جهينة نيوز-خاص
بالطبع، نحن في سوريا الاعلام والبرامج التلفزيونية، لا ندّعي الكمال وإنما لا نرتضي لتطويره والارتقاء به بديلاً، لا سيما وأن كل الامكانيات متوفرة، ولا أدلّ على ذلك من تفوق السينما والدراما السورية على جل أخواتها العربيات، والأمر يعود إلى حسن تنظيم للمهنة، وبراعة في استثمار المواهب والامكانيات والإبداعات الشخصية والجماعية للفنانين السوريين من كتّاب ومخرجين وممثلين وموسيقيين... وإذا كان بعض الاخفاق قد وصم مراحل ما من العمل البرامجي التلفزيوني، الذي تحكمه ظروف خاصة، إلا أن ذلك العمل لا يخضع لمسابقة مع برامج الجيران، ولا يعطي الاعلام السوري بصمة نهائية أو وصمة ختامية، فضلاً عن أن الحكم على الأعمال البرامجية السورية، لا يجب أن يطال أعمالاً بعينها، كما لا يجب أن يهمل أعمالاً أخرى أوصلت ذات أيام وسنين صوت الاعلام الابداعي السوري إلى كل العرب من المحيط إلى الخليج، وإلى كل المغتربين في المهاجر البعيدة...ولعل عيّنة كبيرة من الفن اللبناني نفسه ما زالت تذكر بالخير برامج الاعلام السوري التي شهرتها وجعلتها موضع اهتمام العالم المشاهد بأسره، في الوقت الذي لا تتمكن فيه كبريات شركات الدعاية إنجاز ما أنجزه بعض البرامج التلفزيونية السورية لصالح نجوم عرب غمروا فضاءات الجماهير العربية بأضوائهم...
إن موضوع اقتحام نجوم الدراما السوريين عالم تقديم البرامج التلفزيونية، هو موضوع طارئ في خضمّ ظروف أزمة الاعلام العربي بشكل عام في السنوات العشر الأخيرة التي ولدت فيها قنوات فضائية كثيرة، تأمّن لها التمويل بعد أن اطمأن الممولون لحسن تطبيق سياساتهم ومراميهم وأهدافهم تجاه جمهور عربي استُهدف في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى، مع استثمار بلوغ التقنيات حداً مفزعاً...ولعلنا نذكر ما أبلغنا به الآباء والأجداد، كيف أن الجمهور العربي قد كان تحت سطوة إذاعة تقول للجمهور العربي عام 1948: "هنا صوت العرب من برلين"، وكذلك لا ننسى في عام 1967 إذاعة القاهرة وشدّها لكل انتباه عربي بما أذاعته عن القومية العربية مغلَّفاً بصوت "أم كلثوم"...كما لا ننسى في مراحل أخرى إذاعات "لندن" و"مونتي كارلو" وغيرها، إلى أن بسطت المحطات التلفزيونية الحديثة سيطرتها على الفراغ العربي في شتّى المجالات وصولاً إلى الوقت الحاضر، لذا أضحى مسؤولو الفضائيات الجديدة أمام حالتيْ ملء فراغ، الأولى فراغ الشعب العربي، والثاني فراغ فضائياتهم الجديدة الناشئة، فأضحت النجومية السورية عنصراً إسعافياً لهذه الفضائيات، الخالية كواليسها من الخبرات والتجارب –أللهمّ إلا تجارب الماكياج لأحدث عارضات البرامج-...لذا فنحن الآن أمام أكبر عملية استثمار للنجومية السورية العابرة لحدود العرب...ومن الطبيعي أن تستعين القناة التلفزيونية الخاصة "المتلبننة" "لنا" بممثلة سورية مبدعة درامياً لتقديم برنامج تلفزيوني ناقش في حلقته الأولى "أسباب تدهور الإعلام السوري"!
ولن نخوض هنا في دواعي استثمار الممثلة المذكورة، ولا في العرض المالي لها، ولكن يحق لنا –نحن وليس قناة لنا- أن نستذكر قصة كتاب "أسباب الجنوح" الذي عُرض في عمل فني للقدير "دريد لحام"!...فتخطّي حدود المصنع إلى بيروت وغيرها، ومهما كان الثمن، لا يعطي تأشيرة جنوح للسكوت عن التبلّي على الاعلام السوري من قبل برنامج يضع الممثلة السورية الشهيرة كالمشجب أو الشمّاعة لما أراد معدّوه ومقدّموه بثّه...
لقد أخفقت القديرة "رنا شميّس" في "لنا بيروت"، كما لم تخفق على الاطلاق فيما قدّمته لنا في الشام...نعم لقد أضاف معدّو برنامج "لازم نحكي" إلى برنامجهم وجهاً درامياً سورياً امتلك القدرة على الأداء المبدع بوجود مخرجين سوريين، ولكن ماذا أضافت رنا بوجود معد ومخرج "لازم نحكي"؟! وهل يليق ظهورها مع الاعلامي اللبناني "تمام بليق" كقارئة أسئلة ومتمتمة بالموافقة على إدلاءات الضيوف؟!..ثم ألم يعطها المعد والمخرج -آمر الاستديو- دوراً يحافظ على ماء وجهها إلى جانب مكياجه؟!؟!
برنامج "لازم نحكي" وعد جمهور "لنا" –بلسان رنا- بأنه سيتطرّق لقضايا لم يتم طرحها سابقاً، فبدأ بنقد صناعة البرامج التلفزيونية في سوريا، وبوجود شاهدٍ من أهلها...!... وكان الطرح شبيهاً بحوار طبيب تجميل مع زبونة حائرة بملامح وجهها، فسأل المذيع "بليق" -بحضور أطباء التجميل في الحلقة- "ماذا ينقص البرامج السورية لتكون مشاهدة كالدراما السورية؟...
وما نعرفه عادةً أن طبيب التجميل يقوم بعرض نماذج مصوّرة ومطوّرة لزبونته من أجل أن تختار كسماً جديداً يليق بها...وكذلك فعل برنامج "لازم نحكي"! فجعل من الاعلام اللبناني خير إعلام يتفوق على السوري، ونموذجاً يحتذى، وذلك بالرغم من سطحيته وخدشه لحياء الجماهير، لدرجة باتت فيها مشاهدة بعض برامج الاعلام اللبناني تحتاج إلى غرف مغلقة ومطفأة الأنوار! ولعلها مهمة بسيطة للغاية لأي استديو يديره مصوّر ومخرج!
طوني خليفة، الاعلامي اللبناني الشهير بالحديث عن إنجازاته وتنبؤاته الإعلامية التي ذكر منها في حلقة "لازم نحكي"، تنبؤه بزوال الصحافة المكتوبة، والتي خيّبت فرصة امتهانه للتنجيم(!!!) ألقى الضوء ساطعاً على ما سماه "مزايا الإعلام اللبناني"، وقام بمبضع زميله التجميلي الضيف، بتشخيص أزمة الإعلام السوري، متحدثاً عن "السقف المنخفض للحريات"...!...وكنا نتوقع منه أن يتمادى أكثر في الحديث، فيتطرّق إلى "قص اللسان"، طالما أن زميله الطبيب التجميلي الضيف في الحلقة قد تحدّث عن عمليات "قص المعدة" وأسعارها في لبنان وسوريا!...
وبدورها وصفت الإعلامية "هلا المرّ" المجتمع السوري بـ"المنغلق" الذي لا يتقبل كل أنواع البرامج، وعزت أسباب تراجع الإعلام السوري إلى ظروف الحرب، وعدم قدرته على استيعاب المعارضين للدولة"...وبالتالي فقد كان على المذيعة الدرامية الاستثنائية المعارة إلى برنامج "لنا" أن تدلي بوجهة نظرها ولو عن طريق دعابة سريعة تحضر إلى ذهن أي سوري في هذا الموقف، كأن تقول على سبيل المثال للضيفة "هلا": لقد انفتح المجتمع السوري "المنغلق" على لبنان، فكاد يغلق لبنان كله...!...إذاً دعي عنك الحديث عن هذا الموضوع، واتركي مجتمعنا منغلقاً إذا صح ادعاؤك!
ومن ناحيتها فالمذيعة المتألقة في قناة "الميادين" "راميا إبراهيم" لم تقبل بادّعاء تفوّق الإعلام اللبناني، ورأت أن الإعلام السوري الرسمي متفوّق قياساً مقارنةً بالإعلام الرسمي العربي، وذلك ضمن بيئة سورية وطنية يؤمن بها جميع العرب، أما المذيع في إذاعة "صوت الشباب" "يامن ديب"، فتحدث عن تجربة برنامجه "مع الكبار" واصفاً إياه بأنه "رفع سقف الإعلام الرسمي".
وختاماً فقد كان حضور العنصر السوري كبيراً في الحلقة الأولى من برنامج "لازم نحكي"، لكنه كان شكلياً أمام كثافة حضور العنصرية اللبنانية، التي –على ما يبدو- أنها نكهةٌ لا مفر منها حين يكون الطباخ سورياً مقيماً في لبنان!
06:15
02:32