آليات الحصول على المواد التموينية... من طوابير أزمة إلى أزمة طوابير!

الأحد, 1 تشرين الثاني 2020 الساعة 01:05 | تقارير خاصة, خاص جهينة نيوز

آليات الحصول على المواد التموينية...   من طوابير أزمة إلى أزمة طوابير!

جهينة نيوز-خاص

بعد أن اقترب الشعب السوري من الإجهاز على قرابة تسع سنوات من الحرب التي شنّها الارهاب على البلاد، ها هو ذا اليوم –وأكثر من أي وقت مضى- يعاني من سلسلة أزمات، تهدّد آماله في العيش الكريم، وذلك مع ازدياد ظاهرة فشل الآليات الحكومية وشبه الحكومية في مواجهة الأزمات المعيشية للمواطن، فانعكس سوء التدبير الحكومي سلباً على حُسن التدبير المنزلي لأسرٍ كبيرة ومتوسطة وصغيرة، باتت غير قادرة حتى على مواكبة يوم معيشي كامل، من بزوغ فجره إلى منتصف ليله، بسبب صعوبة الالتزام بالعديد من الإجراءات والتدابير الحكومية التي وُضعت بزعم تسهيل حصول المواطن على حاجاته اليومية من مواد تموينية، في ظل العقوبات الدولية الظالمة المفروضة على البلاد...

"تكتيك" تمويني حكومي قاصر

ولئن لم تستطع العقوبات إفراغ مستودعات الدولة السورية من أهم السلع التي يحتاج إليها المواطنون، وذلك نظراً إلى تقاليد الدولة السورية في هذا الصدد، إلا أن "التكتيك" الحكومي –وما في حكمه- أدّى وبشكل ملحوظ إلى زيادة رعب المواطن السوري من فقدان الأمل في التغطية الكاملة لمتطلبات يوم استهلاكي نظامي له ولأفراد أسرته، سواء امتلك هذا المواطن وسيلة الدفع كاملة أو غير كاملة، استناداً إلى وجود خيارات في الوجهات والأسعار تجعل من الحصول على المواد ممكناً للجميع...ومع ذلك فقد أمعنت الوسائل الحكومية في شل وسائل المواطنين للحصول على حاجاتهم، فبات المتوفر منها –حسب الكميات المرصودة للجميع- نادر الوجود في الأسواق، إلا في حالات تمتُّع المواطن بمواصفات جسدية وعقلية ونفسية خارقة، مع إعطاء صاحب تلك المواصفات المزيد من الوقت ونعمة الصبر قبل الشراء، والنسيان بعده لما يناله من قهر غير موصوف يرافق حصوله على ما يريد وتريد أسرته...وهنا لن نبدأ الحديث عن المحروقات وما يسيّر مركبات البلاد، كما لن ننتهي بالخبز وما يسد رمق العباد، فالمشاهد التي عمّت جل المدن والقرى والمناطق، تشرح نفسها بنفسها، ولا تحتاج إلى خبراء دوليين في تنظيم الطوابير...

ظاهرة "إبطال مفعول الطابور" ظاهرة حكومية بامتياز

وكما نعرف، فالطابور وسيلة معروفة ومألوفة منذ آلاف السنين، مبدؤها البسيط هو وقوف شخص وراء شخص ليصل إلى المكان المطلوب بكامل رضاه...وقد اشتُهرت نماذج عدة من الطوابير بعد اختراع الكاميرات في مطلع القرن التاسع عشر، وما رافق تلك الفترة وتلاها من حروب على البشرية، أفضت إلى ظهور الطوابير المتنوعة، فمنها ما كان لجموع الغازين القادمين إلى بلد ما، ومنها ما كان للناجين والفارّين من المعارك والمذابح، ومنها ما كان للّاجئين إلى مناطق أخرى، بعد أن فقدوا ملاذاتهم الآمنة في أراضيهم، ولعل أكثر تلك الطوابير شهرة، طوابير الحصول على الغذاء والماء والدواء، لا سيما في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما استجد بعدهما من طوابير شعبية في المدن المحررة والموقعة على هُدَن ومصالحات تتلو وضع الحرب لأوزارها، فشهد العالم الغربي من تلك الطوابير أشهرها في التاريخ الحديث على الإطلاق، وأضحت نماذج في الرقي والتطور وحُسن تفهُّم المواطنين لأزمات بلدانهم بعد مخاضات الحروب العسيرة، أما كلمة السر في نجاح تلك الطوابير، فكانت التنظيم الذاتي لها، وعدم اختراقها من الميمنة أو الميسرة أو حتى من المقدمة بفعل فاعل قادر على الفعل بالقوة أو التهديد وما شابه من الأمور التي نشاهدها هذه الأيام في طوابير الخبز الوطني وغيره...وللحد من تلك الظاهرة، أي ظاهرة إبطال مفعول الطابور على المواطن، لم يكن الإجراء الحكومي –ولا حتى البلدي أو ذلك الذي ابتدعه المخاتير- مكافئاً لعضلات بعض المخالفين، أو منصفاً لأولئك المصطفين كالبنيان المرصوص من أجل رغيف، وزّعت البطاقة الذكية أجزاءه على أفراد العائلة، فكانت رسائل تلك البطاقة إلى هواتف الكثيرين من "الطابوريين" لإعلامهم بالحصول على الخبز نادرة، بينما تزايدت إشعارات الحصول على الخبز للكثير من المخالفين، وحتى لو لم يحدث ذلك، فخروج أحدهم من "قاعة شرف" المخبز الاحتياطي بعشرات الربطات من الخبز، مشهد كافٍ ليعبّر عن عدم جدوى الطابور للملتزمين به.

طابور "البيتون" المسلّح والأسلاك والقضبان!

في الكثير من الأحيان، لا يجد الطابوريون مَخرَجاً لهم من الطابور إلا بعد مقابلة "الفرّان" من خلال شبّاكه الصغير، وذلك بسبب جدران الاسمنت المسلح الاستنادية الضيّقة الموضوعة لتنظيم منطقة الطابور، والتي يحل محلها أحياناً ما يشبه القفص الحديدي، والذي يقفل نفسه على المواطنين المصطفّين أوتوماتيكياً بسبب تراكمهم داخله، مما يعدم فرصة الخروج من الطابور لمن ضاق نفسه أو تذكّر فجأةً قدرات "كورونا" في الازدحام البشري، أو أولئك الذين –وبسبب ضيق الوقت- قرروا الانسحاب من الطابور باتجاه أقرب فرن سياحي، أو أول تاجر ربطات خبز في السوق السوداء الملاصقة لأقفاص الفرن وقضبانه الحديدية...

ازدواجية الطوابير والطوابير الالتفافية ...

ولعله من المخزي حقاً أن تكون السلعة متوفرة، لكن الحصول عليها عسير بفعل سوء التدبير، فما لمسناه من إجراءات بعض مسؤولي الأفران ونوافذ الحصول على بعض المواد الاستهلاكية، يشي بحالة فريدة ومستغربة، حيث رصدنا حالات "ازدواجية الطوابير" في الوقت الذي يمكن فيه لطابور واحد حل المشكلة، مهما التفّ وتكوّع في المكان، فكان الطابور الأول الطبيعي يوصل إلى بائع الخبز مباشرة، والذي تمرّن على السرعة في الأداء بحركات بهلوانية تعكس التقنية المتقدمة للبطاقة الذكية، فيمررها على الجهاز بحرفية بالغة ويعطي صاحبها مستحقاته من الخبز...إلا أن بعض المنظّمين شاء ان يبتدع أسلوباً آخر، فوضع طابوراً إضافياً لقراءة البطاقة الذكية أولاً، من قبل مبتدئين في الذكاء الحكومي، ثم الالتحاق بطابور الخبز الرئيسي بعد الحصول على قطعة بلاستيك مدوّرة مسطورة بكمية الخبز المستحقة، فانتقلت العملية من (اثنان في واحد) إلى (واحد في اثنين)، مما جعل الكثير من المواطنين يتركون قطعة البلاستيك لمتفرّغ طوابيري محترف، ويقلعون عن عادة شراء الخبز بالبطاقة، وبالتالي ترك الحبل على الغارب للمصطادين في كل المياه العكرة...

الطابور من مشكلة بسيطة إلى أزمة مستفحلة!

ولعل فوضى الطوابير المفتعلة بديمومتها ومناظرها المذلّة، كانت فرصة مواتية للمصطادين في المياه العكرة لتسييس أزمة الطوابير، فضمَّها أولئك إلى سلسلة الهجومات على القيادة السورية... والملاحظة هنا هي أن الأقلام المضادة لم تستطع تبنّي مسألة نقص المواد الاستهلاكية والغذائية أو فقدانها، لأن ذلك لم يحدث فعلاً رغم العقوبات والصعوبات، إلا أنها –أي تلك الأقلام- اقتنصت على الفور مسألة سوء التنظيم الحكومي لآلية حصول المواطن على المواد التموينية، على أنها أزمة وطنية محدقة بمستقبل سوريا...وهنا فمهمة الرد على تلك الأقلام، ومن ضمنها حل أزمة الطوابير وهي الأهم، مهمة سهلة وبسيطة للغاية، وما يراه أبسط مواطن من مخالفات، لا يعجز عن رؤيته مراقب، ولو أن استبدال فئة المراقبين التموينيين المألوفين، بفئة مراقبين أكثر حرصاً وشعوراً بالمسؤولية، بات ضرورة ملحّة وحتمية، فمسرح العمليات التموينية لا يجب أن يبقى على حاله دون تغيير، كما لا يجب أن يكون هذا المسرح، الفرصة الإضافية للفاسدين الذين فاتهم استثمار كامل فصول الحرب على سوريا من أجل إثرائهم الشخصي على حساب المواطن السوري، وعلى حساب مجهود الدولة في تأمين كل مستلزمات البلاد في هذه الظروف الاستثنائية القاهرة، بما فيها تصديها لطوابير المتربصين بمستقبل سوريا من قوى دولية وإقليمية، ضمن أخطر وأحدث مخطط تشهده المنطقة بأسرها عبر تاريخها...فأية طوابير تلك التي عجزت حكومة الشأن الداخلي عن تنظيمها حتى تاريخه؟!


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 عبد الله خباز
    1/11/2020
    17:53
    هي معركة بين حقوق المواطن وجشع الفاسدين
    وكلما ضاقت الأحوال بالمواطن نرى الفاسدين يزدادون جشعاً وطمعاً ونهباً...الخبز اليوم مشروع استثماري ربحي كامل الغطاء من قبل الأجهزة التموينية، حيث لا ندري كيف نشتري الربطة (السوداء) بسبعمئة ليرة في الحدود الاقليمية للفرن، ولا يرى وزير التموين ذلك...
  2. 2 عبد الله
    1/11/2020
    17:58
    الرغيف الأسود بمئة ليرة سورية بعد تعديلات وزير التموين
    ...حيث ربطة السوق السوداء -المحتوية على سبعة أرغفة- بسبعمئة ليرة سورية تُدفع عدّاً ونقداً أمام الملأ...أين دوريات وزير التموين...ولماذا لا يضبطون أسعار السوق السوداء إذا كان لا مناص منها؟...عندها يتساوى المهرّب والمواطن بنعمة الخبز، ويتفرّغ وزير التموين للرز والبرغل.
  3. 3 عبد
    1/11/2020
    18:01
    فلتعد أفران الجيش للعمل مجدداً...
    حتى نهاية الثمانينات، كان الجيش العربي السوري ينتج الخبز العسكري الخاص بالجنود، وكان وزن الرغيف السميك حوالي نصف كيلو...ما أحوجنا اليوم لهكذا رغيف في ازمة الطوابير..
  4. 4 خباز
    1/11/2020
    18:08
    يجب نزع ورقة الخبز من الحكومة...
    ولأنها باتت كورقة التوت التي تستر بها الحكومة عورتها، فيجب نزعها...والإبقاء على دعم الدولة للرغيف، على أن تنتج هذا الرغيف لجان جديدة...من صوامع القمح إلى الأفران...
  5. 5 صبحي الأشمر
    1/11/2020
    19:16
    أنواع من الخبز باتت بعيد عن متناول الكثير من المواطنين...
    مثل السياحي، السمّون، المشروح...وذلك بسبب الغلاء الفاحش الذي يجب أن يعوّضه الخبز الاحتياطي بلا طوابير طويلة.
  6. 6 سمعان الطابوري
    1/11/2020
    19:20
    خلافلات حادة بين الحكومة والمواطن حول كلام السيد المسيح...
    الحكومة تقول استناداً إلى السيد المسيح: "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان"...والمواطن يقول استناداً إلى السيد المسيح أيضاً: "أعطنا خبزنا كفاف يومنا"...كلنا تلامذة السيد المسيح ولكن الطابور طويل يا أبتاه!
  7. 7 سالم الزير
    1/11/2020
    19:25
    ازدياد الطلب على الخبز = انعدام الطلب على أغذية أخرى
    اللحم بأنواعه بلا طوابير...الأجبان والألبان بأنواعها بلا طوابير...الفاكهة الصومالية والاكوادورية وحتى اللبنانية واليمنية بلا طوابير...
  8. 8 ردينة
    1/11/2020
    19:27
    خلينا نروح نتفرج عالطابور
    ...عبارة بات يقولها الأطفال لأهاليهم بعد ازدحام وسائل التواصل بصور الطوابير وما تحمله من إثارة...
  9. 9 ملدوع كيكي
    1/11/2020
    19:36
    الخبز الاحتياطي وجبة رئيسية على باب الفرن
    فما أن يخرج المواطن مزهواً بربطة خبز بعد يوم طابوري شائك، يبدأ على الفور بتناول حصته من خبز المائدة، قبل الوصول إلى المنزل...ويا دار ما دخلك شر...توفير وقت وجهد وغاز وطبخ...إلى أن يحين موعد الرسالة الذكية القادمة!
  10. 10 عتاب
    1/11/2020
    22:48
    خبز آخر زمن
    الله يفرج
  11. 11 أبو العز
    5/11/2020
    22:20
    نصيحة لجماعة البطاقة الذكية...وفروا تكاليف إرسال الرسائل
    لماذا ترسلون رسائل تتضمن إشعارات بحصول المواطن على الخبز، بعد حصوله على الخبز؟...وفروا تكاليف الارسال وأضيفوها لتحسين خدمة تأمين الخبز للمواطن...حيث من غير المعقول هذا الحشد اليومي من تلك الاشعارات
  12. 12 أنس
    5/11/2020
    22:33
    زيادة عدد معتمدي الخبز حل معقول
    ...ويسهم في حل مشكلة الطوابير

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا