جهينة نيوز-خاص
ناقشت الدكتورة بثينة شعبان على مدى أسبوعين فائتين موضوع استهداف الكفاءات الوطنية من خلال مقالين هامّين نُشرا في جريدة الوطن، حمل أحدهما عنوان "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم"، والثاني "لماذا نساند أعداءنا؟" وتساءلت الدكتورة شعبان قائلةً: "هل نحن نغتال بعضنا بعضاً، ونحرم الأوطان خيرة الخبرات والمؤهلات استجابة لنوازع صغيرة من الحسد والغيرة أو السير وراء الشعور بالجاهلية الأولى من خلال الاهتمام بالأقرباء والمعارف وأبناء القبيلة على حساب طاقات متميزة لو صحّ استثمارها لأحدثت فرقاً وازدهاراً في مجالات مختلفة؟"...
وقد قاد هذا التساؤل الدكتورة شعبان إلى الحديث عن الهدر في الطاقات البشرية وفي المقدرات المادية وفي الكفاءات والنخب، والهدر الذي يطال كلّ وجه من أوجه حياتنا، ورأت أنه إذا ما توغلنا في المكاشفة عند هذه الأوجاع التي تسبب آلاماً للأشخاص وهدراً على المستوى الوطني، فعلينا الاعتراف بمرض يكاد يكون ثقافياً وينتشر على كامل الساحة العربيّة ألا وهو مناصبة العداء للمتفوقين والمتميزين في مجالات مختلفة...فالبلدان العربيّة مازالت غارقة في الفردية واستعداء الآخرين سواء على المستوى الداخلي أم على مستوى العلاقات بين البلدان، كما أنّ الحسد والغيرة ممّن ينتج ويزدهر ويتميّز هما سيّد الموقف بدلاً من المباركة والمؤازرة، وإذا ما أمعنا النظر في حياتنا الثقافية والاجتماعية والمهنية نرى أن استهداف الآخر هو الطريق الأمثل لدى البعض لإثبات تفرّدهم وتميّزهم، وأنّهم لا يفكرون بالصعوبات التي تعترض ارتقاءهم سلم التميّز بقدر ما يفكرون بإزاحة الآخر المتميز من طريقهم. وتتابع الدكتورة شعبان قائلةً قد نظنّ أن هدر موهبة هنا وأخرى هناك شأن شخصي لا يؤثر في الحالة الوطنية بشيء ولكنّه في الحقيقة شأن وطني قبل كلّ شيء، فإذا ما تمّ تحييد أفضل الطاقات أو هدرها لأسباب مختلفة وفي مجالات شتى، فالسؤال هو من الذي يقود الملفات الشائكة وكيف يقودها وعلى أي مستوى وما القيمة المضافة التي يحقّقها هؤلاء بالمقارنة مع من لم تتمّ الاستفادة من مواهبهم وخبراتهم وإبداعهم؟ هذا النوع المستور من الهدر هو الذي يكمل عمل الأعداء الذين يستهدفون قادتنا ونخبنا ويعملون على تصفيتهم جسدياً، لأن الهدر هو بمثابة موتهم وهم أحياء حيث لا يقدرون على العطاء والإبداع وخدمة اختصاصاتهم وأوطانهم بالشكل الذي يرغبون ويقدرون، والنتيجة التي نتوصل إليها هنا هي أن محاربة الكفاءات في بلداننا تصبّ في مصلحة الأعداء الذين يستهدفون أوطاننا، وأنّ هدر هذه الطاقات أيضاً يخدم الأعداء وأنّ العمل على تقويض الكفاءة أو منعها من العمل والإبداع يكاد يرقى إلى مستوى خيانة الأوطان لأنه في النتيجة يشكّل مساندة مقصودة، أو غير مقصودة، لما يحاول الأعداء إيقاعه ببلداننا، ومن هذا المنظور فإن مكافحة الهدر واستخدام الطاقات في الأمكنة المناسبة لها وشدّ أزرها هي أعمال وطنية تسهم في تحصين الأوطان في وجه الأعداء وكلّ من يستهدفها من الداخل والخارج.
ولكي لا نكون ممن ينظّرون على الآخرين بما هم فيه، فسنحاول قراءة المقالة الهامة للدكتورة شعبان على واقعنا نحن بين البلدان العربية، ذلك أن كفاءاتنا ومختصينا وكوادرنا في شتّى المجالات يعانون من استهدافهم استجابةً لنوازع صغيرة من الحسد والغيرة والسير وراء الشعور بالجاهلية الأولى من خلال الاهتمام بالأقرباء والمعارف وأبناء القبيلة، كما يعاني المتفوقون والمتميزون لدينا من مناصبة العداء لهم في مجالات مختلفة غارقة في الفردية واستعداء الآخرين والحسد والغيرة ممّن ينتج ويزدهر ويتميّز بدلاً من المباركة والمؤازرة...ولعل تفاصيل هامة من الحرب على الكوادر الوطنية مخفاة في أضابير تطوي الحكومة ملفاتها بالتنسيق مع أعلى هيئة رقابية وهي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي تتبع إدارياً لرئاسة الحكومة، والتي بدورها لا تكل ولا تمل من إلقاء خطابات على الشعب والوطن والقيادة لا أساس لها من الصحة بأن الأمور تسير حكومياً على ما يرام، مستغلةً التراتبية الإدارية وكليشة "الأنظمة والقوانين النافذة"...
01:19