جهينة خاص-هانيبال خليل
أصدرت رئاسة مجلس الوزراء في 3/2/2022 قراراً –تلقت وزارة التنمية الادارية نسخة منه-يفرض شروطاً جديدة "غير عائلية" على الراغبين بالتقدم للمسابقة المركزية للتوظيف.
روابط القرابة أو المصاهرة ممنوعة!
حيث يلزم القرار المتقدم للمسابقة تسليم تصريح يضاف إلى الثبوتيات، يتضمن عدم وجود رابطة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الثانية مع الرئيس الإداري الأعلى ("وزير، محافظ، أمين عام رئاسة مجلس الوزراء، رئيس هيئة، رئيس جهاز، رئيس جامعة، مدير عام)، أو كل من له صلاحية الحق في التعيين للجهة العامة التي يرغب بالتقدم إليها.
كما اشترط القرار على المتقدمين عدم وجود رابطة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الثانية مع الرئيس الإداري المباشر (المدير للوحدة التنظيمية، إدارة مديرية، قسم، دائرة، شعبة، مكتب)، وعدم وجود رابطة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الثانية مع عامل آخر في ذات الوحدة التنظيمية التي يرغب المتسابق بالتقدم إليها.
وأوضح القرار أن رابطة القرابة حتى الدرجة الثانية تشمل الأب والأم والزوج أو الزوجة والأبناء والجد والجدة والأخ والأخت وأبناء الأبناء، فيما يقصد برابطة المصاهرة حتى الدرجة الثانية أب وأم الزوج أو الزوجة وجد وجدة الزوج أو الزوجة وأخ وأخت الزوج أو الزوجة أو أبناء الأبناء للزوج أو الزوجة (!!!).
واستثنى القرار الراغبين بالتقدم لمراكز عمل في المدارس، ووحدات الإدارة المحلية من مستوى بلدة وبلدية وباقي الوحدات الإدارية التابعة للجهات العامة في البلدة والبلدية.
هام جداً... الحكومة تطبّق نموذج "ابن حزم الأندلسي"!
وتعليقاً منا على قرار الحكومة، فإننا لا نجد ما يسهّل ويُيسّر فوز المتسابقين بتحقيق الشروط –أولاً- قبل الفوز بوظيفة العمر، سوى العودة إلى كتاب "جمهرة أنساب العرب" لعلي ابن حزم الأندلسي القرطبي، المتوفى سنة 1063م، لا سيما وأنه لم يُعرف لابن حزم أقارب لا من الدرجة الأولى ولا الثانية ولا العاشرة! كما لم يُعرف له أصهار ولا أنسباء، حيث عاش وحيداً ومات وحيداً، لم يعرف أحد شيئاً عن زوجته أو بنينه وبناته بسبب فقدان مصنف العائلة في الأندلس، كما لم يُعرف عن أمّ ابن حزم شيء، فقد صمتت عنها المصادر بأسرها، ونشب خلاف بين الباحثين حول أصلها لم يحسم بعد، الأمر الذي اختلط على المؤرخين، فهناك من أكّد أنه من أصل أسباني، وثمة من أرجع نسبه للعرب...
بلا أقارب، "ابن حزم" أصبح وزيراً!
وفي ضوء فقدان ابن حزم للنسب الواضح وانعدام وجود أقارب معروفين له، لم ييأس أو يستسلم ولم تفتر عزيمته، فاشتغل بأنساب العرب نسباً نسباً ليثبت وجوده ويجعل الأجيال من بعده تستفيد، وحصد فرص العمل و(النجاح في المسابقات في زمنه)، فتم تعيينه –في "بلانصية"- وزيراً في ثلاث حكومات، هي حكومة الخليفة السابع للأندلس والحاكم الثالث عشر لها من سلالة الأمويين، "عبد الرحمن المرتضي بالله" (المتوفى عام 409 هـ)، وحكومة "عبد الرحمن المستظهر"، وحكومة "هشام المعتد" بين سنتي (418-422ه).
رأي "ابن حزم الأندلسي" في الإصلاح الإداري!
كان "الوزير" ابن حزم ينادي بالتمسك بالقوانين والتشريعات الناظمة للعمل (شيء يشبه قانون العاملين الموحد) ورفض ما عدا ذلك، فلم يقبل "الواسطة" والاستحسان والمصالح المرسلة التي يعتبرها محض فساد...واعتبر أنه "يمكن أن نقلّص من حدّة الخلاف مع الجمهور، حول مفهوم العلة وحجيتها، إذا علمنا أن كثيراً من الخلاف قد يكون راجعاً إلى أسباب لفظية أو اصطلاحية" وهو ما أشار إليه ابن حزم بقوله –الذي يصلح ليكون شعاراً للحكومة-: "والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد، اختلاط الأسماء، ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال"...
وختاماً
يفيد كتاب "ابن حزم الأندلسي" - جمهرة أنساب العرب- المتقدمين للمسابقة المركزية، في التأكّد من خلوّ عائلاتهم من أية علاقة قرابة مع حشد المذكورين في قرار رئاسة مجلس الوزراء، ومن بعده وزارة "التنمية الادارية"، وذلك في حال لم يعثر المتسابق في كتاب ابن حزم على تطابُق بين نسب عائلته وأنساب الأقارب المتوقعين المذكورين في قرار الحكومة!...فحظاً سعيداً لآلاف المتقدمين!