جهينة خاص-هانيبال خليل
ليس غريباً أن يتبرع السوري للفلسطيني أو الفلسطيني للسوري ويقدم له المساعدة، فكلاهما شعب واحد عبر العصور، وفي العصر الحديث، فلعل نكبة احتلال فلسطين عام 1948 –وبعدها نكسة حزيران 1967- قد فتحت سورية كلها لإيواء اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، مما يعد سيد الأدلة على الأخوّة التي تجمع السوريين بالفلسطينيين...
متى كان الفلسطينيون تحت الاحتلال، نموذجاً يحتذى لحل مشاكل المنطقة؟!
ففي الأيام الماضية –وتزامناً مع المنخفضات القطبية شديدة البرودة التي ركّز عليها الاعلام الدولي والعربي، دون أية إشارة إلى مضامين سياسية مدروسة لعبت الدور الخفي في استثمار الأخوّة السورية الفلسطينية- جمع الفلسطينيون حوالي 13 مليون دولار أميركي في الداخل الفلسطيني المحتل والمناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية، بهدف مساعدة اللاجئين في شمال سورية على بناء منازل تأويهم (!) بدلاً من الخيام التي اقتلعتها المنخفضات القطبية المتتالية...وكل ذلك دون أن تصادر سلطات الكيان الاسرائيلي هذه المبالغ، أو تتدخل لعرقلة عملية التبرعات، ما يعني أنها غضت الطرف عن ذلك، وهذا ليس من عادتها لعدة أسباب قديمة، لكن وسائل إعلامها "الاجتماعية" (المخابراتية) أشادت بذلك بعدة طرق، كاشفةً عن هدف صريح وواضح، وهو الدعاية لتلك السلطات بأن الخاضعين لاحتلالها، إنما يعيشون بأفضل حال مادي وبإمكانهم حتى جمع التبرعات بمبالغ ضخمة لمساعدة آخرين مسحوقين (لا يخضعون لذلك الاحتلال)!...
عجباً، وضع مادي ممتاز للفلسطينيين؟!
وهنا فلنعد قليلاً إلى ما قبل إعلان سلطات الاحتلال الاسرائيلي للقدس عاصمة أبدية للكيان عام 2017 بمعونة "ترامب" وما تلا ذلك من حديث عن "صفقة القرن" ثم بدعة "الديانة الابراهيمية" التي يهدف الصهاينة من خلالها إلى بسط السيطرة على المنطقة، ثم رضا السلطات الاسرائيلية عن السلطة الفلسطينية المنسقة أمنياً معها، ومكافأتها بمحاسن وامتيازات "السلام الاقتصادي" وضخ رواتبها والافراج عن تحويلاتها...فالعودة إلى ما قبل ذلك كله تؤكد أن الوضع المادي للفلسطينيين في الداخل كله سيئ للغاية، حيث لا رواتب منتظمة أو كافية، ولا أموال تصل إلى المحتاجين، ومشاهد فقر وعوز في كل مكان... أما بعد ما تحدثنا عنه فقد تحسن الحال، حتى لسكان غزة ومخيمات اللاجئين في الداخل، فسمح الكيان بتسديد مبالغ خليجية طائلة (قطرية في معظمها) إلى الفلسطينيين، بالإضافة إلى مصادر مالية أخرى أُفرج عن سيولاتها للفلسطينيين، بينما كانت آلات التصوير الاسرائيلية تنقل مظاهر الانتعاش المالي مباشرة إلى وسائل التواصل، بل وتتحدث بالأدلة عن مظاهر بذخ فلسطيني للأموال من أعراس مكلفة إلى سيارات بأسعار خيالية إلى رواتب ضخمة يتقاضاها العمال الفلسطينيون من خلال العمل في المناطق المحتلة، كما أضحت السلطة الفلسطينية تتحرك بحرية مالية أكبر، وصارت تعقد بعض ندواتها "الثقافية" في فنادق السبع نجوم العربية...!... ومن الروايات –حول موضوع التبرعات- أن أحد سكان القدس المحتلة، عرض منزله للبيع بقيمة 156 ألف دولار أميركي، والتبرع بالمبلغ كله للاجئين شماليّ سورية! فيما تبرع الكثير من النساء بالذهب في قرية "صور باهر"، جنوبي القدس المحتلة، لصالح اللاجئين السوريين.
وفي مخيم شعفاط للاجئين شماليّ القدس، تم جمع قرابة 315 ألف دولار، بالإضافة لكميات من الذهب"، وقد قيل لوكالات الاعلام "إن المبادرين لهذه الحملة، درسوا كيفية إيصال التبرعات بشكل قانوني عبر الأردن، دون أن تصادر سلطات الكيان الاسرائيلي هذه المبالغ".
هذا وقد تم تنظيم العديد من حملات جمع التبرعات في الداخل الفلسطيني للاجئين في شمال سورية، عبر جمعيات وحملات مثل "القلوب الرحيمة" و"فاعل خير" و"الإغاثة 48"، فجمعت قرابة 10 ملايين دولار... وهناك من تبرعوا بشققهم السكنية، ومن باعوا سياراتهم وتبرعوا بثمنها، لبناء منازل اسمنتية للسوريين بتكلفة 2650 دولار للمنزل، بالإضافة إلى المساعدات العينية والغذائية والطبية ووسائل التدفئة للأيتام والمحتاجين ...
وكانت جمعية "الإغاثة 48"، قد بنت خلال العام الماضي قرية كاملة للاجئين السوريين من تبرعات العرب في الداخل الفلسطيني أسمتها قرية "يافا البرتقال"، مكوّنة من 600 منزل، في مدينة باسقة بمحافظة إدلب!
سلطات الاحتلال الاسرائيلي مسيطرة على كل قرش فلسطيني
وخلاصة القول فإن من يقف خلف صورة الانتعاش المالي للفلسطينيين وتصويرهم وكأنهم دولة خليجية، هي سلطات الاحتلال المسيطرة على كل المصادر المالية، وهي من تسلط الأضواء على ذلك من أجل الدعاية، ومن أجل القول لشعوب المنطقة: "من هم تحت احتلالنا (سلامنا) يعيشون في أفضل الأحوال مادياً ولا ينقصهم شيء، فماذا عنكم أنتم؟"...!...
سريان مفعول الدعاية الاسرائيلية ضمن أوساط عربية
وقد سرى مفعول الدعاية الاسرائيلية سريان النار في الهشيم داخل أوساط عربية، ومنها فنانون سوريون، فاتخذت هذه الدعاية –من خلال تصريحاتهم- وجهين كوجهيْ العملة، الأول مقارنة دخل المواطن السوري المنخفض بدخل المواطن الفلسطيني المرتفع، وفي ذلك تكريس للدعاية الاسرائيلية بكون الفلسطيني في حالة جيدة تحت الاحتلال، أما الثاني فهو الحديث عن صعوبة التفكير بـ "تحرير فلسطين" وباقي الأراضي المحتلة وسط حالة الفقر والعوز، وهو أحد أهداف الصهاينة...
إحذروا الدعاية الاسرائيلية!
حيث لا يجوز لأحد من المثقفين تجاهل أن الكيان الصهيوني –بشكل أو بآخر- هو من يقف وراء العقوبات على سورية وحصارها، بل والتسبب في حالة الافلاس في المنطقة بأسرها...وعجباً، فجل شعوب المنطقة يعاني من الضائقة المادية باستثناء الفلسطينيين، الذين هم تحت الاحتلال!
أما نداؤنا الأخير لشعوب المنطقة فهو الحذر الشديد من المخطط الصهيوني والدعاية الاسرائيلية، فالوقوع في فخّها إنما يخدم الاحتلال ومراميه، ويدفعه لاستكمال برامجه المعدة للمنطقة.