مضت ثمانية أشهر على سقوط نظام الأسد وحلّ مؤسسات الجيش والأمن التابعة له، وهو الحدث الذي خلّف فراغاً سياسياً وأمنياً واسعاً في عموم المحافظات السورية.
كما وضع القوات العسكرية التي تولّت السيطرة على البلاد أمام تحديات، لا سيما في الجوانب الأمنية والاقتصادية، وسط حالة من الارتباك العام وعدم الاستقرار.
في حين رافقت انهيار النظام السابق موجة فوضى عمّت معظم المناطق، استغلّها بعض ضعاف النفوس للاستيلاء على ممتلكات عامة وتحقيق مكاسب شخصية على حساب الصالح العام. بالتوازي مع ذلك، تعرّضت القوات الأمنية والعسكرية لهجمات متفرقة، شملت مختلف المناطق دون استثناء طائفي، في وقت ارتفعت فيه وتيرة الجريمة، وتكررت حوادث التصفية الجسدية والمجازر ذات الطابع الطائفي أو السياسي، خصوصاً ضد من يُشتبه بانتمائه للنظام المنهار.
هذه الانتهاكات لم تكن عشوائية، بل اتخذ بعضها طابعاً ممنهجاً يهدف إلى زرع انقسامات عميقة بين مكونات الشعب السوري، مما يهدد بإعاقة جهود بناء دولة ديمقراطية حديثة قائمة على مبادئ الحرية والمساواة.
وإلى جانب هذه الحوادث سُجل أيضاً عشرات حالات القتل التعذيب في سجون الحكومة السورية.
وفي هذا الصدد، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 9889 شخصاً في مختلف أنحاء سوريا، خلال الفترة الممتدة من 8 كانون الأول 2024 وحتى 6 آب 2025، نتيجة استمرار أعمال العنف والانتهاكات على يد أطراف محلية وخارجية، إلى جانب الفوضى الأمنية العارمة. من بين الضحايا، سقط 7449 مدنياً، منهم 396 طفل و541 سيدة، مما يعكس هشاشة الواقع الأمني والخطر المتزايد على الفئات الأضعف في المجتمع.
وتوزعت حصيلة الخسائر البشرية على الشكل التالي:
من 8 كانون الأول وحتى نهاية 2024:
2354 ضحية، بينهم 1894 مدنياً (1839 رجلاً، 21 سيدة، 34 طفلاً) و460 غير مدنيين.
كانون الثاني 2025:
-1122 ضحية، بينهم 679 مدنياً (480 رجلاً، 146 سيدة، 53 طفلاً) و443 غير مدنيين.
شباط 2025:
-603 ضحية، بينهم 435 مدنياً (347 رجلاً، 46 سيدة، 42 طفلاً) و168 غير مدنيين.
آذار 2025:
-2644 ضحية، منهم 2069 مدنياً (1828 رجلاً، 144 سيدة، 97 طفلاً) و575 غير مدنيين.
نيسان 2025:
-452 ضحية، بينهم 352 مدنياً (287 رجلاً، 40 سيدة، 25 طفلاً) و100 غير مدنيين.
أيار 2025:
-428 ضحية، منهم 295 مدنياً (227 رجلاً، 19 سيدة، 49 طفلاً) و133 غير مدنيين.
حزيران 2025:
-391 ضحية، منهم 360 مدنياً (304 رجلاً، 31 سيدة، 25 أطفال) و31 غير مدنيين.
تموز 2025:
-1733 ضحية، منهم 1225 مدنياً (1076 رجلاً، 89 سيدة، 60 أطفال) و508 غير مدنيين.
حتى السادس من آب:
-162 ضحية، منهم 140 مدنياً (124 رجلاً، 5 سيدة، 11 أطفال) و22 غير مدنيين.
ظروف استشهاد المدنيين كالتالي:
رصاص عشوائي واقتتال: 320 شخصاً هم: (235 رجال، و26 سيدة، و59 طفلاً).
غير ذلك: 28 شخصاً هم: (21 رجال، و2 سيدة، و5 أطفال).
على يد فصائل الجيش الوطني: 19 شخصاً هم: (15 رجال، و3 سيدات، و1 طفل).
ظروف مجهولة: 1750 شخصاً هم: (1730 رجال، و10 سيدات، و10 أطفال).
تردي الأوضاع المعيشية: 1 طفل.
آليات مفخخة: 55 شخصاً هم: (30 رجال، و22 سيدة، و3 أطفال).
تعذيب في سجون إدارة العمليات العسكرية: 50 رجلاً.
تعذيب في سجون فصائل الجيش الوطني: 2 رجال.
على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”: 34 شخصاً هم: (32 رجال، و2 سيدات).
بقصف إسرائيلي: 32 شخصاً هم: (31 رجال، و1 سيدة).
بقصف تركي: 129 شخصاً هم: (90 رجال، و10 سيدات، و29 طفل).
برصاص حرس الحدود الأردني: 4 رجال.
برصاص الجندرما التركية: 2 أشخاص هم: (1 رجل، و1 طفل).
انفجارات ألغام/عبوات ناسفة: 58 شخصاً هم: (39 رجال، و7 سيدات، و12 أطفال).
على يد قسد: 17 شخصاً هم: (7 رجال، و3 سيدات، و7 أطفال).
تعذيب في سجون قسد: 1 رجل.
جرائم القتل: 381 شخصاً هم: (294 رجال، و64 سيدة، و23 طفلاً).
برصاص مجهولين: 590 شخصأ هم: (538 رجال، و28 سيدات، و24 أطفال).
رصاص إدارة العمليات العسكرية: 866 شخصاً هم: (784 رجال، و58 سيدة، و24 أطفال).
بمخلفات الحرب: 571 شخصاً هم: (383 رجال، و38 سيدة، و150 طفلاً).
مجازر الإعدام الميداني: 2535 حالة قتل على الهوية والانتماء.
واحدة من أبرز ملامح هذه المرحلة المأساوية هي تصاعد الإعدامات الميدانية والقتل على الهوية، والتي وثّقها المرصد بـ2535 حالة، ارتُكبت بطرق وصفت بـ”الوحشية”، معظمها تم خلال شهر آذار الذي شهد لوحده 1726 حالة تصفية، بالتوازي مع هجمات شنّها مسلحون على حواجز أمنية وعسكرية في الساحل السوري بتاريخ 6 آذار.
وتوزعت هذه الحالات على النحو التالي:
من 8 كانون الأول وحتى نهاية 2024: 141 حالة.
كانون الثاني 2025: 74 حالة.
شباط 2025: 60 حالة.
آذار 2025: 1726 حالة.
نيسان 2025: 75 حالة.
أيار 2025: 41 حالة.
حزيران 2025: 46 حالة.
تموز 2025: 300 حالة.
حتى السادس من آب 2025: 72 حالة.
القتلى الغير مدنيين 2440
-عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”: 29
-عناصر إدارة العمليات العسكرية: 1010
-قوات سوريا الديمقراطية والتشكيلات العسكرية التابعة لها: 268
-فصائل مقاتلة وإسلامية: 630
-مسلحون محليون: 374
-عسكريون سابقون في قوات النظام: 83
-غير ذلك: 22
-مسلحون موالون لإيران غير سوريين: 10
-قتلى أتراك: 8
-جهاديين: 6
ورغم هذه الحصيلة الدامية التي تُجسد فصولاً جديدة من معاناة السوريين، لا تزال المحاسبة غائبة، بل يجري التستر على الجناة وتزييف الحقائق في بعض الحالات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لجنة تقصي الحقائق التي شُكّلت للتحقيق في مجازر الساحل لم تُقدّم نتائج منسجمة مع الوقائع، بينما كانت مجازر أخرى تُرتكب في مناطق مثل السويداء.
وتزامن ذلك مع حملات إعلامية منظّمة تُطلقها أطراف موالية للسلطة، هدفها تقويض أي جهة توثق أو تفضح الانتهاكات، عبر بثّ خطاب طائفي وتحريضي، يربط الطوائف بمواقف سياسية محددة بشكل مغرض، كما هو الحال في اتهام العلويين بأنهم “فلول النظام”، أو الدروز بـ”العمالة”، أو الأكراد بـ”الانفصالية”، ما يعمّق الانقسام ويعرقل مسار العدالة الانتقالية.
ولم تقتصر هذه الحملات على بثّ الروايات المشوهة، بل توسّعت لتشمل استهداف نشطاء وحقوقيين ومنصات إعلامية مستقلة، من خلال حملات تشويه منسقة يقودها الذباب الإلكتروني، لمهاجمة كل من يفضح هذه الانتهاكات أو يدعو لمحاسبة المتورطين بها، في محاولة لشيطنة الخطاب الحقوقي، وإسكات الأصوات المطالبة بالحقيقة والعدالة.
وبات من الواضح استخدام ما يُعرف بـ”الترند” في وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لقياس الضغط العام، وعدم التحرك إلا تحت وقع الرأي العام أو لتلميع الصورة، دون أن يكون ذلك نابعاً من التزام فعلي بالمحاسبة أو بتطبيق القانون.
وفي موازاة ذلك، لا يزال آلاف المعتقلين يقبعون في السجون دون محاكمة فعلية أو عرضهم على القضاء، بينهم من اعتُقل عقب سقوط النظام السابق، وآخرون جرى توقيفهم خلال حملات مداهمة أو على الحواجز الأمنية، بمن فيهم ضباط سابقون وأطباء ومدنيون. كثير من هؤلاء لا توجد بحقهم تهم واضحة، ويُحتجزون تعسفياً دون إجراءات قانونية، في حين لم يُقدم من ارتكبوا انتهاكات جسيمة وجرائم حرب بحق السوريين من المثول أمام العدالة. ويعدّ هذا الوضع انتهاكًا صارخًا لأبسط معايير المحاكمة العادلة، ويشكّل عقبة خطيرة أمام أي محاولة جادّة لتطبيق العدالة الانتقالية في البلاد.
وفي ظل هذا الواقع، يجدد المرصد السوري لحقوق الإنسان دعوته لجميع الجهات الفاعلة محلياً ودولياً، إلى:
-اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين في جميع المناطق السورية.
-محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات أياً كانت الجهة التي ينتمون إليها.
-وضع حد لحملات التحريض الطائفي والتشهير.
-العمل الجاد لإعادة بناء مؤسسات العدالة الانتقالية، على أسس قانونية وحقوقية، تكفل حقوق جميع السوريين دون استثناء أو تمييز.