جهينة نيوز- خاص
تداول مجلس الشعب أزمة الغاز السورية مرتين خلال شهر ونصف، واحدة في السابع من كانون الأول 2018 والثانية في العشرين من كانون الثاني 2019، وفيما طالب أعضاء المجلس بمعالجة المشكلة وتوفير هذه المادّة المنزلية، اعتبر عضو مجلس الشعب نبيل صالح أن أزمة الغاز التي تعيشها عدة محافظات سورية مفتعلة لإشغال الناس عن الأوضاع المعيشية السيئة التي يعانون منها وإلهائهم عن التقصير في الخدمات التي يعتاشون عليها، على غرار ما حدث في أزمة المحروقات العام الماضي حيث انشغل الناس عن همومهم الأخرى بكيفية تأمين مواصلاتهم وزراعاتهم، واعتبر صالح أن أزمة الغاز "لعبة بائسة تنفذها القوى الخفية في الدولة العلية، مستشهداً بحادثة كسوف الشمس -التي أعلن عنها المذيع منير الجبان قبل عشرين عاماً، من أن الشعب الذي التزم بيته: واعٍ ومنضبط"-... وبما جرى في أحداث فيلم سوري قديم قائلاً: "في فيلم "حادثة النصف متر" الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما قبل ربع قرن، يذهب البطل المهزوم بعد نكسة الـ 67 إلى سوق الحبال ويطلب شراء حبل بطول متر ونصف فيقدم له البائع ربطة حبال قوية وخشنة، فيتلمس البطل رقبته ويقول للبائع: لا مو من هاد.. بدي حبل أنعم... نعم بتنا نريد حبلاً ناعماً للخلاص من عذابنا" يضيف "صالح"... أزمة الغاز من الكحل الحكومي إلى العمى النيابي!
ومن جهته أثار رئيس مجلس الشعب "حمودة الصباغ" جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن قال في جلسة المجلس يوم الأحد 20/1/2019: "إن على ممثلي الشعب أن يكونوا أكثر فهماً لمخاطر الفتن والحملات التي تثار عبر وسائل التواصل الاجتماعي على المجلس ونوابه" ! معتبراً أن "غالبيتها تدار من الخارج ويقع في حبائلها من في الداخل عن قصد أو عن غير قصد فيساعدون على انتشارها مع كل ما يحمله ذلك من بلبلة وخطر"!
وفي الجلسة المذكورة التي حضرتها الحكومة، اعتذر رئيس الحكومة عماد خميس للشعب السوري من صعوبة تأمين بعض احتياجاته الأساسية"، لا سيما وأن مواقع التواصل الاجتماعي شهدت خلال الفترة الأخيرة مطالبات عدة قام بها مواطنون وفنانون سوريون طالبوا فيها الحكومة السورية بتأمين المواد الغذائية والمحروقات، خصوصاً مع الانخفاض الشديد في درجات الحرارة الذي شهدته مناطق واسعة من سوريا... وقد خاطب العضو نبيل صالح رئيس الحكومة في الجلسة المذكورة قائلاً: "...نرى أن تعديل الوزارات وتغيير الحكومات لن يجدي نفعاً إذا استمرت الدولة على نهجها القديم كما لو أن الزمن ثابت لا يتغير..."
هل من صلاحية لمهزلة صالح؟!
بالطبع لا أحد منا ينكر وجود أزمة محروقات كبرى تعاني منها البلاد منذ سنوات، وخاصةً في الأيام والأسابيع الأخيرة، ولكن أن تُتّهم "الدولة العليا" –من خلال عضو في مجلسها النيابي-بافتعال الأزمة لإشغال الناس عن الأوضاع المعيشية السيئة التي يعانون منها، فهو أمرٌ يثير الضحك، لا سيما وأن العضو المذكور قد أكمل في الجلسة الثانية ما قاله في الجلسة الأولى، حين زعم أن تصرُّف الدولة هو استمرار في نهجها القديم (!) وبالتالي فهل يفهم المرء من خلال هذه التصريحات أنه لا شغل شاغل لدى الدولة السورية منذ تأسيسها الحديث سوى إلهاء الناس بأزمة الغاز ليتناسوا أوضاعهم المعيشية السيئة؟!...وإذا كانت أزمة الغاز هي عنوان سوء الأوضاع المعيشية –كما ظهر من خلال الانتقادات الشعبية- فكيف تلجأ إليها الدولة العليا لتلهي الناس عنها وتشغلهم بها؟! هل ثمة عاقل يقبل هذا الطرح؟! أم أن المطلوب من تعاطي النيابي المذكور مع تلك الأزمة هو تحويلها إلى قنبلة يفجّر صاعقها في وقت رأى فيه أن كيل السوريين –بمختلف فعالياتهم- قد طفح، وبذلك يحصد دور البطولة ويتربع على عرش الاحتجاجات والمناشدات؟!
نحن نعاني فعلاً من أزمة محروقات عامة، وندرك أن المتسبب فيها هو عطل حكومي وسوء إدارة، ولكن أن تصبح جرة الغاز عنوان فتنة جديد يستهدف الدولة بعد كل الفتن التي قاومناها وانتصرنا عليها، فلعلها خيبة أمل كبيرة في من آوته الدولة تحت قبة برلمانها ليكون صوتها مع الشعب، لكنه بات يلف عنقها بحبل دائرته الانتخابية مستعجلاً هزّ مكانتها بعد استيعابه الخاطئ للمناشدات الشعبية.
نائب ربع الساعة الأخير، هل أفلح؟!
ولا يسعنا أخيراً سوى أن نقول للنيابي "الصالح" أن يتصالح على الفور مع قدراته الذهنية الاستيعابية والتحليلية ويتلافى قصورها الطارئ لديه، وألا يسلك أقصر ما لديه من طرق تفكير وإدراك ليثبت حضوره الشعبي والنيابي، وتواجده الإعلامي في قلب الحدث، ذلك الحدث الذي يتطلّب التريُّث العقلي الفكري والتؤدة والتأمُّل الوجداني وتكليف النفس عناء الحكم الموضوعي العادل والنزيه على الأمور، فربع الساعة الأخير في الأزمات الكبرى للشعوب، إنما هو الأخطر في مخاض تحرّرها ونيل مطالبها وتحقيق كرامتها وبلوغها المجد.
وختاماً، فإننا نهيب بممثل الشعب -النائب الصالح- ألا يعود إلى الوراء في مسيرة "الانعتاق الجماهيري" ويغرق في عمق أحداث "النصف متر" أو يتيه في سوق الحبّالين، كما نحضُّه على ألا يخشى كسوف الشمس عن بلادنا، ونهمس في أذنيه –عتباً- أنه لم يكن من الصواب أن يحرّك سواكنه الشخصية والنيابية المزعجة تلك في ليلةِ "استدماء القمر"، لا سيما إذا كان يعرف ما تُسبّبه هذه الظاهرة الفلكية على الأرض!
06:14
06:18
06:22
06:34