الكبش السعودي على مذبح «جنيف 2»..؟

الخميس, 5 كانون الأول 2013 الساعة 18:07 | مواقف واراء, كتبت رئيسة التحرير

الكبش السعودي على مذبح «جنيف 2»..؟

جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:

دخلت المنطقة والعالم مرحلة توازنات جديدة، بدأت تتبلور ملامحها وتتوضح بعد التقارب الأمريكي مع إيران الذي يحمل في ظاهره تفاهماً حول «النووي الإيراني»، وفي مضمونه إعادة تشكيل المنطقة وفقاً للواقع المستجد الذي سقطت فيه هيمنة القطب الأوحد، وظهر عالم جديد متعدد الأقطاب.

وعلى الرغم من أن التصريحات تقول إنه لم يناقش على طاولة المفاوضات إلا النووي الإيراني، ولكن من الواضح أن هذا الاتفاق سيشكل مدخلاً مهماً لرسم خريطة جديدة للمنطقة، مقدمته قرار البيت الأبيض بالابتعاد عن قضايا الشرق الأوسط الشائكة، وتأمين انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، فضلاً عن ضمان أمن الحليف الإسرائيلي من خلال العمل الحثيث على حل القضية الفلسطينية سريعاً، إضافة إلى الواقع الخليجي المتأزم في ظل المستجدات الراهنة، وهذا ما أكده الكاتب والصحفي باتريك سيل، مشيراً إلى أن أمريكا لديها قرار بإنشاء توازن بين إيران والدول العربية، وأنها تريد الانسحاب من المشاكل في منطقة الشرق الأوسط وتخفيف أعبائها.

وسيلاحظ المتابع أن أبرز نتائج وتجليات هذا التقارب، الإعلان عن مؤتمر جنيف في 22 كانون الثاني مباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق النووي الإيراني، وعلى ما يبدو أن هذا المؤتمر سيعقد دون انتظار غودو «توحيد المعارضة»، أي عقده بمن حضر لتنفيذ قرارات تعدّ جزءاً من الاتفاق الأمريكي- الإيراني- الروسي، وهو ما يُترجم في التصريحات الروسية ذات النبرة المختلفة، وبضرورة إسراع «المعارضة» في تثبيت حضورها في موسكو والتي جاءت على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، حين طلب من المعارضة الحضور إلى موسكو بأسرع وقت ممكن، وأنه من مصلحة «الائتلاف السوري» الحضور إلى موسكو قبل 20 كانون الثاني المقبل، وقول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري (أحذر المعارضة السورية من أن عدم حضورها «جنيف2» قد يفقدها مبرّر وجودها)!!.

إذاً التصريحات المتتالية تقرع جرس الإنذار، منبّهة إلى أن عجلة جنيف بدأت بالدوران وعلى الراغبين في الالتحاق بها القدوم إلى المؤتمر من دون شروط مسبقة، وقد استوقفنا تصريح روسي آخر هو أن لا مكان لأي إرهابي في المؤتمر، ما يعطي المتابع انطباعاً بأن البند الرئيسي في أجندة المؤتمر محاربة الإرهاب الذي بات حاجة ملحة للدول الغربية، والتي أكدتها الزيارات المتلاحقة التي يقوم بها مسؤولون أمنيون غربيون لسورية ليطرح  ذلك تساؤلاً محقاً: هل يمكن لرعاة جنيف أن يجدوا الطرف «المفاوض» مع الدولة السورية، دون أن يصنّف في خانة الإرهابيين، حتى في المعايير الأمريكية المزدوجة، فمن يصدّر نفسه على أنه يستطيع أن يمون على المجموعات الإرهابية من «القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة»، إما أن يكون ممولاً أو قناة اتصال مع ممولين، أي إنه ضالع حتى أذنيه في الإرهاب كحال الكثير من المنافقين وبعضهم بلبوس المعارض الوطني، ومن يريد الحضور وهو لا يملك صوتاً في الشارع، لا بل أكثر ذلك لا يعرف من شوارع سورية إلا رصيف بيته إن كان يتذكره كحال من يدّعي الاعتدال، ولربما في خضم التسويات الكبرى أن يضغط الغرب ويفرض أحد الأسماء كتاجر الغنم ومروّج المخدرات أحمد الجربا وغيره، ولكن كيف لهذا الغرب أن يضمن له أن يأتي إلى سورية ويمشي في شوارعها وبين أسر الشهداء والجرحى والصابرين أملاً بالنصر القادم؟!.

يدرك هذا المأزق العدو قبل الصديق وأنه من المستحيل تكوين جسم معارض واحد وسط تعدّد المعارضات التي تتبع كل واحدة منها لحظيرة مختلفة باختلاف أهداف دول العدوان، ويدرك أيضاً استحالة تمرير دمى ناطقة باللهجة الخليجية على الشعب السوري الذي بذل من التضحيات ما جعل كلمته هي العليا في أي محفل يسعى إلى حل سياسي.

كما أن هناك جملة من الأسباب الجوهرية التي تؤكد أن السعي الغربي لعقد «جنيف 2»، إنما هو نافذة للخلاص ومدخل للانفتاح مجدداً على سورية، وخاصة في الملف الذي يؤرّق الحكومات الغربية ونعني بذلك ملف الإرهاب.

وعلى الضفة الأخرى، أدركت مملكة آل سعود الهرمة، والتي ما زالت تتبع سياسة تقليدية عاجزة عن استيعاب التحولات الإقليمية والدولية، والفاشلة في كل الملفات الفلسطينية واللبنانية، منطلقة من حقد تاريخي على شرفاء العالم، أن معركتها في سورية خاسرة، وأن ما عجزت عن أخذه بالحرب ودعم التكفير والإرهاب، لا يمكنها أن تأخذه السياسة لا في «جنيف 2» ولا غيره، وتدرك جيداً أن معركتها مع إيران لا تملك مقوماتها للفارق الشاسع بين الدولتين، فإيران طرف جامح في تقدّمه وتأثيره في العلاقات الدولية، فيما الطرف السعودي الوهابي مشلول وساقط سقوطاً حراً يعمه في غيّه وحقده، متيقن أنه لا يعدو أن يكون سوى كبش فداء في «جنيف 2»، والحقيقة البيّنة أن الصوت السعودي المعارض لأي تسوية في المنطقة سيبقى كذلك، ذلك أن آل سعود بذلوا واستنفدوا كل شيء لتحويل البوصلة من كون «إسرائيل» هي العدو إلى إيران «كعدو للإسلام والعالم العربي»، حيث أصبحت مملكتهم المتهالكة أسيرة ما بنته من سياسات أساسها العداء لإيران والمحور الذي تمثله. وهذا الإدراك تجلّى في إمعانها في تسعير نيران الإرهاب الذي لا تتقن سواه.

أولى ردّات الفعل السعودية على فشلها في المنطقة، كانت اللجوء إلى «إسرائيل» الحليف العضوي والتاريخي، فظهر على خريطة المنطقة التحالف السعودي- الإسرائيلي الذي كان لعقود خلت ينسّق سياساته من خلف الكواليس، ومع دخول المنطقة نقطة اللاعودة في توازن جديد انتقل هذا التحالف إلى العلن، وتمثّل بغرف عمليات مشتركة تقود العمليات الإرهابية في كل من سورية والعراق ولبنان، مترجمة بذلك استياءها على الطريقة الوهابية!!.

كما طفا على سطح الأحداث أيضاً لهاث سعودي محموم لإشعال وتسعير المعركة الطائفية التي حضّرت لها الساحة اللبنانية، بدءاً من طرابلس بعدما فشلت في استدراج جمهور حزب الله إلى الفتنة من خلال القيام بتفجيرات في مناطق ذات حساسية معينة، مترافقة مع أصوات تملأ الساحة «الإعلامية» لفئران المختبرات الصهيووهابية من جماعة 14 آذار تؤجج الفتنة الطائفية، التي تحاول اليوم استدراج جبل محسن عبر الهجمات الإرهابية وإطلاق النار على أرجل شبانه، والتهديد بمحاصرة الجبل وقطع المياه والكهرباء عنه، بهدف تعميق الهوة بين الطوائف تحضيراً لساعة الصفر التي تفتح لبنان على صراع خيارات إستراتيجية بلبوس طائفي ومذهبي.

ومع انكفاء حزب «العدالة والتنمية» إلى الداخل التركي، وتخلي البيت الأبيض عن أردوغان، تجهد السعودية لعرقلة عقد مؤتمر جنيف في محاولة لشراء وكسب الوقت أملاً في تقدم ميداني يمكّنها من دخول دائرة التسوية القادمة والهروب من شبح الهزيمة المدوية التي تنتظرها، فضلاً عن زج الأردن كلياً في المعارك الدائرة عبر ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية.

ولعلّ الغزوة السعودية لريف دمشق الشرقي عبر الأردن تأتي كمحاولة مستميتة لتأمين خطوط إمداد للمجموعات التكفيرية والعصابات المسلحة التي يحاصرها الجيش العربي السوري ويحكم الطوق حولها، بهدف إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بالإضافة إلى تفجير السفارة الإيرانية في بيروت وتوسيع دائرة إرهابها باتجاه العراق ولبنان، والعمل على تجنيد المتطرفين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، والزج بالكثير من ضباط الجيش والاستخبارات السعودية في قيادة المجموعات الإرهابية، خطوة لا يمكن أن تصنّف إلا في خانة الفاقد لأعصابه من هول الإفلاس في معاركه الفاشلة، لأن الصراع الدائر بين محور المقاومة والمحور الغربي هو صراع مصالح وإرادات، ويبدو واضحاً العقل البدائي السعودي، وأن أكثر ما يسعى إليه هو الانتقام لأن المواقف والخيارات محسومة مهما بلغت التضحيات لدى المحور المقاوم، ما يدفعنا للجزم بأن السعودية تنتحر في تصديرها للإرهاب الذي يضرب المنطقة والعالم، ولا نبالغ في القول إن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تغضّ الطرف عن إمعان آل سعود في استخدام الإرهاب كورقة بيد واشنطن لتحقق مكاسب أكبر في بازار التسوية، ومن جهة أخرى كي تنهي السعودية نفسها بنفسها!.

أخيراً.. لم يعد هناك من خشية في القول إن «إسرائيل» وحليفها السعودي هما رأس الإرهاب في المنطقة والعالم، وأن معركتنا اليوم مع محور الجهل والتخلف والعمالة الذي لا يمكن في حال من الأحوال الالتقاء أو التعايش معه بالتراضي. وفي ضوء ذلك بات لزاماً علينا إن أردنا الانتصار على العدو الخارجي أن نستأصل منبع الضعف في البيت العربي الداخلي، ونكون في حالة مواجهة مفتوحة فرضها آل سعود، وهذا العامل هو الأهم لنتمكن من تحدي الأطماع الغربية في منطقتنا، أما فيما يخص «جنيف 2» فكلنا ثقة بأن الغرب إن صدقت نيته في الحل السلمي للأزمة في سورية سيبدو مقتنعاً أن لا حلول وهمية بل حلول يمكن أن تأخذ طريقها إلى التطبيق جازمين أن لا مكان لآل سعود فيها أبداً.

عن صحيفة تشرين

أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 السّا موراي الأخير
    5/12/2013
    20:25
    تحليل موفّق
    مقالةٌ موفقة و يستحقّها آل مردخاي - سعود لكي يعرفوا مصيرهم المحتوم نتيجةً لعهرهم و سوء سلوكهم. أعجبني جدا استخدامكِ لجملة:(أدركت مملكة آل سعود...) صحيح جداً؛ نحن من الآن فصاعداً,وبعد أن فضحهم نارام سرجون بأنهم أحفاد مردخاي من البصرة, سنحرمهم من الاستمرار بالانتماء الكاذب للعرب. إذن مملكة آل سعود و ليست (المملكة العربية السعودية). و من هنا يأتي الأساس الأخلاقي لشعبنا في شبه الجزيرة العربية بأن يتبرّأ منهم و ينتفض عليهم تمهيداً لمحقهم و محوهم من الوجود. و لكي يقوم شرفاء الأمة العربية بالتطرّق إليهم كعدو إسرائيلي يحتلّ نجدَ و الحجاز. هذه وظيفةٌ بيتية لكل عربي شريف. إذا كنتم رجالاً فارفعوا قُفّاز التحدّي.
  2. 2 سنا
    5/12/2013
    21:04
    مقالة رائعة
    تحليل منطقي للأحداث بوركت أيتها الكاتبة تعودنا دائما على حروفك المضيئة التي تسعدنا
  3. 3 سوري مستغرب
    5/12/2013
    22:45
    كل ما ذكرتيه يلخص الحالة تماما
    شكرا استاذة فاديا على طريقة السرد المهذبة الراقية والواضحةوالصريحة لكن أحب أن أضيف أنه لا يمكن التعويل أبدا على الخليج وشعبه بالمجمل إلا من رحم ربي فهم توارثوا مجموعة من الأمور أهمها العبودية والعمالة والغدر سمة شائعة بالخليج إن أضفنا لها الجهل والتخلف والرجعية وزيناها بالدين الوهابي التكفيري نصل إلى نتيجة واحدة أنهم سائرون إلى طريق واحد التبعية لاسرائيل والانتحار على طريقة من يرسلوهم والعالم كله بدأ يتقيأهم وينفرمنهم والقادم في بلادهم أعظم
  4. 4 أبن البلد
    6/12/2013
    08:11
    الصفعة التي أيقظتني...والزوايا المعتمة ..!!!؟؟
    لسيدة فاديا جبريل، لم أعرف كاتباً أيقظني بصفعاته من سباتي سوى القليل وأنت أولهم!!بجراءة كتاباتكِ وبتوجيهكِ للأضواء لزوايا معتمة لم ينتبه لها القارىء..أول الزوايا: التوازن بين أيران والدول العربية..برأيي كفة الميزان "طابشة" لطرف أيران لأن الدول العربية(باستثناء محور المقاومة!)لم يكن لها وزنا في أهم قضايا الدول العربية"فلسـطين"؟؟منذ أحتلالها حتى يومنا هذا..والدليل جامعة الدول العربية وملوكها وقراراتها!!؟؟ أما "زاوية" جنيف2 فهي قاتمة جداً لأنها لن تُعقد حتى تستهلك أمريكا أكبر قدر ممكن من ثروات آل سـعود!!أما المعارضة بكامل مكوناتها+جبهة النصرة+داعش+القاعدة ليست سوى "جوكر" في جعبة أمريكا الأسرائيلية ستظهر على طاولة المفاوضات وقت الحاجة أو تُحرق عند مرور صلاحيتها وهذا مايبرر وجود المعارضة....
  5. 5 أبن البلد
    6/12/2013
    08:16
    2- الصفعة التي أيقظتني...والزوايا المعتمة ..!!!؟؟
    ... أما الغرب فهو لا ولن ينتظر جنيف 2 كنافذة سَتُفتح ...!! فهي مفتوحة منذ بداية 2013 والدليل القنوات التي تحاول أو تفتحها الدول الغربية مع الدولة السورية لحرصها على عدم عودة "الجهاديين" إلى أراضيها، همُها الأكبر لمرحلة مابعد الأزمة السورية..!!أما آل سـعود فهم لم يلجأوا إلى دولة إسرائيل..،بل هما منذ الأزل توءمان والتاريخ يثبت ذلك!!؟؟ولا وجود لآل سـعود في المعادلة الأمريكية الأسرائيلية بل الوجود لخزنة وثروات آل سـعود... أما أردوغان و14 آذار وبقية الكورال السعودي أصبحوا من الماضي ينتظرون إعادة تأهيلهم للجولة القادمة في لعبة مع "سـوبر ماريو" ،السيد فاديا جبريل .... شـكراً للصفعة فقد أيقظتني ،بإنتظار إضائة زوايا أخرى معتّمة..وصفعة أخرى علنا نسـتيقظ من سـباتنا العروبي ..!!؟؟

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا