جهينة نيوز-خاص
ليست رسائل خبز ذكية هذه المرة، ولا رسائل بنزين أو غاز أو مازوت...هي رسائل من نوع آخر، تشبه رسائل الحرب التي تبثّها جبهة إلى جبهة أخرى، لإخلائها وتحذيرها، أو الطلب من أفراد تسليم أنفسهم وتجنُّب مصير غير لائق...
إنها رسائل الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات (SYTRA) التي باتت تغزو أجهزة خلوي المواطنين، بل تقتحم خلوتهم ونومهم في ساعات متأخرة من الليل أو الصباح الباكر، ليستيقظ المواطن مذعوراً من وصول رسالة من مصدر يحمل اسماً بحروف أجنبية لم يألفها كثيراً، تحذّره فيها بأن "جهازه الخلوي ذو المعرّف (؟؟؟؟؟؟؟) غير مصرّح عنه" وأن عليه "تسديد أجر التصريح قبل 5/11/2020 لتجنّب توقفه عن العمل على الشبكة الخلوية..."...
ولأن رسائل التحذير والتهديد هي دائماً على عجل، فقد أُعطي المواطنون أربعة أيام فقط لتنفيذ المطلوب بدءاً من 1/11/2020، مما أثار الهرج والمرج والفوضى والازدحام على أبواب محطات الخلوي، لاستطلاع الموضوع أولاً، ثم تنفيذ المطلوب...
أما المطلوب فكان بالدرجة الأولى دفع ما يترتب على "زبون الخلوي" من ضريبة جمركية على جهازه، تفوق حساباته المصرفية والشهرية، بل وتفوق –نسبياً- ما يصرّح عنه وزراء في الحكومة من تكاليف لمعيشة المواطن... حيث أبلغت الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات المشتركين الذين اشتروا أجهزة خلوية غير مصرح عنها جمركياً بعد تاريخ 17/6/2020، بضرورة "المصالحة" على تلك الأجهزة، قبل بداية تشرين الثاني الحالي، إذ ستُطبق أسعار جديدة.
وستكون التعرفة الجديدة 65 ألف ليرة سورية للفئة الأولى، و110 آلاف ليرة للفئة الثانية، و200 ألف ليرة للفئة الثالثة، و250 ألف ليرة سورية للفئة الرابعة...على أن هذه التعرفة توضع من قبل المديرية العامة للجمارك ووزارة المالية...وقد بررت الهيئة الناظمة التعديل بأنه "ضمان لاستمرار ورود الأجهزة الخلوية عبر المنافذ النظامية (المديرية العامة للجمارك)، والتي ترتبط رسوم إدخالها بسعر الصرف الرسمي للدولار، المحدد من قبل مصرف سوريا المركزي، وبناء على طلب مديرية الجمارك".
وبما أن كل زبائن الخلوي مرغمون على الدفع لئلا تقطع الشبكة عن أجهزتهم، فلتكن رسائل "الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات" أكثر تهذيباً...!...أليست "الاتصالات" شأناً مدنياً بحتاً؟ ألا ترتبط في العالم كله بأجمل الاعلانات والعروض؟...فلماذا هذه اللهجة البوليسية، ولماذا التهديد بالقطع في حال عدم الدفع؟ ولماذا لا تضبط المديرية العامة للجمارك حدودها جيداً، منعاً للتهريب وضماناً لورود الأجهزة عبر منافذها النظامية؟...وطالما أن كل الأجهزة –النظامية والمهربة- ستخضع للتصريح والجمركة، فهذا يعني أن الموضوع برمّته جباية أموال.
وفي النهاية يسأل سائل، هل يستحق اقتناء جهاز خلوي –يوزع مجاناً في الكثير من دول العالم-دفع جمرك وضريبة وتصريح؟...فطالما أن "الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات" وغيرها تحفظ عن ظهر قلب معرّف كل جهاز خلوي يعمل في البلد ضماناً للأمن، فلماذا كل هذا اللف والدوران على جيوب المواطن السوري، وما يملكه من وريقات مالية، باتت تتطاير من يديه وكأنها أوراق خريف إعصاري؟
حتماً الدفع إجباري وسيدفع الجميع للهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات هذه الضريبة رغم أنوفهم، لئلا تصبح "الهيئة الناظمة لقطع الاتصالات"، ولكننا نكرر: فلتكن رسائل "الهيئة" أكثر أدباً وتهذيباً، إذا لم يكن بوسعها تخفيف المبالغ المطلوبة من المواطنين، أو على الأقل- تحسين إجراءات الدفع، بما يُشعر المواطن بأنه مواطن يستعمل الخلوي كغيره من سكان المعمورة لا أكثر، سواء كان هذا الخلوي هدية أو مشترى بالتقسيط أو مستعملاً، تمّت مبادلته بجهازين قديمين!
21:58
22:25
22:26