جهينة نيوز- خاص
بالطبع لسنا هنا أمام حكمة سياسية، بل أمام ضرورة سورية ملحّة بات عمرها قريباً من سبع سنوات، وقفت فيها البلاد على حافّة الهاوية، وأصبح من الضروري أن تقف كلها على بيضة قبّان حل أوّلي ولو إلى حين...
"سوتشي" ومقاييس الربح والخسارة الوطنية
لقد أسال مؤتمر "سوتشي" للحوار السوري السوري الكثير من الحبر في الوقت الذي أسال فيه ما سبقه من المؤتمرات (السورية الدولية) الكثير من الدموع والدماء، وهذا في مقاييس الربح والخسارة الوطنية خطوة نحو الأمام مع شريك دولي كبير يشارك السوريين منذ سنوات تراجيديا الدم والدموع من أجل الحفاظ على الدولة السورية في وجه الأخطار المحدقة التي لم تقف عند حدود رغبات الولايات المتحدة وبعض أتباعها الأوروبيين والكيان الإسرائيلي في إعادة تشكيل المنطقة استناداً إلى المشروع الصهيوني العالمي، بل انضمّت إليها مطامع "كولونيالية" كلاسيكية متجددة يرفع آخرها شعار "غصن الزيتون" بيد وعصا المستعمر العثماني باليد الأخرى في حركة مقتبسة بابتذال من عقلية "عصملّية" كانت تدّعي الأبوّة والأمومة على "المسلمين"، ولعل مشهد هذه الحركة واضح للعيان من خلال تصريحات "أردوغان" المسرحية التي يتحدى بها الأميركيين في منبج تحديداً ويعلن أنه سيطردهم منها ليعود إليها أهلها، وكذلك الأمر بخصوص بقية المناطق!!! أما المضحك في الموضوع فهو "سنوات الضياع" السوري على يد أردوغان ودوره في المخطط ضد سورية، بينما المبكي هو تصوير المدن والقرى السورية في الشمال وكأنها يتيمة لا دولة أم لها...وكل ذلك يتم ضمن إطار رسمة عالمية جديدة لسورية والمنطقة، يتبادل فيها أعضاء الحربين العالميتين الأولى والثانية الأدوار في البلاد من جديد، أو يكملون ما لم يكتمل لهم في بلادنا خلال الحربين المذكورتين، دون أن ينسوا الوعود المتجددة للصهاينة، والتي أسفر قديمها في الحرب العالمية الأولى عن "سايكس-بيكو" لنا ووعد بلفور لهم، ثم قيام كيانهم الغاصب في فلسطين بُعيْد الحرب العالمية الثانية...واليوم بعد مرور قرن على وعد بلفور ، وأكثر من نصف قرن على إعلان كيانهم، يحصلون على وعد "ترامب" بإعطائهم الزعامة على المنطقة من خلال تكريس يهودية الكيان وإعلان القدس المحتلة عاصمة أبدية لهم، وكل ذلك من بوّابة الحرب على سورية التي يسعون إلى جعلها كيانات دينية وطائفية وعرقية تناسب يهودية الكيان الإسرائيلي...ولعل أحد أهم أهداف انعقاد مؤتمر "سوتشي" كان الإعلان لقادة المخطط الصهيوني العالمي أنه لا مجال لكيانات دينية وطائفية وعرقية في سورية، سواء أثارت مجريات المؤتمر إعجاب المراقبين أم لم تثر، وسواء أعجب المشاركون الغائبين الممتنعين عن الحضور والجمهور المراقب أو لم يعجبوهم...ولعله تقدُّم معقول وحبكة أولى على بساط التفاهم السوري السوري ولو بنسبة 7 بالمئة من مشاركة "المعارضة" التي اعترف بها الحليف، فهذه النسبة لا بد لها أن تزيد في القادمات من المؤتمرات إذا افترضنا أن "سوتشي" المنعقد أواخر الشهر المنصرم ستليه مؤتمرات أخرى تحت الرعاية والضيافة الروسيتين.
صد العدو واستيعاب الصديق، مهمتان سوريتان على الأرض
نعم هنالك راعٍ صديق وحليف لمؤتمر سوتشي، تعرف الدولة السورية والشعب و"المعارضة" أنه لاعبٌ دولي كبير بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمن الجولات السياسية والعسكرية التي يخوضها في سورية ما يُحسب له، ومنها ما يُحسب عليه، وأمس –كمثال- سجّل هذا الراعي "حضور" الولايات المتحدة العسكري في سورية دون أن يسميه احتلالاً، بينما سجّل اللاعب الأميركي غياب هذا الراعي بضربه مجدداً لدير الزور...نعم لهذا الراعي متطلباته، ورغم أن هذه المتطلبات لم تكن في الحسبان الوطني أو ضمن المصالح الوطنية الـمُدرجة، إلا أنها ليست كمتطلبات من رعى "المعارضة" الخارجية واستضافها وموّلها وأهّلها ودرّب عناصرها لسنوات قبل الأزمة وخلالها في غفلة من الرقابة وأدوات القانون... وهنا نعود إلى معايير الربح والخسارة الوطنية وهي الأهم، فأن نكون أكثرية متفاهمة متحالفة –بكفالة راعٍ- في مواجهة التفتيت الكامل للبلاد كمخطط مرسوم منذ زمن، أفضل من أن نكون أقليّة بائسة تواجه الموت وخسارة الوطن، الذي سيتقاسمه الكبار لا ريب من أعداء وأصدقاء...ولا شك أنه أُسقط في أيدينا نتيجة تراكم عوامل لا ينفع معها الآن سوى التدارك قدر الإمكان والاستجابة لأكثر ما يحافظ على وطننا رغم المزيد من الألم، فالموازنة بين متطلبات الصديق وصد العدو مكلفة للغاية وقد يمتد أمدها طويلاً، وهي تندرج ضمن تكاليف المواجهة السورية التاريخية للمخطط الذي يستهدفها، على أن المؤامرة إياها لن تتوقف يوماً ضد بلادنا، فهل نستسلم لها وهي قدر وطننا منذ عصور بعيدة؟! لذا فما يجب فعله الآن هو مواجهة العاصفة معاً ومنع مثيريها من المضي بها ضد بلادنا سواء كانوا في الداخل –من فاسدين- أو في الخارج –من عملاء- والعمل بكل ما أوتينا من قوة وصلابة وحكمة على إطفاء النار لإعادة بناء ما دُمِّر، وبناء ما لم نبنه في سنوات مضت، والتماسك الوطني الملحمي للتمكُّن من صد العدو واستيعاب الصديق، وكلا المهمتين صعبٌ في حالة التعنُّت وتفضيل الرغبة الشخصية على الرغبة العامة، على أن للقانون دوراً واستحقاقات يجب أن تتخذ مكانها ومكانتها بين من يختارون العيش في الدولة السورية، وذلك لفض القضايا التي تتخذ طابعاً شخصياً وتؤثر بمجملها على حالة الوئام الجماعي في البلاد.
سورية لم تقصّر في صد العدو
وفيما يخص موضوع صد العدو، فلقد خضنا -ولا زلنا نخوض- المعارك الطاحنة على الأرض وقدّمنا عشرات الآلاف من الشهداء والضحايا، كما خضنا مثيلات تلك المعارك في الأمم المتحدة و"جنيف" و"فيينا" و"أستانة"، وجل المدن السورية في إطار المصالحات، وكنا في كل مرحلة قاب قوسين أو أدنى من السيناريوهات النهائية القاتلة التي إن وقعت، فإنما سيغدو كل منا أثراً بعد عين، وسيتحوّل اسم بلادنا الموحد إلى ذكريات في أضابير الأمم المتحدة.
استيعاب الصديق غاية لم ندركها
أما فيما يخص موضوع استيعاب الصديق، فكان علينا أولاً أن نجعله يستوعبنا بإزالة التناقضات في الأداء المحلي وتوحيد التوجهات المصيرية من خلال جبهة محلية موحدة ومتينة متصلة مع الشعب وآلامه وآماله، فسنوات الأزمة السبع أكّدت وجود شروخٍ ما في البنيان الداخلي لا يتّسع المجال هنا للخوض فيها لأنها مسألة شائكة، ولكن لنلقِ بعض الأضواء على عناوين ظهرت في الساحة مثل انسجام بعض المثقفين الرسميين وبعض المحسوبين على "المعادلة الوطنية" ووسائل إعلام محلية مع موضوع المشروع الكردي بكل مسمياته، والتغاضي عن بعض الأخطاء في الملف الثقافي...ثم موضوع الأداء المحلّي برمّته والذي بدا ضعيفاً، فهو أداء لم يقنع المواطن ليقنع الصديق الأجنبي بوجود حالة عامة وطنية ثقافية وأخلاقية حقيقية وفعّالة تشكّل إطاراً متيناً لجبهة محلية موحدة بقيادة رئيس الجمهورية، لا تسمح للصديق ببحث خيارات سيئة أو الإنصات إليها..
الحفاظ على مؤسسات الدولة أم الحفاظ على الدولة كلها؟!
إن الضعف في الأداء المحلّي –والذي عكسه الإعلام المحلي وأسهم فيه- أبرز على السطح حالة في البلاد وهي أن الجميع ليسوا على قلب رجل واحد، وهذا ملموس في تنصُّل بعض المسؤولين من مسؤولياته والتزامه الصمت في مواقعه على مكامن الخلل وعدم اتخاذ المواقف والإجراءات الضرورية في حينها أو حتى بعد مضيّ مناسباتها، ولا سيما المواقف والإجراءات التي لا تتطلّب رسميات العمل...كما برز في المؤسسات من يسوّق نفسه لأية مرحلة قد تكون قادمة، مما يعكس احتمال وقوف بعض المسؤولين على الحياد –على الأقل- في معمعة حسابات شخصية مع المستقبل، مهما بلغت دقّتها فهي مرفوضة، كما قد يعكس ذلك العبارة المكررة كثيراً في الاجتماعات الدولية بخصوص سورية وهي عبارة "الحفاظ على مؤسسات الدولة"، التي ترددت على حساب عبارة "الحفاظ على الدولة"...وقد ردّد تلك العبارة كل أعضاء المعارضة الخارجية ورعاتهم ممن أسموا أنفسهم "أصدقاء سورية"، فأي حفاظ على مؤسسات الدولة فيما تتعرض الدولة كلها لمخطط تدمير؟ مما يعني بوضوح أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن أشخاصاً ما مفترضين في المؤسسات سيجسّدون الحفاظ على صيغتها المطلوبة غربياً، وكما يريد هذا الغرب لهذه المؤسسات أن تكون في مرحلة قادمة بضمانة أشخاص مفترضين.
مسبّبات الاحتقان الداخلي تتناقض مع تعليمات رئيس الدولة
لقد شهدنا الكثير من التصرفات اللامسؤولة لبعض المسؤولين من خلال أداء غير مدروس في المؤسسات يؤدي بطبيعة الحال إلى حالة احتقان داخلي تتناقض مسبباته مع تعليمات رئيس الدولة وفكره... وهذه الظروف التي نعيشها، إنما يشهد بعض التاريخ بمثلها حين يتابع القائد المسيرة بثوابته ثم ينظر خلفه فيرى الفرقة وتناثر الأهواء... وهذه الأجواء تسمح للعدو بالضغط على الصديق، وللصديق بالضغط على صديقه، فيطول أمد المسألة ويحصد الصديق في نفس الوقت أتعابه ويضمن مصالحه إلى أن يحين الوضع النهائي بعد اكتمال سلسلة المصالح، وهو وضع ستقرره الدول الأجنبية حتماً في هذه الحالة.
هل يأتي "سوتشي" بأفضل مما كان؟
إنها ظروف صعبة للغاية تلك التي تعيشها البلاد، لا يستطيع جنرالات الحروب وحكماء السياسة تجاوزها بسهولة، وللخلاص السوري من هذه المعضلة غير المسبوقة في التاريخ، لابد من الحفاظ على موقع سورية في محور المقاومة والمتابعة بصبرٍ وتأنٍّ، والمناورة الذكية بين ما يكفله الصديق وبين ما يكبح جماح العدو، والمراقبة الدقيقة جداً لأداء بعض المؤسسات والقائمين عليها، وليكن "سوتشي" القادم أفضل من الذي كان ومما كان!
04:55
18:16
18:24
18:41
23:32
02:42