جهينة نيوز-خاص
مضت سنتان ونيّف على أولى المحاولات الروسية لعقد مؤتمر يخص عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وذلك بعد تسع سنوات من الأحداث الدامية التي تسبب بها الارهاب المكلّف من قبل قوى دولية وإقليمية، ما زال بعضها يحتل أجزاء من سورية، ويدعم الفصائل الارهابية فيها...وفيما يشكل ذلك عائقاً كبيراً أمام عودة اللاجئين إلى وطنهم، بالإضافة إلى بطء عجلة إعادة الاعمار، والمعاناة الكبيرة المتمثلة في عقوبات القانون المسمى بـ"قيصر"، اتفق الجانبان السوري والروسي على عقد المؤتمر في الحادي عشر والثاني عشر من شهر تشرين الثاني الحالي بدمشق، وسط نزاع دولي بين أهم الأطراف الفاعلة والمؤثرة في ملف اللاجئين السوريين، بل وفي الملف السوري عموماً...فكيف سيكون المؤتمر، وهل سيقتصر على إيداع رسائل سياسية روسية في صناديق بريد الدول ذات العلاقة، أم سيكون قراراً سورياً –مع حلفاء سورية- لتسريع مسيرة العودة للاجئين وتسهيلها، بغض النظر عن كل العراقيل والمعيقات الدولية؟!
وجهة نظر الرئيس الأسد حول المؤتمر:
خلال اتصال عبر الفيديو مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقبل يومين من انعقاد المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين إلى سورية، أكد الرئيس بشار الأسد أمس التاسع من شهر تشرين الثاني 2020، أن قضية اللاجئين قضية إنسانية مهمة، وتعتبر قضية وطنية ذات أهمية بالغة بالنسبة لسورية، وأن "كل منزل في سورية يهتم بقضية اللاجئين، وهذا الموضوع أولوية بالنسبة لنا كحكومة خلال المرحلة القادمة، خاصة بعدما تم تحرير جزء كبير من الأراضي وانحسرت رقعة المعارك بالرغم من استمرار الإرهاب".
وأضاف الرئيس الأسد أن "الجزء الأكبر من اللاجئين يرغب بالعودة الى سورية خاصة بعدما قامت الدولة بتقديم عدد كبير من التسهيلات، البعض منها تشريعي والبعض الآخر متعلق بالإجراءات من أجل عودتهم"، وأن "الحصار الغربي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية يشكل عقبة كبيرة في وجه عودة اللاجئين"، على أن الجهود الروسية يمكنها أن تخفف او ترفع أو تزيل هذا الحصار"، موضحاً أن إعادة اللاجئين "بحاجة إلى تأمين الحاجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم كالمياه والكهرباء والمدارس، وأن الحكومة السورية مستعدة ومتحمسة لموضوع عودة اللاجئين.
الرئيس بوتين بين إعادة البناء وعودة اللاجئين:
من جانبه أكد الرئيس بوتين أن سوريا يجب أن تركز حالياً على إعادة البناء، فيما تعرضت الجماعات المتطرفة في البلاد للهزيمة إلى حد كبير... وأضاف: "روسيا تؤيد عقد مؤتمر دولي بشأن اللاجئين، والوفد الروسي سيكون من أكبر الوفود المشاركة"، وتابع قوله: "عاد أكثر من 850 ألف مواطن سوري من الخارج وأكثر من 1.3 مليون عادوا إلى أماكن سكناهم الدائمة داخل البلاد، مشيراً إلى إمكانية العودة الجماعية للاجئين إلى البلاد، فهناك –حسب تصريحه- أكثر من 6.5 مليون لاجئ خارج سوريا معظمهم مواطنون قادرون على العمل في إعادة إعمار سوريا"، مضيفاً أن "حجم الكارثة الإنسانية في سورية ما يزال كبيراً.. وروسيا تؤيد عقد المؤتمر الدولي حول اللاجئين، وهي مستمرة في بذل قصارى جهدها لإنجاحه، والتنسيق والتشاور مع الحكومة السورية لاتخاذ كافة الإجراءات والتسهيلات لتمكين اللاجئين ومساعدتهم على العودة إلى وطنهم.
توصيف الخارجية السورية للدور الغربي في مسألة اللاجئين:
وكان وزير الخارجية وليد المعلم قد أبلغ المبعوث الأممي "غير بيدرسن" خلال لقائهما أواخر شهر تشرين الأول الماضي، "انتقاد سورية للدور الغربي في وضع شروط واختلاق حجج واهية لعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، الأمر الذي يؤكد تسييسهم لهذا الملف الإنساني البحت واستخدامه كورقة في تنفيذ أجنداتهم السياسية"...
ومن جهته، عبّر مندوب سورية لدى مجلس الأمن "بشار الجعفري" في مداخلة أمام المجلس عن "تطلع سورية لمشاركة الدول الأعضاء في مجلس الأمن في المؤتمر المقرر عقده بدمشق، وطالب المجتمع الدولي بدعم جهود الحكومة السورية وحلفائها من أجل تحسين الوضع المعيشي والإنساني في سورية، وتسهيل عودة السوريين بكرامة وأمان إلى وطنهم ومنازلهم".
المؤتمر وغموض المشاركة الدولية:
تشير مصادر إعلامية أن المؤتمر المزمع عقده يومي الحادي عشر والثاني عشر من شهر تشرين الثاني في دمشق، سيناقش عودة اللاجئين إلى سوريا وكذلك النازحين داخلياً إلى منازلهم في البلاد، على أن الجهات المشاركة في المؤتمر لم تتضح بدقة بعد، فيما عُرف أن المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا "عمران رضا" سيحضر المؤتمر بصفة "مراقب، بينما أعلنت إيران دعم المؤتمر و"أهمية إيجاد حلول لقضية اللاجئين باعتبارها قضية إنسانية وتبني الثقة بين الأطراف السورية وكذلك نتائجها الإيجابية في إيجاد حل سياسي للأزمة في هذا البلد"، وقد دعت إيران المجتمع الدولي للمشاركة الفاعلة في المؤتمر...
"لبنان أولاً"، حضوراً وشعاراً:
ومن جانبه يعتزم لبنان المشاركة من خلال وزير الشؤون الاجتماعية...وكان الرئيس اللبناني ميشيل عون قد أعرب، خلال استقباله لوفد روسي برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الروسي المكلف بالشؤون السورية، ألكسندر لافرنتييف، أواخر شهر تشرين الأول الماضي، عن أمله في أن يسهم مؤتمر دمشق في إيجاد حل سريع لأزمة اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم، بعد استقرار مناطق عدة فيها، لافتاً إلى أن لبنان لم يعد قادراً على تحمل المزيد من التداعيات السلبية لنزوح السوريين إلى بلده، الذي تكبّد خسائر تجاوزت الـــ40 مليار دولار أميركي وفق أرقام صندوق النقد الدولي.
وقد أردف الرئيس اللبناني قائلاً إن أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان ونحو 500ألف لاجئ فلسطيني، يشكلون نصف سكان لبنان، مما يؤثر على مختلف القطاعات فيه، لا سيما مع الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، مع تداعيات جائحة كورونا وانفجار بيروت المدمر.
واعتبر "عون" أن المبادرة الروسية التي انطلقت في عام 2018 لإيجاد حل لازمة النازحين السوريين، لم تكتمل بسبب مواقف عدد من الدول الغربية التي لم توفر التمويل اللازم لهذه المبادرة، إضافة إلى أن ربط هذه العودة بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية هو أمر غير مشجع، حسب تعبيره...
وأشار عون إلى أن المساعدات الدولية التي تقدم للنازحين السوريين ينبغي أن تقدم لهم في سوريا، لأن ذلك يشجعهم على العودة ويضمن استمرار مساعدتهم.
بُنى تحتية روسية للاجئين:
وفي المقابل، شدد لافرنتييف على استعداد بلاده لتقديم الدعم، لاسيما لإعادة تأهيل البنى التحتية التي تضررت في سورية، لكنه –أي لافرنتييف الذي زار دمشق وبيروت وعمان- لم يقم بزيارة تركيا التي أعربت عن "خيبتها" من ترتيبات عقد المؤتمر دون التنسيق معها باعتبار أنها أحد أضلاع مثلث ضامني "آستانة"، وتستضيف قرابة 3.5 مليون من السوريين...
"المجموعة المصغّرة" وعراقيلها:
وكانت روسيا قد أعلنت في مطلع شهر أيلول عام 2018، أن مؤتمراً تاريخياً حول عودة اللاجئين سيعقد في سوريا، على أمل المشاركة المباشرة من قبل كل الدول والمنظمات الدولية، وأولها هياكل منظمة الأمم المتحدة في هذا الحدث... ولكن لم تمض أيام على الإعلان المذكور حتى اجتمعت المجموعة المصغّرة للدول السبع المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والسعودية والأردن ومصر، وأصدرت إعلان مبادئ في 14/9/2018 ذكرت أنه موجّه لروسيا على وجه الخصوص، وضمّنته مجموعة ممّا سمّته من "شروط ضرورية لعلاقات طبيعية مع الحكومة السورية، تنجم عن العملية السياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254"، واشترطت أنه "لن يكون هناك مساعدة دولية في إعادة الإعمار في المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية، ما لم يتم تأمين عملية سياسية تؤدي إلى إصلاح دستوري وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة...
هذا ولم يعقد المؤتمر عام 2018، ولم تتم الاستجابة للمبادرة الروسية آنذاك...فيما اجتمعت المجموعة المصغّرة حول سوريا مجدداً أواخر شهر تشرين الأول الماضي ، بدعوة من وزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو"، وذلك في إطار محاصرة المؤتمر السوري الروسي، وشارك في الاجتماع وزراء خارجية مصر والسعودية ووزراء من ألمانيا، والمملكة المتحدة، وأمين عام وزارة الخارجية الفرنسية، وكان هدف الاجتماع –حسب صحيفة الشرق الأوسط- "ضبط الإيقاع" بين الدول الأعضاء في "المجموعة المصغرة" إزاء عدد من "الملفات السورية"، بينها العملية السياسية ومؤتمر اللاجئين المقرر في دمشق يومي 11 و12 من الشهر الحالي.
نص الدعوة الروسية للمؤتمر:
"تحتل تسوية أزمة الجمهورية العربية السورية وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها قمة أولويات أية أجندة دولية، وفي هذا الصدد، ترى روسيا أنه من المهم عودة اللاجئين والمشردين في مختلف أنحاء العالم إلى وطنهم، ونظرا لأن الأزمة في سوريا قد استقرت نسبياً، بينما زادت الأعباء على الدول المضيفة للاجئين، من الواجب على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده بهدف تقديم دعم شامل لجميع السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم، وكذلك إيجاد الظروف المناسبة لمعيشتهم (البنية التحتية والمرافق المعيشية والدعم الإنساني وتهيئة الظروف المناسبة للاجئين باستعادة البنية التحتية الأساسية والاتصالات، وبناء المنازل، والقيام بإزالة الألغام للأغراض الإنسانية(... ويقترح الاتحاد الروسي والجمهورية العربية السورية عقد مؤتمر دولي في دمشق خلال الفترة من 10 - 14 تشرين الثاني لمناقشة سبل تقديم الدعم للاجئين والمشردين بمختلف دول العالم، وكذلك مناقشة إحلال السلام في سوريا"...
نص الدعوة السورية للمؤتمر:
"تمثل عودة الأمن والاستقرار إلى مساحات واسعة من أراضي الجمهورية العربية السورية وكذلك عمليات إعادة إعمار وتجديد البنية التحتية، خطوة جوهرية لتوفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والمشردين السوريين إلى مدنهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية"... كما أشارت الدعوة إلى "صدور عدد من قرارات العفو وتسوية الأوضاع للمواطنين الذين أجبرتهم ظروف الحرب على مغادرة البلاد بصورة غير قانونية. وفي سبيل ذلك، تؤكد الحكومة السورية دائما استعدادها لتقديم كافة سبل الدعم للمواطنين العائدين من الخارج بما يوفر لهم حياة كريمة، كما تدرك الحكومة أن الخسارة الأعظم في الحرب الدائرة في سوريا تتمثل في رحيل أبناء سوريا وكوادرها المؤهلة عن وطنهم، ما يتطلب عدم ادخار أي جهود لتأمين عودتهم إلى وطنهم ومشاركتهم في جهود الإعمار. وفي سبيل مناقشة سبل تسهيل عودة هؤلاء المواطنين إلى سوريا، تتشرف الحكومة بدعوتكم للحضور للمشاركة شخصياً في المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين المقرر انعقاده في دمشق يومي 11 - 12 تشرين الثاني 2020، ونؤكد على أنه قد تم اتخاذ كافة الاحتياطات الصحية الخاصة بالوقاية من فيروس (كوفيد 19)، وضمان نجاح المؤتمر في إيصال رسالة أمل للسوريين في الخارج أن بلادهم في انتظارهم"...
وختاماً، فلا شك أن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم –حسب وجهة النظر السورية- لا تحتاج إلى مؤتمر سوري، لأنها موضوع استعداد سوري دائم، وإجراءات لم تتوقف لعودة كل سوري إلى مدينته وقريته ومنزله، وفيما يرى الجانب الروسي أن المؤتمر ليس مؤتمر عودة لاجئين فحسب، بل مؤتمر سلام سوري في دمشق، فليكن المؤتمر، وهو في أسوأ الأحوال الدولية المحيطة بسورية، خطوة سينظر السوريون إليها بتأنٍّ، فيما لو لم يحقق المؤتمر نتائجه العملية والعملياتية المرجوّة.
20:05
20:46