ما يريده الغرب.. وما يريده السوريون؟

الأحد, 26 كانون الثاني 2014 الساعة 18:36 | مواقف واراء, كتبت رئيسة التحرير

ما يريده الغرب.. وما يريده السوريون؟

جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:

وانطلق «جنيف2» الذي بدا واضحاً في جلسته الافتتاحية أن الناظم الوحيد لتحرك الغرب ومرتزقته من «أعراب» الخليج وسواهم، وإن اختلف التكتيك، هو تغيير وجه سورية الحضاري إلى وجه يشبه في ملامحه الصورة النمطية لتلك الدول العربية التي رسمها الغرب، حيث الكيانات المصطنعة الضعيفة الهزيلة الفاقدة السيادة والقرار المستقل، يديرها منتدبون صهاينة فاسدون، هم فقط مصدر للمواد الخام والأيدي العاملة، لا يملكون ثرواتهم لأنهم لا يستحقونها. كما بدا واضحاً أيضاً عجز الغرب عن تدوير نفايات بعض السوريين في تصنيع دمى سياسية على شاكلة الجربا وغيره من عبيد المال «زعران فنادق الدوحة واسطنبول» المعوّل عليهم أمريكياً وأوروبياً أن يكونوا بديلاً للدولة السورية!!.

على أن اللافت أكثر هو الاستقتال واللهاث الغربي ومن خلفه إصرار حلفائه المنهكين المهزومين على الدفع «بالعبطة» والضغط باتجاه تشكيل حكومة انتقالية تملك كل الصلاحيات، تسيطر على الجيش والاستخبارات والأمن، الأمر الذي يسعون من خلاله وعبر بوابة «جنيف2» لتحصيل ما عجزوا عنه طوال ثلاث سنوات من الحرب على سورية.

في مونترو توحّدت كلمات أعداء سورية تحت عبارتين تختصران كل هذا اللهاث، وتشكلان معنى ومغزى هذا الاستقتال هما: «سورية الجديدة» و«الحكومة الانتقالية»، وهذا ما كان قد صرح به سابقاً الأخضر الإبراهيمي في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه عن موعد «جنيف 2»، حينما قال: «إننا نركز في تحركنا على رسم سورية الجديدة»، ولاحقاً الأمين العام للأمم المتحدة، حين أعلن عن باب الدخول نحو تلك الـ«سورية الجديدة» عبر تشكيل «حكومة انتقالية تسيطر على الجيش والأمن والاستخبارات»، والمفتاح في قول جون كيري «إنه لا يمكن تحقيق السلام في سورية في ظل بقاء الأسد في السلطة»!!.

إن في ذلك الكلام وتلك العبارتين ما يوحي بلا مواربة بإعادة إنتاج الهدف الاستراتيجي الذي شنّت قوى الشر لأجله الحرب الحالية المستمرة على سورية التي أخذت مختلف أشكال القبح والوحشية في تدمير كل مكامن القوة، والأهم والأخطر مسخ الإنسان السوري وتحويله إلى كائن غرائزي، تلك هي «سورية الجديدة» التي يريدها أولئك العاجزون المهزومون في حربهم المجنونة.

ولعلّه ما عاد يخفى على أحد أن ما سعت وتسعى إليه قوى الشر والطغيان هو ضرب مثلث القوة السورية: (الشعب، الجيش، القيادة) الذي يقف حائلاً دون استكمال شرق أوسط جديد فاقد الانتماء والهوية، لهذا الغرض كان لابد من وضع هذا المثلث في محرق الاستهداف، فإن كسروا ضلعاً من أضلاعه ساروا بسورية إلى أهدافهم وألحقوها بالفلك الأمريكي من الباب الوهابي مشرذمة مقطعة الأوصال، ومن هنا أيضاً جاء استهداف بنية المجتمع وناظمه الأخلاقي، وشُنّت ضد الجيش السوري أعتى الحروب الإعلامية والميدانية بهدف تفكيكه، لأن الحقيقة المطلقة التي يدركها الغرب جيداً أن ولاء الجيش لوطنه وقائده راسخ رسوخ المبادئ التي نشأ عليها منذ تأسيسه، وهو الذي قدّم أول وزير دفاع شهيداً هو البطل يوسف العظمة في مواجهة طلائع الاحتلال الفرنسي، وفي مقدمة تلك المبادئ أن هذا الجيش لا يمكن أن يقبل أو يوالي أي شخص لا يتفق مع عقيدته الفكرية والسياسية التي قام عليها وأصبحت في ضمير المؤسسة العسكرية، ألا وهي المحافظة على وحدة سورية واستقلالها ودعم المقاومة الوطنية في جميع البلدان العربية، والعداء «لإسرائيل»، فضلاً عن دوره في المحافظة على المؤسسات الحكومية وبنيان الدولة وبناها المختلفة.

وبالمستوى نفسه يأتي استهداف شخص السيد الرئيس في سعي محموم لفك الترابط العضوي بين الشعب والجيش والقيادة، بيد أن فشلهم في استدراج الشعب السوري إلى المحرقة، دفعهم لاستقدام جنود إبليس من الذباحين وآكلي الأكباد وعصابات التكفير من مفرخة آل سعود الوهابية للقيام بهذه المهمة.

وعلى الرغم من مضي ثلاث سنوات على حرب إلغاء دورها الإقليمي وتدجين شعبها على الطريقة الوهابية، ما زالت سورية تملك الشرعية وقوة المبادرة والحلفاء المخلصين، كما ما زالت مصدر قلق «لإسرائيل» وأمريكا، والحلقة الأقوى في المعادلات الإقليمية والدولية. من هنا كانت ردة الفعل الأمريكية التصعيدية، لأنها رأت بأم العين أن حرب الثلاث سنوات لم تركع سورية، لا.. بل على العكس كان السوط السوري يجلد المتآمرين بصلابةٍ كان لها مفعول السحر في حجم الانهيار النفسي الذي انتاب الأعداء الحاضرين في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «جنيف2».

وبالعودة إلى التاريخ القريب سنرى أنه وبأقل من تلك الإمكانات الهائلة التي خصصت لتفكيك سورية، فكك الغرب المتصهين دولاً مهمة في منظومة حلف وارسو، ولم يكلفه ذلك إلا القليل جداً، حتى إن بعض دول أوروبا الشرقية لم يكلف تقسيمها إلا 20 مليون دولار، في حين رصدت المليارات لتدمير سورية وتفكيكها ولم يستطيعوا، وهذا ما يفضح اهتمام الغرب «بجنيف2» ورفعه شعاراً أو مبدأ وحيداً هو «الحكومة الانتقالية»!!.

إن الإصرار الغربي على وضع «المرحلة أو الحكومة الانتقالية» في قائمة الأولويات ضمن منظومة حل سياسي، يندرج في محاولة خلق هامش للمناورة وإرساء واقع جديد يشكل مدخلاً دولياً لإعلان هزيمة سورية، إذ تسعى دول العدوان إلى تحقيق أهداف عجزت عن أخذها بالحرب في لعبة تبادل للأدوار بين الوكيل الذي يحاول تحقيق تقدم ميداني وزيادة وتيرة القتل والإرهاب، والأصيل الذي يضع قناع الحل السلمي وفق أهدافه الكبرى التي تخطط لاغتصاب السلطة من زاوية «المرحلة الانتقالية»، وهذا التكتيك المكشوف يعدّ استكمالاً لتدمير سورية بوجه مختلف وأداة مختلفة عبر إفراغ الساحة أمام المنتدبين لامتلاك المبادرة في ترسيخ المفاهيم الجديدة، وتحسين أدواتها لخدمة «إسرائيل» وتدمير مكامن القوة التي عجزوا عنها بالحرب، والعمل على إضعاف إرادة المقاومة وإرادة القتال وإلهاء المواطن بالأمور الحياتية والأمنية كما يحصل اليوم في ليبيا، واستكمال تهشيم البنية الفكرية والاجتماعية وإحلال وترسيخ أفكارهم ومعتقداتهم الهدامة، وتفكيك المجتمع وزيادة الانحلال الأخلاقي، وإخراج مصطلح العدو الصهيوني من التداول وتحويل «إسرائيل» «دولة جارة»، ولا ضير بالنسبة لهم في إقامة نصب تذكاري لابن غوريون على قمة جبل قاسيون، وحينها تجري الانتخابات الرئاسية التي يمكن أن يفوز بها شيمون بيريز!!.

بقوة الأمر الواقع أثبت هذا المثلث: (الشعب، الجيش، القيادة) متانة الفولاذ، وأن الانسجام اللامحدود بين مكوناته جعل من تفكيكه أمراً صعب المنال، وأن وقائع المنطقة تؤكد أن سورية ستخرج من الأزمة منتصرةً وستكون أقوى مما كانت عليه، إذ لا هوامش للتلاعب ولا للفذلكات تحت أوهام «الحكومة أو المرحلة الانتقالية».. إنه صراع الإرادات أمام حقائق الواقع، والكل ملزم بالاعتراف بأن سورية منتصرة بقائد ذي إرادة فولاذية جعل من الأهمية الإستراتيجية لسورية استراتيجيا الدور والقرار، وبشعب ذي عقل سياسي واعٍ، وبجيش جامع وضامن جعل الغرب عاجزاً عن القبض على القلب السوري أو تطويعه كما يريد!!..

السوريون قالوا كلمتهم في مؤتمر «جنيف2» كلمة للخارج وللبعض القليل في الداخل: إن الصراع «لبقاء سورية للسوريين» الذي يقوده الرئيس الأسد بأدواته السياسية والعسكرية والشعبية، هو من يحدد سقف الغرب البراغماتي الذي يناور بتكتيكات جديدة عندما يرى هزيمته محققة في سبيل الوصول إلى هدفه وتأجيله إلى وقت لاحق وليس إلغاءه، وهذا الذي سيحصل اليوم، لأن كيري أكثر من سواه يدرك استحالة تحقيق مآرب أصحاب الرؤوس الحامية!.

عن صحيفة تشرين

أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا