جهينة نيوز- خاص:
سيتساءل الكثير من المتابعين لسيرورة المعارك الجارية اليوم في إدلب وريف حلب عن سر ضراوتها، وسعي الجيش السوري بكل ما يملك من أسلحة إلى كسر تحصينات الإرهابيين ودك أوكارهم ومعاقلهم، وأولهم تكفيريو "جبهة النصرة" والحزب الإسلامي التركستاني، وصولاً إلى اجتثاث آخر بؤرهم المتبقية في إدلب والشمال السوري كله، لنكون جميعاً على يقين بأن سورية، وبعد مراوغات النظام الإخواني في تركيا، ومحاولته الواهية إيهام العالم بسعيه وراء الحل السلمي والمفاوضات، قررت نهائياً وأد مشروع أردوغان الذي أضمره وأعلنه تالياً مع اشتداد الحرب وسيطرة الجماعات المسلحة على أكثر من منطقة في الشمال تمهيداً لتحقيق مشروعه الاحتلالي.
ربما لا نحتاج إلى ثمانية عقود أخرى لنكتشف فداحة الجريمة التي يرتكبها ويمارسها، بوضاعة وعنجهية، نظام أردوغان في شمال سورية، والتي تعدّ نسخة أبشع عما جرى عام 1939 من سلب وسلخ للواء إسكندرون، الذي يُعدّ أرضاً محتلة وهو المحافظة السورية الخامسة عشرة، حيث دخلت اللواء قوات تركية حينها، وقامت بضمه وإعلانه جزءاً من الجمهورية التركية تحت اسم "هتاي"، بعد تهجير سكانه من العرب السوريين.
ما يجري اليوم، ويأتي في سلسلة الإجراءات المتواصلة منذ بدء الحرب على سورية، يشير إلى أن وقاحة أردوغان قد بلغت حداً لا يطاق، سيدفع سورية للردّ والتصعيد بشتى الوسائل على هذه الجريمة الجديدة التي بدأت بحملة تغيير ديمغرافي تمهيداً لتتريك، أو لنقل احتلال، الشمال السوري برمته. فقد حملت الأخبار أن السلطات التركية بدأت قبل أيام تجنيس عائلات قتلى ما يُسمّى "الجيش الوطني" المشاركين في عملية "نبع السلام"، وطلبت مؤخراً من فصائل الأخير تزويدها بقوائم تضم أسماء قتلاهم الذين قضوا في العملية المذكورة، وذلك بهدف استكمال إجراءات منح عائلاتهم الجنسية التركية، حيث يشمل قرار التجنيس زوجة وأبناء كل (مقاتل سوري) فقد حياته في المعارك التي دارت في منطقة "نبع السلام"، وفي حال كان المقاتل غير متزوج فسوف تمنح الجنسية لوالديه، إضافة إلى إخوته غير المتزوجين، وقد تجاوز عدد أسماء العناصر القتلى الذي يشملهم قرار التجنيس والتعويضات المادية 350 اسماً. ورجّحت مصادر مطلعة أن يتم منح عوائل مقاتلي "الجيش الوطني" الذين فقدوا حياتهم امتيازات أخرى مثل: منح شقة سكنية مجانية لكل عائلة، فضلاً عن تعويضات مادية تقدّر بنحو 40 ألف ليرة تركية.
مغريات التجنيس آنفة الذكر لم تقتصر على عائلات قتلى "نبع السلام"، بل شملت وخلال ثماني سنوات – كما نعلم- الكثير من الكفاءات العلمية، ووصلت إلى تجنيس عائلات بأكملها لأهداف وأغراض سياسية قادمة.
وفي أنباء موازية كشفت مصادر تركية أن سلطات أردوغان بدأت عملية واسعة لتتريك الشباب والأطفال السوريين وذلك عبر إغلاق المدارس السورية التي تدرس باللغة العربية وإجبار الطلاب السوريين على الدخول إلى المدارس التركية أو اللجوء إلى مدارس خاصة باهظة الكلفة لا يستطيع السواد الأعظم من السوريين تحمّلها، مشيرة إلى أن عملية تتريك الجيل المقبل مع محاولات حثيثة لتتريك الجيل الحالي من سوريي تركيا ماضية في طريقها حتى يصبحوا في المستقبل أتراك سورية.
ما سبق يترجم تباكي وادعاءات أردوغان خلال كلمته في الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وقوله إنه: "لا نريد أن نجعل المخيمات مصيراً محتّماً للاجئين السوريين، فهناك قرابة 300 ألف من بين 3 ملايين لاجئ يعيشون في المخيمات، والباقي يسكنون في المنازل ويعتمدون على أنفسهم لتأمين احتياجاتهم، ولكي يستطيعوا توفير حاجاتهم منحنا لهم إذن العمل وبدأنا بمرحلة تجنيسهم"!!.
على أن الأخطر من تجنيس السوريين المقيمين في تركيا هو التغيير الديمغرافي الذي يدعو إليه أردوغان سراً وعلانية وتمثل بإعلانه في كانون الأول الماضي (2019) أن بلاده بدأت العمل على إسكان مليون شخص في مدينتي تل أبيض ورأس العين، وذلك في حديثه أمام وزراء الشؤون الاجتماعية بمنظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول، حيث أشار إلى أنه سيتم تقديم الدعم لإنشاء مناطق سكنية جديدة في الشمال السوري، قائلاً: "بدأنا العمل على إسكان مليون شخص في مدينتي تل أبيض ورأس العين".
كلام أردوغان جاء بعد العدوان التركي الأخير الذي استهدف تهجير المدنيين السوريين العرب والأكراد والقضم التدريجي والتطهير العرقي لمناطق الشمال لإعادة جزء كبير من عائلات الإرهابيين المقيمين في تركيا، والسعي لتغيير البنية الديمغرافية في المنطقة الحدودية الممتدة على نحو 120 كم بين مدينتي تل أبيض (شمال الرقة) ورأس العين (شمال الحسكة)، وقد حذرت دول ومنظمات دولية عدة من مخاطر هذا التغيير، غير أن أردوغان هدّد بأن بلاده سترسل اللاجئين السوريين لديها، إلى أوروبا، إذا صنفت الدول الأوروبية التوغل العسكري التركي في سورية على أنه احتلال!!.
وكانت مصادر تركية معارضة ألمحت إلى أن محافظتي حلب وإدلب، اللتين تشهدان المعارك الضارية حالياً، تتصدران أعلى معدلات التجنيس، حيث أشارت الإحصائيات إلى أن نسبة المجنسين جاءت على الشكل التالي: (من حلب وريفها 25.5 في المئة، إدلب: 23.3 في المئة، دمشق وريفها: 23.3 في المئة، اللاذقية: 12.2 في المئة). وذكّرت المصادر أنه قبيل الانتخابات التركية البرلمانية والرئاسية عام 2018، قال بن علي يلدرم في تصريح صحفي نقلته "رويترز": إن 30 ألف سوري سيدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعدما حصلوا على الجنسية التركية"، وقد يصل عددهم إلى 200 ألف سوري مجنس.
وبحسب وزارة الداخلية التركية، تعتبر ولاية "كليس" الحدودية الجنوبية، الولاية الأكثر احتضاناً للوجود السوري، إذ تصل نسبتهم إلى 91 في المئة من عدد سكان الولاية، وهي ذاتها الولاية التي أطلق فيها أردوغان العنان لقضية منح السوريين من أصحاب الكفاءات والمستثمرين الجنسية التركية بشكل استثنائي، في شهر تموز من عام 2016. ونقلت صحيفة "يني اكيت" التركية عن النائب السابق من حزب الشعب الجمهوري المعارض أوموت أوران، أن "السوريين خلال 10 سنوات سيشكلون ما نسبته 10 في المئة من السكان وهذا سيترك أثراً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً على تركيا"، حيث يتركز تجنيس السوريين في جنوب تركيا بسبب الكثافة السكانية العالية لهم في ولايات هاتاي ومرسين وغازي عنتاب وأوروفة وكهرمان ومرعش.
وبالإجابة عن أسئلة البداية وسر ضراوة المعارك في ريفي حلب وإدلب، لا بد من القول: إن المشروع الإخواني الأردوغاني الذي تلقى أكثر من ضربة ها هو يتهاوى ويبدو محاصراً في سورية، رغم جرائم القتل والتجنيس والتتريك والتغيير الديموغرافي التي ارتكبها خلال سنوات الحرب ضد الشعب السوري.