جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:
نجزم أن الأهداف التي أرادت الأمم المتحدة تحقيقها من خلال عقد مؤتمر «جنيف 2» بتأسيس أرضية لحلّ الأزمة في سورية قد بدأت مع ولادة المبادرة الروسية وقبول سورية مناقشة موضوع سلاحها الكيماوي، وتالياً الموافقة الأمريكية على دخول حقل المفاوضات الشائك، بعد تخلي حلفاء واشنطن وخاصة بريطانيا عنها، للخروج من الأزمة التي لم تكن إلا مأزقاً أمريكياً أعقب تهديدات أوباما بضربة عسكرية وتراجعه المفاجئ ودعوته للجوء إلى الكونغرس وتزايد نسبة المعارضين في الشارع الأمريكي لخطته وتوجهاته، فضلاً عن إدراكه ويقينه أن الجماعات المسلحة في سورية كانت قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة أو الانهيار الكامل!.
ولئن أجمع الكثير من المحلّلين السياسيين والإستراتيجيين على أن المنطقة برمتها كانت تنتظر بفارغ الصبر عقد «جنيف 2» إلا أن المعطيات تشير بما لا يقبل الشك إلى أن هذا المؤتمر بحكم المنعقد حالياً، وقد أنجز أولى خطواته عبر الاتفاق الذي توصّل إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري ويقضي باستبعاد التدخل العسكري وضرورة حل الأزمة سياسياً.
في ظل ما سبق يمكن التساؤل أين «المعارضة السورية» وما هو دورها الآن، وهل ستكون قادرة في هذه المرحلة المصيرية على خلق كيان موحّد يستطيع التفاوض، ونحن نعلم أنها ليست سوى أشتات من «المعارضات» المرتبطة بالخارج والتي لا أهداف لها سوى تنفيذ أجندات استخبارية إقليمية تركية وإسرائيلية وسعودية وقطرية، ودولية أمريكية وفرنسية وبريطانية؟!.
في استعراض تاريخي لتحولات الأحداث يمكن القول إنه وبدءاً من عام 2010 دخلت المنطقة المرحلة الأخيرة من إعادة تشكيل ما سمّاه الغرب «الشرق الأوسط الجديد» من خلال مشروع «الربيع العربي» الذي يعتمد على نشر الفوضى واختلاق أزمات وفتن واقتتالات تغيب معها الحلول السياسية وتتقدّم لغة الدم والقتل والإرهاب على لغة العقل والمصلحة الوطنية، وذلك لإضعاف الدول المستهدفة، وفتح الطريق أمام الغرب للتدخل تحت ادعاءات وعناوين تخفي وراءها أهداف الهيمنة، «كالتدخل الإنساني أو مناصرة حرية الشعوب أو إيجاد حلول للأزمات السياسية المستعصية» إلى آخره من حوامل المخططات الصهيونية التي تشكل المنطلق الأساسي لاستتباع المنطقة وتقسيمها إلى مناطق نفوذ جديدة.
إن المخطّط الذي استند إليه مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وهو صورة أخرى لما طرحه شيمون بيريز سابقاً، هو أن يذوب الشرق الأوسط في الفلك الصهيوني- الوهابي الذي يجعل من «إسرائيل» القطب الأوحد والأقوى في المنطقة.. ولكن الصمود السوري الذي فاجأ المخطّطين وشلّ عقولهم ونسف آمالهم في استنباط آليات جديدة لقهر إرادة السوريين، لم يكن في الحسبان، ما دفع بأطراف المشروع لتغيير تكتيكاتهم عدة مرات وتغيير عناوين حملاتهم من حرية وديمقراطية إلى أمن «إسرائيل»، ولكن عبثاً يحاولون فسورية مازالت صامدة بقوة شعبها وعقيدة جيشها ومتانة تحالفاتها.
وعلى الرغم من عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على خوض حرب جديدة لا تضمن أبعادها الجغرافية ولا نتائجها السياسية، إلا أنها كادت أن تقوم بعدوان عسكري على سورية، حيث شهدنا التصعيد الأمريكي الأخير الذي يعدّ بمثابة محاولة مستميتة ويائسة لهزم الشعب السوري نفسياً، ولاختبار صلابة موقف حلفاء سورية، ما دفع بأوباما إلى خيار التفاوض مع الروس ووضع التهديد العسكري جانباً من خلال التقاطه للمبادرة الروسية التي تقضي بوضع السلاح الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية مقابل تخلي الولايات المتحدة عن قيامها بعدوان عسكري على سورية.
ندرك أن المبادرة الروسية تؤمّن حلاً سياسياً للأزمة في سورية وتمنع العدوان وهي مقدمات للاتفاق الروسي- الأمريكي على عقد مؤتمر «جنيف 2» في تشرين الأول كما أعلنت الأمم المتحدة، غير أننا ندرك أكثر أن أطراف المؤامرة قد وصلوا إلى طريق مسدود بإمكانية تحقيق الأهداف المرسومة من خلال العصابات التكفيرية والإرهاب المنظم الذي تقوده وتدعمه دول عربية وغربية، لذلك رحب الكثيرون منهم بهذه المبادرة التي شكلت لهم طوق نجاة في لحظات الغرق الأخيرة.
المبادرة ببنودها المعلنة وغير المعلنة ما زالت بين أخذ ورد دوليين، حيث تسعى أمريكا ومن خلفها حلفائها إلى الذهاب إلى «جنيف 2» بشروطها على غرار ما فعلت في مؤتمر «يالطا» الذي أعقب الحرب العالمية الثانية عبر اللجوء إلى تقسيم مناطق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط ولاسيما الخليج العربي وضمان أمن «إسرائيل»، فيما تسعى روسيا إلى نزع فتيل الصراع الذي يمكن أن يؤدي بالمنطقة إلى الانفجار والانتشار السرطاني للمجموعات الإرهابية المتطرفة التي أنشأتها الولايات المتحدة وبعض حلفائها في المنطقة، وكان المثال الأوضح فيها الجماعات المسلحة في سورية المتناقضة الأهداف والرؤى والتي انقسمت بين فارين من الجيش ومجرمين وسجناء سابقين ومرتزقة عرب وأجانب لا يوحّدهم سوى تدمير سورية وتحقيق أهداف من يدعمهم ويقف وراءهم، وأولها تحييد سورية كحامل لمحور المقاومة في المنطقة وحرف البوصلة من اعتبار «إسرائيل» هي العدو للعرب باتجاه إيران تحت ذرائع بات يعرف الجميع أنها ليست إلا أفكار ورؤى منظّر «الربيع العربي» المفكر الصهيوني برنارد هنري ليفي!!.
وعلى هذا فإن «المعارضة السورية» التي رفضت المبادرة الروسية تؤكد أنها لا تملك قرار الموافقة أو القبول على ما يمكن أن يخفّف من معاناة الشعب السوري من ويلات هذه الحرب التي كانوا دائماً يدعون إلى تسعيرها أكثر عبر طلب التدخل الخارجي، فهل بإمكان الأمريكيين أن يقولوا لنا أي فريق من أشتات هذه «المعارضة» يمكن أن يفاوض على حل الأزمة في سورية؟!.
نحن نعلم وقبل الإجابة عن هذا السؤال أن الغرب استجلب عملاء سابقين وحاليين وبعض المرتزقة وعبدة السلطة والمال ومعهم تكفيريو «جبهة النصرة» ومشتقات تنظيم «القاعدة» الإرهابي، وسمّاهم زوراً وتزييفاً «معارضة»، ليلعبوا دور الدمية وحصان طروادة لتمرير أهداف العدوان سياسياً وتسويقه إعلامياً وتصويره للرأي العام العالمي أنه مطالب للسوريين.
ففي زمن قيادة آل ثاني لـ«المعارضة» كانت بنيتها الأساسية إسلاميين متطرفين، وفي مرحلة آل سعود جرى تطعيمها بأشخاص ليبراليين وعلمانيين، غير أن ما اتضح تالياً أن كليهما كان يتحرك ضمن أجندة صارمة وضعتها المخابرات الأمريكية، ولم يكن دور السعودية وقطر وتركيا إلا مدّ هذه المعارضة بالأموال والأسلحة بأنواعها المختلفة.
ونتذكّر أيضاً من خلال استعادة الأحداث أن المجموعات «الإسلامية» المتطرفة أعلنت غير مرة ولاءها المطلق لتنظيم «القاعدة» وزعيمه أيمن الظواهري، وأفصحت عن أهدافها التي تلطّت خلفها طويلاً كتائب ما يسمّى «الجيش الحر» و«أحرار الشام» و«عاصفة الشمال» وسواها، وتتمثل بتقسيم سورية إلى إمارات إسلامية وكيانات مذهبية لا مكان فيها للطوائف الأخرى.
أما ما حاولت واشنطن وحلفاؤها تسويقه على أن الوجه السياسي للمعارضة، فقد كان سباقاً للارتماء في أحضان أمريكا والصهاينة، وقد بلغت عمالة «المعارضة الخارجية» مبلغاً كبيراً، حيث شارك بعضهم في مؤتمرات عدة دعا إليها الصهاينة، بل ذهب بعضهم إلى استجداء «إسرائيل» لتدمير المنشآت والبنى العسكرية للجيش السوري، واليوم يدعو «ائتلاف الدوحة» إلى تضييق الخناق على سورية، عبر توسيع فرض حظر الأسلحة الكيماوية ليشمل القوة الجوية والأسلحة البالستية، والهدف هو ضرب مكامن القوة في سورية وهذا مسعى إسرائيلي بامتياز.
مخطئ من يعتقد أن العصابات التكفيرية والمجموعات الإرهابية بوجوهها المختلفة تقود وتنفذ عملياتها من وحي أفكارها وخططها الميدانية، فالمتابع البسيط لتحركهم الميداني والسياسي يدرك تماماً أنهم تحت إمرة خبراء عسكريين كبار ينفذون إستراتيجية عسكرية بالغة الدقة، تمهيداً لدخول الولايات المتحدة المباشر على خط الصراع.
وبالقدر ذاته مخطئ من يظن أن الغرب قادر على توحيد هذه «المعارضات» المتعددة الارتباطات والمرجعيات، وخاصة أن الإعلام الغربي استبق كل الدوائر السياسية حين سلّط الضوء على جرائم هذه المعارضة وأتباعها من قاطعي الرؤوس وأكلة قلوب البشر، واعترف أن المتطرفين «الجهاديين» يشكلون ثلثي الجماعات المسلحة على الأرض.
إذاً.. وبناءً على ما سبق لا بد من العودة إلى التساؤل: هل مثل هذه المعارضات التي لا تملك قاعدة شعبية في سورية يمكن أن تكون طرفاً مفاوضاً؟، وهل يملك رواد الفنادق في اسطنبول والدوحة وباريس قراراً للتأثير على الجماعات المسلحة لتوقف إرهابها ضد الشعب السوري؟.. والأهم من كل هذا وذاك هل تملك «المعارضة» قرار الذهاب إلى جنيف قبولاً أو رفضاً؟!.
20:16
23:46
06:21
13:27
15:39
15:59