خاص جهينة نيوز: كفاح نصر
غريبة هي علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالإتحاد الآوروبي و التي لا يمكن وصفها سوى بعلاقة زواج على الطريقة الوهابية حيث تمثل الادارة الامريكية الزوج فيما فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و إيطاليا هن الزوجات اللواتي يخضن معارك زوجهن ثم يتعرضن للضرب في المنزل و يغسلن الأطباخ و ملابس المعركة بينما باقي الدول الآوروبية بمثابة الأولاد الذين يدفعون الثمن و يتعرضون للضرب من الأم و الأب, فالعدوان على العراق كان أول عدوان على المصالح الآوروبية و كذلك العقوبات على إيران و روسيا ولاحقاً العدوان و العقوبات على ليبيا و سورية, و مرورا بتثبيت سعر صرف الدولار في الدول الغنية الموالية للامريكي و بشكل خاص دول النفط الخليجية حيث أسعار المنتجات الآوروبية تصل الى ضعف مثيلتها الامريكية , و وصولاً الى إلغاء الإتفاق النووي مع إيران الذي إستهدف آوروبا بشكل خاص و لاحقاً الخروج من اتفاق باريس للمناخ الذي يعطي الشركات الأمريكية أفضلية على منافساتها الآوروبية و يضاف إليه تحميل آوروبا فاتورة الإتفاق المناخي, جاء الآن الخروج الأمريكي من اتفاقية الصواريخ قصيرة و متوسطة المدى هذه الاتفاقية التي وصفها وزير الخارجية الألماني بأنها مظلة أمن آوروبا و مع ذلك الموقف كان الآوروبي مبهم.
اتفاقية الصواريخ قصيرة و متوسطة المدى:-
توقيع غورباتشوف للإتفاقية بحد ذاته كان تنازل سوفيتي كبير جداً للامريكيين حيث أنهى هذا الاتفاق في الجانب الأول شبح نصب الصواريخ النووية الروسية في كوبا و لم يقتصر الأمر على هذا الجانب بل تخلى الاتحاد السوفيتي عن قوة ضاربة لم تشملها الاتفاقية و هي صواريخ او تي ار 23 أوكا و المعروفة بإسم (اس اس-23) فيما ارتاح الآوروبيين بسبب هذا الإتفاق من رعب صواريخ ار اس دي-10 بايونير المعروفة بإسم (اس اس-20) و في الإجمالي تخلى السوفييت عن ضعف الصواريخ التي تخلى عنها الأمريكي و لكن سرعان ما قال الأمريكي أن الاتفاق يشمل صواريخ ارض –ارض و لا يشمل صواريخ بحر أرض و جو-ارض و أنتج الأمريكي صاحب أقوى قوة بحرية و جوية في العالم صواريخ توماهوك ولاحقاً الطائرات المسيرة التي تعتبر خرقاً للإتفاق و تحول الاتفاق الى خدعة كبرى وقع فيها السوفييت, حيث أن الامريكي أصلاً لم يكن بحاجة حوامل أرضية متوسطة المدى لأن عماد قواته هي البحرية و الجوية أي أن الإتفاق كان على قياس المصالح الأمريكية بالمقاس الملائم جداً.
توسع الناتو و الاسلحة الحديثة:-
من المؤكد أن الخروج من إتفاقية الصواريخ متوسطة المدى اليوم يجري على واقع جيوسياسي جديد حيث أن الناتو أصبح على حدود روسيا على عكس الوضع السابق داخل آوروبا حين كان السوفييت على أعتاب الغرب و لكن كذلك روسيا لازالت على الحدود الأمريكية من خلال أصدقائها في كوبا و فينزويلا و في أعماق البحار فضلاً عن الأسلحة المستحدثة مثل صاروخ سارامات و أفانغارد و بوسيدون و ... غيرها التي تجعل واشنطن هدف سهل للروس و ذلك بحسب خبراء أمريكيين.
هل يوجد حاجة أمريكية للصواريخ المتوسطة المدى ارض- ارض..؟
في أي حديث عن سباق التسلح القائم( أمريكي-روسي) يدفع البعض لأن يعتقد أن الصواريخ متوسطة المدى و قصيرة المدى أصبحت حاجة أمريكية في حال أرادت الاستمرار بسياسة القطب الواحد و ذلك بعد أن تحولت أساطيلها الى أهداف سهلة لصاروخ كينجال و بوسيدون بي-800 و ظهور الاسلحة الروسية الحديثة التي تطال الاراضي الأمريكية و تفوق الدفاعات الجوية الروسية لكن هذا يعتبر وهم لأنها لن تعدل من توازن القوى القائم و لن تحولها الى قوى وحيدة كما تحلم و لن تغير من الواقع العسكري القائم سوى أنها ستحول آوروبا الى ساحة معركة لان الحاجة العسكرية الامريكية هي تطوير ما تملك من صواريخ بحر-ارض و جو-ارض متوسطة المدى ,و ليس نقله من الجو الى الارض او من البحر الى الارض على مرمى من صواريخ إسكندر الذي جاء بديلاً لخطيئة غورباتشوف بحق صواريخ اوكا, و عليه يمكن الجزم بأن واشنطن و رغم الواقع الجديد ليست بحاجة الى صواريخ متوسطة المدى ارض-ارض بل تحتاج الى تطوير ما تملك (و ثبت فشله خلال العدوان الثلاثي على سورية) لإن إستهداف منصة أرضية أسهل من إستهداف غواصة نووية على سبيل المثال.
ماذا يعني إلغاء اتفاقية الصواريخ متوسطة و قصيرة المدى:-
بعد أن نكث الأمريكي بإتفاقية الحوامل المتوسطة و القصيرة بصواريخ توماهوك و وظهور صواريخ متوسطة المدى تطلق من الجو و من البحر لم يبقى من الاتفاق سوى صواريخ ارض-ارض و حصول واشنطن على صواريخ ارض-ارض متوسطة المدى يعني أنها ستنصبها في آوروبا و على الاراضي الآوروبية و لكن ليس لحماية آوروبا بل ربما بذريعه تعديل توازن القوى مع روسيا بعد أن تبين للأمريكي بأن درعه الصاروخي ليس سوى كتلة هائلة من الاموال الغير قادرة على حماية الولايات المتحدة و عليه يمكن الإستنتاج ظاهرياً على الأقل أن الأمريكي ربما يريد أن يحمي الأمن الأمريكي على حساب أمن آوروبا علماً بأن التجربة السابقة أثبتت أن توازن القوى النووي لا يمكن كسره ولا يمكن حماية الأمن الأمريكي و دليل ذلك هو أن وصول واشنطن الى حدود روسيا و رغم بناء درع صاروخي عالمي لم تنجح في حماية الأراضي الأمريكية و الحديث عن كسر توازن القوى ليس سوى ضرب من الخيال و عليه فإن ما ستجنيه واشنطن من الخروج من اتفاق الصواريخ متوسطة المدى هو تهديد أمن آوروبا لا أكثر و لا أقل.
الموقف الآوروبي
أعلن وزير الخارجية الألماني أن الإتفاق كان مظلة أمن لآوروبا و لكن الموقف الآوروبي من تصريحات ترامب في الحقيقية يشبه موقف آوروبا قبل خروج ترامب من الاتفاق النووي مع إيران حين كانت آوروبا تشجع ترامب على الخروج من الاتفاق عبر الحديث عن الحاجة الى تعديل الاتفاق و المزيد من المفاوضات و اليوم الآوروبيين و رغم انهم المستهدفين يدعون كل من واشنطن و موسكو معاً و في خانة واحدة رغم ان ترامب هو من لوح بإسقاط الاتفاق الى التفاوض لإبقاء الإتفاق و هو دعم غير مباشر لتصريحات ترامب بشأن الخروج من الإتفاق من معاهدة الصواريخ متوسطة و قصيرة المدى أو التفاوض لتعديله.
الرد الروسي المتوقع
روسيا أمام خيارين إما أن ترامب يلوح بالإنسحاب من الاتفاق للتفاوض على ذات الاتفاق و لكن أي مفاوضات لتعديل الإتفاق ستطرح موسكو مسألة الطائرات المسيرة التي تعتبر صواريخ قصيرة و متوسطة المدى و سيكون الأمريكي هو الخاسر أو في حال سقط الإتفاق ستكون الخيارات الروسية على تصريحات ترامب واسعه في حال ذهبت الإمور الى التصعيد و مثال ذلك لربما بوتين يخطو على خطا إيران و يترك ترامب يخرج وحيداً من الاتفاق و بالمقابل تخرج روسيا من اتفاقية الدفاع الصاروخي..؟ ألن يشكل ذلك كارثة على الغرب مثل كارثة الأسلحة الحديثة و بالتالي الخطوة الأمريكية في حال التصعيد يمكن وصفها بالغير موفقة و خصوصاً أن الهدف الحقيقي للخطوة الأمريكية ليس الحاجة العسكرية لصواريخ متوسطة المدى بل هو محاولة تفاوض بورقة التهديد بـ جر العالم من سباق تسلح قائم حالياً بين أقطاب العالم الى حرب باردة جديدة, لأن أي تفاوض على تعديل الاتفاق لن يكون في مصلحة الأمريكي و الخروج الأمريكي من الاتفاق لن يخدم واشنطن و لن يغير من موازين القوى, و عليه يمكن الجزم أن ما يحدث تكرار للخروج من الاتفاق النووي مع إيران أي العنوان هو الصواريخ متوسطة المدى و لكن الجوهر هو ملفات أخرى لا علاقة لها بالموضوع.
ماذا يريد ترامب..؟
غالبية الدول المناهضة للسياسة الأمريكية تعتمد في جوهر سلاحها على القوى الصاروخية لعدم وجود إمكانات مادية لتطوير قوى جوية و بشكل خاص كوريا الديمقراطية و سورية و إيران و حتى حزب الله و المقاومة الفلسطينية و اللجان الشعبية اليمنية و معارك سورية كشفت أن هذه استراتيجية الصواريخ مقابل الطائرات فتاكة و مثال ذلك ما حدث في سورية حين تمكنت دفاعات جوية سورية متواضعه جداً من قلب المعادلات العسكرية و أسقط صواريخ الناتو و كذلك نجحت الصواريخ السورية المتواضعه بضرب أهداف للعدو في الاراضي المحتلة و مع وصول ثلاث كتائب دفاع جوي طراز اس-300 الى سورية عاش العالم رعب حقيقي و إعترف الغرب بأن موازين القوى تغيرت فيكف سيكون حال المنطقة في حال وصول أربع كتائب أخرى طراز اس-300 و ليس طراز اس-400 الى سورية..؟ من المؤكد أن نتائج الحرب على سورية غيرت العالم و من المؤكد أن تصريحات ترامب ليست سوى محاولة ترتيب المنطقة بأقل الخسائر بعد الخروج الأمريكي و بالذات أمن كيان العدو الإسرائيلي و ذهاب جون بولتون الى موسكو سيكون ملفه الرئيسي أمن الاحتلال و صواريخ اس-300 في سورية و في جعبته اتفاقية الصواريخ متوسطة المدى كعنوان للتفاوض لا قيمة له على الطاولة و يبقى السؤال هل ستكون منظومة اس-300 درساً للأمريكي أم سيستمر بالنظر من الأعلى غير مدرك لما يحدث على الأرض..؟ و خصوصاً أن أربع كتائب إضافية الى سورية من منظومة اس-300 قد تكون أحد الردود على الخروج الامريكي من اتفاق الصواريخ متوسطة المدى.
01:50
05:24