جهينة نيوز-خاص
لن نعيد على السادة القرّاء ما بات صغيرهم وكبيرهم يعرفه ويدركه من سيرة تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الارهابية التي انبثقت عن التنظيم الأم "القاعدة"، بعد تقرير الوفاة الأميركي لابن القاعدة السابق "أسامة بن لادن"، ورمي جثته في قاع البحر...
كما لن نأتي بجديد إذا تحدثنا عن علاقة الولايات المتحدة واستخباراتها بتلك التنظيمات، من التأسيس إلى رمي جثة "الأمير" في البحر، مروراً بالدعم اللوجستي والتسليح وحرية التنقل بين البوادي والصحارى والجبال والسهول...
لماذا إدلب؟
وما يمكن أن يقدّم جديداً للسادة القرّاء هو أن وفاة -أو إعلان وفاة- العميل للاستخبارات الأميركية ممّن يحملون رتبة إرهابي أو قائد تنظيم إرهابي في "الشرق الأوسط"، إنما هو حدث يرتبط بقمة هرم الحكم في الولايات المتحدة لأغراض منها رئاسية انتخابية، ومنها سياسية أمنية، ولكن أهمها على الاطلاق -حين يكون الحدث في الساحة السورية- هو البدء بمرحلة جديدة، لا يعرف تفاصيلها سوى من اتخذ القرار مع الرئيس الأميركي أو شاركه فيه، وبالتالي فإعلان مقتل البغدادي في قرية باريشا التابعة لمحافظة إدلب، يطرح ألف تساؤل وتساؤل، بالتساوي مع ألف ليلة وليلة قضاها البغدادي القتيل مؤخراً –قبل قتله- بين الحدود السورية العراقية، ضمن مهام عسكرية وأمنية استعجالية، نفّذها حسب الأجندة الموكلة إليه من القوى المشغّلة له، فما الذي جلبه إلى إدلب التي تغص بأعدائه، بدءاً من القوى الكبرى هناك وانتهاء بأصغر إرهابيٍّ قاعديٍّ، يرى في البغدادي وأخوانه قوماً خارجين عن وحدة الصف الارهابي؟!
شكٌّ روسي أم امتعاض؟
ولعل قوة كبرى هي أول من شكك بخبر مقتل البغدادي في إدلب، وتلك القوة هي روسيا التي سجّلت حضورها في إدلب قبل البغدادي بفترة طويلة...لذا فلنبحث عن غرض تشييع بقايا البغدادي من إدلب إلى البحر! فلا شك أن في الأمر رغبة أميركية في تسجيل حضور للأميركان في إدلب بحجة أن رأس داعش كله كان في إدلب، فهل يعقل أنه كان لوحده من أفراد التنظيم في المحافظة؟!...هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالوضع في الشمال السوري ما زال مشتعلاً، أما كثافة دخان المعارك فتحيط المشهد هناك بغموض لن يُكشف عن تفاصيله إلا بعد أن تقوم جماعة البغدادي بأداء صلاة الغائب في المكان على فقيدها!
التاجر البغدادي هو البغدادي نفسه!
لا شك أن مستشاري الرئيس ترامب قد أطلعوه على الروايات التاريخية التي تستهوي سكان المنطقة العراقية السورية، ولعل أهمها شهرة وانتشاراً، حكايات "ألف ليلة وليلة"، وبموجبها وصل البغدادي من الحدود الشرقية إلى إدلب على هيئة تاجر، في ليلة ليس فيها سوى أضواء أقمار (السي آي إي) الاصطناعية، وفي القرية الوديعة "باريشا" سكن التاجر البغدادي في بيت صغير بين الأحراش ليس فيه سوى وسائد ملونة وأحزمة ناسفة لأفراد العائلة، أما الجيران البسطاء فعرفوه باسم أبي محمد، موزّع المنتجات الغذائية الذي كان يخرج في الصباح الباكر، ولا يعود إلا في آخر الليل، ولم يكن يُسمع له صوت في منزله...وفي منتصف ليلة السابع والعشرين من شهر تشرين الاول، وبعد هجوم القوة الأميركية الخاصة المدعومة بطائرات الاباتشي على منزل أبي محمد، ادرك سكان باريشا أن التاجر البغدادي ليس إلا البغدادي نفسه!
البغدادي وصلاحية الاستخدام حيّاً وميتاً
إذاً فمن "الباغوز" في دير الزور إلى "باريشا" في إدلب، كانت رحلة الموت السريعة –الثالثة أو الرابعة- لقائد تنظيم داعش الارهابي، فأية صلاحية لاستخدام هذا الشخص حيّاً وميتاً، وماذا تخبئ الأيام من مفاجآت تركها البغدادي في وكره الأخير؟ أم أنه أخفى تلك المفاجآت في حزام عائلته الناسف؟!