جهينة- وائل حفيان:
من الصحفيين الخليجيين الذين وقفوا مع سورية في محنتها منذ بداية الحرب عليها، فالقومية العربية في عروقه وفلسطين في ذاكرته، ودائماً كان ينطقُ كلمةَ الحق في زمن أُجبر الكثيرون على تناسي عروبتهم وغضّ أبصارهم عن الحقيقة الممزوجة بالدماء، تحمّل الكثير من الإهانات والاتهامات بسبب وقوفه مع سورية ووحدتها واستقرارها ومع ياسمينها وشوارعها القديمة، ألّفَ كتابين لسورية وصف فيهما الحرب عليها، مبيّناً أن «سورية الرقم الصعب»، «وانتصرت سورية الأسد».. هو الكاتب والصحفي الكويتي فخري هاشم السيد رجب الذي كان لـ»جهينة» هذا الحوار الخاص معه:
سورية صّمام أمان
منذ بداية الحرب على سورية وهو يقف قلباً وقالباً معها، مع وحدتها واستقرارها، مع شجرها وهوائها وحاراتها القديمة وتاريخها العريق الغني بالثقافة والعلم، يقول السيد رجب: كتبتُ ما يزيد على 180 مقالة عن سورية نُشرت في الصحف السورية، وصحيفة (القبس) الكويتية التي انطلقتُ منها وموقع سورية الآن، مؤكداً أن سورية مرّت بأشرس عدوان وتآمر عليها بالغدر والخيانة ما أدى إلى القتل والترهيب، وتمّ باسم «الديمقراطية» تشريد شعب يحبُ وطنه وصمّام أمان للأمة العربية.
الشعب السوري جبّار
كان من الصحفيين الخليجيين القلائل الذين وقفوا واقتنعوا بصحة الموقف السوري، وانغمس بالهمّ السوري وتأثر بما يحصل في سورية، لأنه يشعر دائماً وهو في سورية بأنه في بلده الكويت، نظراً للمعاملة التي يلقاها من السوريين ومن سورية التي كانت من أكثر الدول أماناً، مبيناً أنه من أكثر الكتّاب في الخليج كتابةً عن الأزمة السورية التي بدأت منذ آذار 2011 حتى هذا التاريخ، وأن سورية عظيمةٌ وستظل عصيّةً، وهو يشعرُ بالسعادة حين يشاهد المقاهي المملوءة بروادها والأسواق تعجّ بالناس والجهات الحكومية تغصّ بالمراجعين، فالسوري جبّار لأنه مقاومٌ متمسكٌ بالأمل على الرغم من كل ما حصل ويحصل.
الشارع الكويتي مغيّب
عن نظرة الشارع الكويتي لما يحصل في سورية قال السيد رجب: الشارع الكويتي مغيّب تماماً عمّا يحصل في سورية لعدم متابعته القنوات السورية التي يتابع بدلاً منها القنوات المضللة كـ«الجزيرة» و«العربية» التي تعملُ تبعاً لسياسة أمريكا وبعض الدول المعادية لسورية، ولكن في الآونة الأخيرة بدأ الكويتيون يعلمون أن هناك مؤامرةً كبيرةً على سورية بعد اكتشافهم أن ما يحصل في سورية سيمسّ بلدهم، مشيراً إلى أن السبب الأبرز المؤثر في رأي الشارع الكويتي هو بعض (مشايخ الدّين) الذين يوصلون أفكاراً خاطئة للناس من خلال جذب الشباب وتعليمهم أموراً خاطئةً.
أما بالنسبة للإعلاميين الخليجيين فقد قال السيد رجب: إن معظم الصحفيين انجروا وراء سياسة دولهم ولا يستطيعون كتابة أي شيء مغاير لسياسة الدولة، وهذا الأمر جعل الشارع الكويتي مغيّب عما يجري في سورية، ما جعلني أكتب في صحيفة (القبس) الكويتية، ولهذا الأمر صدَرَ أمر بإيقافي عن الكتابة فيها بعد كتابتي ما يزيد على 50 مقالة عن سورية منذ بداية الأزمة فيها.
«إسرائيل» رأس الحربة
برأي السيد رجب فإن ما حصل في سورية لم يحصل على مرّ التاريخ والمشكلة ليست مشكلة سورية، بل هي اكتشاف حقل غاز كبير ولتمرير الغاز إلى «إسرائيل» عبر الأراضي السورية، مبيناً أن الموقف الكويتي ضد ما يحصل للجمهورية العربية السورية، وهو يدركُ تماماً المخاطر والعواقب الوخيمة من تبعات الأزمة، مشيراً إلى أن الشعب الكويتي لا ينسى موقف القائد الخالد حافظ الأسد المشرّف تجاه الكويت ومشاركته في الحرب لتطهير الأراضي الكويتية، غير أن هناك متشددين لهم أجندات تخريبية وعدوانية انكشفت والحمد لله، وأن الموقف الحكومي تغيّر تجاههم الآن تماماً، وثُبتَ له أن هؤلاء ليسوا إلا منافقين يستخدمون الشعارات الدينية لأغراضهم العدائية.
وقال السيد رجب: قبل أن أكون الصحفي فخري هاشم السيد رجب أنا إنسان لم يتأثر يوماً بكل ما حدثَ من تلوث نثرته علينا العولمة القذرة التي اختارتنا لتسخيرنا كطعم لينتعشَ الغربُ والعدو بنا، مبيناً أنه شخص يعرفُ ذاته ويعتزُ بعروبته، لا يهزّ كيانه إلا ما يراه حارقاً للإنسانية وموجَّهاً لتدمير ما تبقى من قيمٍ يعتزُ بها كل شخص صادق متفق مع نفسه ووجدانه ويفخرُ بانتمائه العربي.
جيشٌ عقائدي
عن الجيش العربي السوري وما قدّمه بيّن السيد رجب أن الشهداء صاروا أعلى من كل توصيف، فالجيش العربي السوري جيشٌ أسطوري وعقائدي بامتياز لا يهابُ الموت وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني، واستطاع حماية سورية ووقف بوجه أعتى جيوش العالم من أكثر من ثمانين دولة وتمكّن من الانتصار عليها.
تشويهٌ للحقائق
بالنسبة لتعاطي الإعلام الخليجي مع الحرب على سورية قال السيد رجب: عندما بدأت المؤامرة على سورية بدأت إعلامياً وخُطّط لها بذكاءٍ عالٍ، لهذا الأمر فقد كرّست المحطات المعروفة بانتمائها الغربي والموضوعة في أي لحظة لخدمة الكيان الصهيوني ذلك عبرَ خطوط مدروسة ووفق منهاج دقيق، ولا يخفى على أحد ما فعلته محطتا «الجزيرة» و«العربية»، فالشعب العربي برمته يتابع نشرات الأخبار والبرامج السياسية لتلك المحطات، حيث شكلت جبهةً لتبثَ الموقف العدائي لسورية، فعملتْ على تشويه الحقائق أولاً، ثم تبيّن في وقت لاحق أنها من قلب المخطط، بل كانت أحياناً تعطي إيعازات معينة لتحركات المسلحين (الإرهابيين) أو من تسميهم (الثوار)، مضيفاً: لقد تأثّر المواطن العربي بذلك كثيراً والمواطن الخليجي ما هو إلا جزء من هذه الأمة لذلك تأثّر كغيره، كما لا يمكن أن ننسى مدى انتشار محطة «الجزيرة» أثناء غزو صدام حسين للكويت وضرب العراق عام 2003، كل ذلك ترك تأثيرات كبيرةً في آراء الناس ممن تمّ غسل أدمغتهم.
قلمي سوريٌ
عن المعوّقات التي واجهته خلال هذه الفترة قال رجب: في الواقع سخّرت قلمي ووجداني وبشكل تلقائي لأنني أعرف سورية جيداً ولم أكن أبحث عن
تسهيلات من أي نوع كان، إنما تعرضت لتعليقات قاسية وتوصيفات عجيبة، غير أنني منسجمٌ مع ذاتي بشكل يعرفه كل من يعرفني عن قرب، ولم أكن أبالي بما يقال، بل كل ما أعرفه أنني عقدتُ العزم على أن يكون قلمي سورياً بشكل كامل، فجرْحُ السوريين جرحي ووجعهم وجعي، وعلى العموم لستُّ من الأشخاص الذين يسعدون بتوصيف أنفسهم ولا ممن يفاخرون بما قدّموا أو صنعوا، وأن ما حدث هو موقفي الناتج عن قناعتي ووجهة نظري الثابتة والتي تأكدت مصداقيتها خلال السنوات السبع التي خلَتْ، مضيفاً: إن كل ذلك نابعٌ من إحساسي العميق بمسؤوليتي تجاه أبناء بلدي الثاني في وقت صارت فيه العروبة شتيمةً وتهمةً.
وبيّن السيد رجب أن زياراته المتكررة إلى دمشق بشكل شهري، ليس لأنه يحبُّ سورية فقط، وإنما نتيجة إحساسه بأنّ من واجبه أن يأتي ليطمئن على أطفالها وأهلها وعلى شوارعها وياسمينها، مشيراً إلى أن الموضوع بالنسبة له موضوع عشق لسورية وقائدها السيد الرئيس بشار الأسد الذي أكملَ مسيرة البطل الخالد حافظ الأسد رحمه الله صاحب الأيادي البيضاء مع كل العرب وخاصة مع الكويت.
مؤلفات واقعيةٌ
«سورية الرقم الصعب»، عنوان كتابه الأول، الذي جاء لأن سورية أثبتت حقاً أنها الرقم الصعب خلال سنوات الحرب ضدها من قبل 80 دولة، لافتاً إلى أنه وعلى الرغم من المآسي والأحزان فإنّ الشعب السوري أثبتَ أنه شعبٌ جبّارٌ. أما بالنسبة لكتابه الأخير «وانتصرت سورية الأسد» فقال: هو مجموعة مقالات صحفية واكبتْ الأحداث بشكل مستمر، ويعدّ وثيقةً لما كان يحصل في الداخل السوري وكل ردود الفعل من المجتمع الدولي الذي كان يتفاعل مع الأحداث من جهة ويفتعلها من جهة أخرى، إنما الشيء الأكيدُ والذي كنتُ أراه من بعيد هو النصر بقيادة الرئيس الأسد، موضحاً أن هذا النصر أمميٌ لأن قوى الشر اجتمعت قاطبةً في سورية، وبالتالي فإن ما حصل يعني ويمسّ ضمير كل شخص حرّ يرفض إذلال الآخرين ويناهض كل قوى الشر.
وأضاف السيد رجب: كما كنتُ في صفّ السوريين طوال سنوات الحرب، سأظلّ معهم وهم يرفعون راية الخلاص بوجه الإرهاب الممنهج، إذ إن انتصار سورية الكوني على المؤامرة هو انتصارٌ لكل العرب ولاسيما بلدي الكويت.
كلمة أخيرة..
من كل قلبي الحزين على سورية أمنيتي بأن تهدأ فيها الأوضاع وتنتهي الحرب عليها ويسودَ الأمان والاستقرار كما كان قبل آذار 2011، لأن سورية نبضُ القلب هذا بالنسبة لي، وهي الرقم الصعب في كل صراع، أما (اليوم) فهي النصر العجيب.. لقد قلتُ في إحدى مقالاتي: إن ما يحصل ما هو إلا إعدامٌ بطيء للعرب والإسلام لتبقى «إسرائيل» في أعلى الهرم وهي تضربنا بالسوط.
المصدر : مجلة جهينة
http://jouhina.com/magazine/article.php?id=4162