جهينة نيوز-خاص
حين احتدم الجدل العالمي ذات يوم حول موضوع الإرهاب، وبعد أن فعل هذا الإرهاب فعله الشنيع في كل مكانٍ من العالم، وخاصةً في منطقتنا، طالبت سورية بعقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب أولاً ليتمكن العالم من صياغة إجراءاتٍ ناجعة للقضاء عليه...وبما أن الفساد والإرهاب يشتركان في عدة جوانب، فهل بتنا في سورية بحاجة إلى مؤتمر محلّي لتعريف الفساد للتمكُّن من محاربته والقضاء عليه؟!
وقد يخطر في بال القارئ أن الفساد هو صفة تلتصق بالمسؤولين الحكوميين فحسب، إلا أن أصنافاً عديدةً منه تستمد ألوانها من المتلونين من البشر وعلى اختلاف مآتيهم ومشاربهم ومجالات عملهم، وهم مع "أخوانهم" من بعض المسؤولين يشكلون كرة الثلج الضخمة التي تهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بتدحرجاتها الخطيرة، ولعل أوسع وسائل التواصل الاجتماعي انتشاراً –أي الفيسبوك- يشهد على ذلك حين انزلقت هذه الوسيلة من كونها مردداً لصدى صوت المواطن المسكين، لتصبح منبراً للاقتصاص وتدبير المكائد في صراع الضباع، فأين هو القانون ليضع حدّاً لمثل هذا الفلتان، حيث من المعروف أن المواطن العادي لا يستخدم لغة الالغاء أو التشهير لأنه يحسب حساباً للقانون ولأخلاقيات التعامل من خلال وسائل التواصل، لذا فمن هم أولئك الذين يقودون حملات التشهير الفيسبوكي التي يلتحف فيها الباطل أردية الحق بأشكال مزيفة تتماوج فيها ألوان الأذى والمكائد المبيّتة؟!...هل هو المواطن البريء أم أنها شبكات الفساد الكبرى المتصارعة على مقدّرات الوطن؟!
أين مصلحة الوطن مما يجري عبر هذا الغزو الأثيري ؟ أين الأجهزة المعنية ممّن جعل الفيسبوك أحد أسلحته و أوراق ضغطه في وجه الشريف وصاحب الضمير من الادارات الرقابية؟ أين قوة القانون في وجه من بات يُخضِع هذه الوسيلة الاجتماعية لصالحه الخاص في إطار منافسةٍ غير شريفةٍ ضد خصومه، ولتمرير فساده والتغطية عليه؟!
ومع اعلان رئيس الحكومة قراره التاريخي في محاربة الفساد، فإننا في إدارة جهينة نعلن انضمامنا لتلك الحملة انطلاقاً من واجبنا الوطني، ولكشف كل مكامن الفساد والتصدّي لها في قطاعات البلاد كافة، فها هي أشهرٌ قليلة ونكمل السنة الثامنة من أزمتنا الخانقة كمواطنين من مختلف الدرجات... أما فئة بعض المسؤولين وغير المسؤولين من المتنفذّين –ومن مختلف الدرجات- فيبدو أنها لا تتأثر بما نتأثر به ويؤثّر بنا، فـ "الكليشات" جاهزة للتعبير عما حدث وما يحدث وما سيحدث، والأوامر الإدارية على خير ما يرام، مدعومة بقرارات لا جهد فيها سوى وضع أرقام وتواريخ لها ودكّها في حقائب المراسلين إلى كل حدب وصوب، ليتلقّاها أصحاب "العلاقة" بلياقة ولباقة اضطرارية قسرية تثبت إدراك هؤلاء المساكين لـ"أبعاد المرحلة".. وبينما يتوفر لقاحٌ ضد "الشلل"، فمتى يتوفر لقاحٌ ضد "الخلل" من كل أمر محلّيٍّ جلل؟!
جلّ من لا يخطئ
يخطئ المسؤول أحياناً أخطاء لا تغتفر، حجمها يفوق حجمه الإداري، ومع ذلك فهو لا يعترف بالخطأ مهما بلغت "التضحيات" بالمصلحة العامة، لأنه إذا اعترف بأخطائه يعتقد أن كل مبررات بقائه مسؤولاً تنتهي عند من زكّاه وحضن أفكاره التطويرية، لذا وفي هذه الحالة نجد سلسلة من الأخطاء المستفحلة المتراكمة تطوّق المصلحة العامة وتلتف على رقبة المطالبين بالاعتراف بالأخطاء وإصلاحها –ولو فيسبوكياً- ليعاني أولئك من مغبّة حديثهم عن الأخطاء، ولتصبح بذلك المصلحة العامة مصلحة هامة لأشخاص محددين يضعون أنفسهم في إطار من لا يخطئ!...ولكن جلّ من لا يخطئ.
الفيسبوك بين "البوستات" الرحيمة واللئيمة
وفي زمن "الوتوتة" و"النمنمة" و"الثرثرة"، وفي خضمّ عمليات "الطبطبة" على أكتاف البعض، وما يتلوها من صنوف "اللملمة" للمواضيع، و"اللفلفة" للملفات، تكثر "التمتمة" و"الولولة" لتجاوز هذه "المعمعة"، لكنها غالباً ما تُواجَه بـ"القهقهة" ثم "النحنحة" و"التأتأة" بالوعود...أما "الهمهمة" بإيجاد حلول عملية، فتغلبها عمليات "الطنطنة" و"البقبقة"... وما على المتتبع للأخبار سوى اتباع أسلوب "اللصلصة" لاصطياد خبر يبشّر بـ "الحلحلة".
يقول المثل الشعبي العربي "من كان الديك دليله، كان القن مأواه"! وعلى ما يبدو فلم نعد نملك في دولة المؤسسات سوى أثيرٍ فيسبوكي متاح للجميع، بات وكأنه الناطق باسم كل قضايا الدولة والمواطنين، وكأنه لا وجود لوزارة إعلام أو هيئة رقابة وتفتيش أو حتى صناديق شكاوى في الادارات رغم خيوط العناكب على فتحاتها!
ادعاءاتٌ فيسبوكية رسمية وغير رسمية أحياناً تحمل خاتم الدولة، وقراراتٌ تغافل في الكثير من الأحيان الجهات التي يجب أن تصدرها، وإشاعات ضد أشخاص اعتباريين أو معتَبرين، أما مصادرها فلا شك متنوعة، منها المعروف ومنها المجهول...ويتولى الكثير منها مهاماً غير قانونية...مرةً يصيبون ومراتٍ يخيبون، والقاسم المشترك هو أنه لا ضابط لهم...يشن بعضهم حرباً أثيريةً لا هوادة فيها على بعض قضايا الفساد، وإن كنا نعترف بأحقية بعض ما يقولون، إلا أن الكثير مما يذكرون يغرق في مستنقع الشخصنة والقرصنة للوقائع ونبش الخصوصية وما يرتبط بها من جرائم القدح والذم، والتشهير وهدر الدم، وإضعاف الشعور الوطني وتخوين الذمم... الأمر الذي يؤشر إلى توظيف الفيسبوك واستثماره لصالح بعض الفاسدين، لذا لا بد من تنظيم حملات محاربة الفساد، على أن تكون تحت إشراف جهة عليا في الدولة تمنح وسائل الاعلام الحكومية والخاصة الضوء الأخضر الكامل لخوض معركة القضاء على الفساد، وذلك بموجب تعليمات معينة ومعايير قانونية تكفل معالجة القضايا في إطارٍ قانوني، ولا بأس من الترخيص لمن يتقن لغة القانون من مستخدمي الفيسبوك، الاسهام في تلك المعركة وفق الضوابط التي تحكم عمل الاعلاميين.
إضاءات
رحم الله "أبا طيّبنا المتنبّي" الذي اختار وجهته في الحياة –دون وجهته في الممات- معترضاً على الخطأ ومنتقداً إياه إلى أن أضحى حكيم زمانه، وقد بلغت شهرته في عصره -وما بعد بعد عصره- مبلغاً كبيراً، ففاقت شهرة "جان جاك روسو" و"ويليام شكسبير" في عصريهما الحديثين ليستحق "متنبّينا" العربي السوري بجدارة العبارة الإنكليزية famous in his time أي شهير زمانه، فماذا عن شهير زمانه –وحتى مكانه- من بعض مسؤولينا الخالدين المخلّدين في مناصبهم -وما بعد بعد مناصبهم- التي لا يزول تأثيرها ولو زال حبر التواقيع على قرارات عزلهم؟!
ماذا عن مسـؤول يُـعـزَل -ثم يبقى أو يرحل- ويستمر نهجه الخاطئ كمنطلقات نظرية وعملية لعمل خلفائه؟
ماذا عن بعض هؤلاء وأشباههم ممّن امتصوا دماء المصلحة العامة كما تمتص بعوضة شرهة دم ضحاياها المساكين دون رادع أو مانع أو وازع من ضمير؟...وفوق كل ذلك تُنهي بعض القرارات وجود هؤلاء لكنها لا تنهي تواجدهم، الأمر الذي يشبه الجسد المغادر للمكان بينما تبقى الروح تطوف حوله!...وما أكثر طواف الأرواح في بعض وزاراتنا وبعض مديرياتها، لدرجة أنه يخيَّل للبعض أن أرواحاً لمغادرين استلبست أجساداً لموجودين فسيطرت على قراراتهم وطرق تعاملهم، بل استولت على تفكيرهم فجعلته محدوداً بحدود المحظور والمستور وغير المسموح وغير المألوف وغير المغطى وغير المكشوف!!!
ونحن في هذه السطور نود القول إنه من غير المعقول أن ينظرَ الأعمى إلى أدب المتنبّي، وتُسمِعَ كلماتُه من به صمم، بينما لا ينظرُ أحدٌ إلى نُدرة أدب البعض في المجالين الحكومي والاجتماعي، ولا تُسمَعُ أنباء معاصيهم الكبرى من قبل مَنْ حاسّـةُ سمعهم أقوى من "حسّاسات" هاتف ذكي، لو امتلك مثله المتنبّي لعرفنا وجهة الدابّة التي نقلت جثمانه إلى مكان مجهول، ولأقمنا له صلاة الميت، الحي في قلوبنا وضمائرنا!...أليس هو من قال "من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام"...وبيت القصيد هنا أن ما زرعه بعض مسؤولي الحكومة ووجوه المجتمع والاقتصاد في جسد البلد زعزع بعض قدرتها على التوازن، وأفقدها جزئياً إمكانية التماس طريق النجاة من جرائم الفساد واستغلال المكان والمكانة ضد الوطن والمواطنين.
22:01
00:15
18:24
18:29
18:34
18:39
18:41
23:49
10:41
08:17
16:38
07:05
07:25
08:52
23:46
08:20
22:38
01:31
01:44
02:00
02:34
17:23
22:53
23:02
20:50
21:10
21:26
12:40
00:01
00:08
13:39
14:02
08:47
17:29
09:32
15:40