدعم الأميركي لمسلحي الانفصاليين الأكراد لم يكن لدواعي قتال داعش، بقدر ما كان لأجل خلق واقع كردي انفصالي احتلالي في الأراضي السورية، كانت قد حثّت عليه دراسات بعض المدارس الأثرية الغربية المعادية، كما نصّت عليه مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية الغربية بتقاريرها التي أُعدّت ضد سوريا ووحدة أراضيها التاريخية تدريجياً، ومواكبةً للأحداث الغادرة التي انطلقت عام 2011 –مثل تقرير "راند" على سبيل المثال-.
"ترامب" والعزف على الوترين التركي والكردي
وفي السابع من الشهر الحالي أدلى الرئيس الأميركي "ترامب" بحديث قال فيه –مبرراً انسحاب بعض قواته من شمال شرق سوريا-: "... يتعين على الأتراك والأكراد حل الوضع فيما بينهم بعد انسحابنا من شمال سوريا"... وللإشارة فالمنطقة التي انسحب منها الجيش الأميركي هي نفسها التي انسحب منها مسلّحو "قسد" مع انطلاق الغزو التركي المسمى "نبع السلام"، وقد عاد "ترامب" وأكد صباح الأحد 13/10/2019 قائلاً: {إن القوات الكردية تميل إلى الانسحاب من الحدود التركية-السورية بعمق 30 كم على طول الحدود التركية-السورية، وهذا سيكون أمراً جيداً، دعوا الأتراك يتدبرون أمر حدودهم، في وقت تواصل فيه أنقرة وفصائل من المعارضة عملية "نبع السلام" العسكرية هناك...}...ولعل أصداء تصريحات ترامب تلك قد ترددت عملياً بعد عشرة أيام، أي من خلال بيان أردوغان ونائب الرئيس الأميركي "بنس" المذكور.
عملية تركية كردية أميركية محكمة...
إذاً –واستناداً إلى ما سبق- فقد كانت عملية تركية كردية أميركية مشتركة، الهدف منها منطقتان، واحدة "آمنة استعمارية عثمانية" لأردوغان بعمق 32 كم في الأراضي السورية، وأخرى لانفصاليي الأكراد بعد العمق المذكور، لم يتم تحديدها بدقة، ذلك أن الأمر مرهون بنتائج الغزو التركي، كما أن منطقة أردوغان نفسها ما زالت قيد الدراسة الروسية الإيرانية والقرار السوري، فالروس والإيرانيون سبق وأن أداروا نقاشاً مع الاتراك بخصوص إحياء اتفاق "أضنة 1998"، والذي يسمح للجيش التركي بالتدخل في عمق 5 كم في الأراضي السورية لدرء التهديد الكردي إن حدث، وذلك دون البقاء في ذلك العمق، ولعل ذلك سيبقى مثار خلاف تركي روسي إيراني، ولكن تفاصيله تنتظر نتائج الغزو الأخير وما ستفضي عنه إجراءات "المئة وعشرين ساعة" المتفق عليها بين "أردوغان" و"بنس"...
هل يَصْدُق الانفصاليون؟
وبموجب بيان الانفصاليين الأكراد في 13/10/2019 والخاص باتفاقهم مع الجيش السوري لمواجهة الغزو التركي، فلا شك ان معادلة ما يجري ستتغير بوجود الجيش السوري، بالرغم من تأخّرهم ببيانهم هذا، وصدوره اضطرارياً بموجب ضغط روسي، لأن المشروعين الاستعماري التركي والانفصالي الكردي وصلا إلى مرحلة خطيرة للغاية على الأرض بدلالة اتفاق أردوغان-بنس الأخير... وكنا قد أشرنا إلى خطورة المشروعين التركي والكردي في موقع "جهينة نيوز" وسلّطنا الضوء على بوادرها قبل ثلاث سنوات، وذلك بتاريخ 26/10/2016 ضمن مقالة حملت عنوان "الحرب العالمية الأولى تطل برأسها من جديد، سايكس بيكو ناجح ويعيد" ... حيث وردت في المقالة فقرة تحمل عنوان "تركيا في ضوء التوجه الدولي لإقامة دولة كردية، ترفع سقف مطامعها لتحافظ على مصالحها"...وجاء في الفقرة ما يلي: {"فمراراً وتكراراً أعلن الأتراك رفضهم لقيام دولة كردية تهدد حدودهم من غربي الفرات، وكان ذلك ذريعة-إلى جانب حجة القضاء على داعش-جلبت جيشهم إلى الأراضي السورية في الشمال، لكن الإجراء العسكري التركي توسعيٌّ في الأراضي السورية ومن شأنه أن يبعد الأكراد فعلاً عن الحدود التركية، إلا أنه سيمكّنهم من حدود ينشدونها برعاية دولية لإقامة كيان مستقل، فإذا أخلى الأتراك المواقع السورية التي اقتحموها بإيعاز وإشراف أميركيين فستكون تلك محاولة لصالح الأكراد الانفصاليين ضمن خطة محكمة بإسهام من أردوغان الذي يهدد بإلغاء اتفاق لوزان 1923 والذي يُلزم تركيا بالحدود الحالية، وما إصرار الأتراك اليوم على المشاركة في معارك الموصل -بعد تقدّمهم في عملية "درع الفرات" وصولاً إلى مدينة الباب السورية- إلا لهدف بسط السيطرة "العثمانية" على الحد الأقصى من الأراضي التي ستشكّل لهم أيضاً ما يشبه حزاماً آمناً ضد تهديد الأكراد"}
غزو أردوغان بين الضوء الأخضر الأميركي والفيتو الروسي الخاطئ
وبالفعل فبعد رفع تركيا لسقف مطامعها نفذت اجتياح التاسع من شهر تشرين/2019 للجزيرة السورية بزخم عسكري كبير، استدعى –كما توقعنا- استنفاراً دولياً للتنديد بـ"المذابح" التي وقعت، وآخر "إنسانياً" لإغاثة اللاجئين الجدد، بعد فرزهم (لتركمان وأكراد وسريان وآشوريين وعرب) بالاضافة إلى أصوات الفزع من عناصر "داعش" الذين افلتوا من سجون "شرق الفرات" الانفصالية، بما (اضطر) ترامب إلى إعادة الاشراف على العملية ومواكبة إجراء دولي وإقليمي محتمل لإبعاد "الأكراد" عن حدود عضو "الناتو" التركي و(إيوائهم) في "منطقة آمنة" خاصة بهم على غرار "آمنة" إخوتهم السوريين من غير الأكراد!
وختاماً فقد كان الضوء الأخضر الأميركي لأردوغان بتنفيذ الغزو، بحجم الفيتو الروسي ضد إدانة هذا الغزو، ولئن كان هذا الفيتو ضمن خطة ذكية للرئيس بوتين، إلا أن التنسيق الأميركي التركي الكردي كان أسبق وأسرع على الأرض.
06:50
06:51
06:53
07:19
07:21
15:19
22:24
00:33
00:41
00:44
03:42
06:18
06:27
07:15
20:51
21:42