جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:
على الأرجح فإن حقبة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني، وتصاعد وتيرة التحالف السوري- الروسي، وخاصة خلال الأسابيع الأخيرة، ليس كما قبلها بما تحمل من تغييرات استراتيجية على مستوى قضايا الشرق الأوسط والمنطقة برمتها، حتى وإن بدت هذه التغييرات غير محسوسة، زادها ضبابية تخبّط وشدة تعقد المواقف السياسية ووصول بعضها إلى طرق مسدودة، بل ظهرت أكثر تعقيداً في عجز الغرب عبر دعمه اللامحدود للتنظيمات الإرهابية عن تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية التي خطّط لها كثمرة الفوضى واللاستقرار، هذا العجز الذي أفرز مخاوف جمّة أولها خروج تلك التنظيمات عن السيطرة وانتشار الإرهاب ليطول أمن واستقرار الدول الراعية له نفسها، وبالتالي اختلاط أوراق المنطقة من جديد، كحال مملكة آل سعود التي انحسر دورها وباتت اليوم وبعد غرقها في المستنقع اليمني، أسيرة الانقسام الداخلي للأسرة الحاكمة، رازحة تحت ثقل خلافاتها الخارجية الشائكة التي تهدد مصير المملكة بل ومصير الخليج برمته!.
بالتأكيد وإزاء التحولات السابقة كلها، نحن اليوم أمام انعطافة حادة في مسار الحرب على سورية، أبرز ما فيها أن كل الأطراف أصبحت مقتنعة أنه لا يمكن لطرف التفرد في ترتيب واقعه «الافتراضي» كما يرغب ويشتهي، دليله تعديل الخطاب الأمريكي لمصلحة تصدر الدور الروسي في إيجاد مخرج لأكثر الحروب عبثية في تاريخ العالم والمنطقة، فضلاً عن التقاط موسكو زمام المبادرة في عمل حقيقي لاستئصال «الإرهاب» المعوق الأول والأخير أمام تحقيق وإنجاز أي عملية سياسية قادمة. فأن يظهر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد بالتزامن وبشكل متتالٍ للإعلام، ليعلن كل منهما مواقف واضحة وفي خطاب موحد الأهداف والرؤى ليس مصادفة، إنما هو إعلان صريح عن بدء مرحلة جديدة في مقدمتها ترتيب سلم أولويات الحل في سورية، حيث الاعتراف بأنه لا يمكن ومن دون مكافحة الإرهاب حلّ القضايا الملحة الأخرى والتي تتفاقم يوماً بعد يوم، ومنها قضية اللاجئين وانتشار موجات الإرهابيين شرقاً وغرباً.
رسائل أطلقها كلّ من الزعيمين الأسد وبوتين لكل من يعنيه الأمر، بأن قواعد اللعبة تغيّرت لمصلحة المحور الذي تتسيّده سورية وروسيا وإيران، وأن مخطط الحل يستلزم التوافق أولاً وقبل كل شيء على «مكافحة الإرهاب»، أي إن موسكو باتت معنية بمكافحته إلى جانب الحكومة السورية بأكثر من الدعم السياسي، وصولاً إلى توسيع مروحة الدعم العسكري، حيث أعلن الرئيس بوتين «إننا ندعم الحكومة السورية في مواجهة العدوان الإرهابي، ونحن قدمنا لها وسنقدم في المستقبل جميع المساعدات الضرورية في المجال العسكري التقني». ليأتي حديث الرئيس الأسد مع قنوات الإعلام الروسي، مؤكداً أن علينا أن نستمر في الحوار من أجل التوصل إلى توافق، لكن إذا أردنا أن ننفذ أي شيء حقيقي فمن المستحيل فعل شيء بينما يقتل الناس وبينما لم تتوقف إراقة الدماء ولا يزال الناس يشعرون بانعدام الأمان.. والقول: «علينا أن نهزم الإرهاب وليس فقط «داعش»، وذلك بالتعاون مع الشركاء الذين يمكن التعاون معهم في مكافحة الإرهاب.. وفي مقدمتهم روسيا وإيران».
كلام الزعيمين الأسد وبوتين، وفي دلالاته البعيدة، يرسم الاستراتيجية القادمة التي تم وضعها وتحديدها والتوافق عليها كهدف سيعملان على إنجازه بالتكامل مع جهود كل الأطراف التي يمكن أن تتعاون وتنضمّ لتحقيق هذا الهدف سياسياً وعسكرياً، والتي يتصدر فيها بند مكافحة الإرهاب سلم الأولويات، إذ وبهذا البند وحده يمكن تهيئة المناخ الملائم لأي حل سياسي منشود، وقد أكد الرئيس بوتين أن الإصلاح في سورية يأتي بعد الانتهاء من الإرهاب، وبالقدر نفسه أعلن الرئيس الأسد تصميم سورية وسعيها لتحقيق هذا التوجه الذي يتفق مع الرؤية الروسية، وينطلق من الرغبة العامة للشعب السوري الذي يريد دحر التكفيريين وعصاباتهم المسلحة وتطهير الأراضي السورية من رجس الإرهاب ومموليه وداعميه.
الإستراتيجية القادمة التي أعلنها الرئيسان أمام العالم كله تستوجب للوصول إلى حلّ ينهي الحرب في سورية حشد كل القوى الحليفة، حتى لو تطلّب الأمر مدّ الجيش السوري بأحدث الأسلحة وإرسال قوات عسكرية لمساندته في معركته ضد الجماعات الإرهابية التي صنّعها الغرب، ومن يودّ الالتحاق بهذه الإستراتيجية السورية- الروسية مرحب به، أما من يراوغ إزاء هذا التوجه فإن الأيام القادمة ستفضح مواقفه في تعطيل الحلول التي تحقن الدماء وتحفظ استقرار المنطقة وأمنها، وقد بات واضحاً أن روسيا دخلت ميدان حل الأزمة التي إن بقيت في أيدي الغرب وحده ستظل مشتعلة مدى الدهر، ولاسيما أن هذا الغرب الذي يقوده زعماء هم الأقل شعبية في بلدانهم هُزم في سورية وفشل في تحقيق أهدافه، بل عجز زعماؤه حتى عن الاعتراف بهزيمتهم!!.
عن صحيفة "تشرين"
07:04