جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:
لم يفاجئ العدوان السعودي على الأراضي اليمنية أياً من مراقبي ومتابعي تحولات تلك المنطقة المشتعلة، منذ عام 1934 تاريخ التدخل السعودي الأول، وصولاً إلى ما يجري اليوم من حرب شعواء وقصف شرس على اليمن وشعبه وموارده الحيوية، بذريعة حماية الشرعية وتأمين الحدود المشتركة والتصدي لخطر الحوثيين!!.
فالتدخل السعودي السافر في اليمن بدأ بما سُمّي يومها «اتفاق الطائف» وهو معاهدة تمّت في أيار عام 1934 بين المملكة المتوكلية اليمنية والسعودية، حيث وضعت المعاهدة نهاية للحرب السعودية اليمنية التي اشتعلت في الثلاثينيات من القرن العشرين، والتي بدأت شرارتها منذ 1924 إذ سيطرت السعودية على حدود عسير ونجران وجازان الجنوبية، بينما استولى اليمنيون على ميناء الحديدة وغيره من موانئ تهامة ومدنها، ما اضطر الطرفين إلى توقيع صلح بينهما.
وفي الانقلاب المسلّح أو ما سُمّي «ثورة الدستور» دعمت السعودية الإمام أحمد حميد الدين ضد الثورة التي قادها الإمام عبد الله الوزير على المملكة المتوكلية في شباط 1948 لإنشاء دستور للبلاد.
على أن التدخل السعودي الأخطر كان بإشعال حرب أهلية يمنية عام 1962، بين الموالين للمملكة والموالين للجمهورية العربية اليمنية، واستمرت الحرب ثماني سنوات بين عامي 1962-1970، وقد سيطرت الفصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب، وانتهت المملكة وقامت الجمهورية العربية اليمنية.
بدأت الحرب عقب انقلاب المشير عبد الله السلال على الإمام محمد البدر حميد الدين، وإعلانه قيام الجمهورية في اليمن. حيث هرب الإمام إلى السعودية وبدأ بالثورة المضادة من هناك، وتلقى الإمام البدر وأنصاره الدعم من السعودية، في حين تلقى السلال الدعم من قبل الرئيس جمال عبد الناصر، وتدخلت القوات المصرية والسعودية بشكل مباشر في الحرب ودعمت الأطراف المتنازعة سياسياً وعسكرياً وخاضت مواجهات عنيفة خلّفت آلاف القتلى، فضلاً عن تدخلات سعودية أخرى كـ«حرب الوديعة» عام 1969، وحرب الانفصال عام 1994، وحرب صعدة «جبل الدخان» عام 2009.
إذاً وكما قلنا ليس مفاجئاً أن يشنّ آل سعود اليوم عدوانهم على اليمن، وهم الذين يمارسون عدواناً موازياً أشدّ بشاعة على دول المنطقة، ولاسيما في سورية والعراق عبر عصابات إجرامية ومجموعات تكفيرية، وما يجري في اليمن هو استكمال للجرائم بإعادة اليمنيين المنتفضين على الظلم والتبعية إلى حظيرة آل سعود التي أزكمت رائحتها أنوف العالم أجمع بفسادها وقذارة مؤامرتها ووضاعة حكامها وأمرائها المتكالبين على المال والسلطة المتناحرين على عرشٍ قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والهاوية.
ولئن تثبت المتغيرات المتسارعة أن العقل السعودي الهرم الفاقد للبصيرة والتبصر قد وصل إلى أقصى حدود الفشل في محاولة إجهاض انتفاضة الشرف والكرامة التي هبّ فيها شعب اليمن لمواجهة العدوان الآثم والدفاع عن أرضه وسيادته، فإن مجريات العمليات العسكرية العدوانية المسمّاة «عاصفة الحزم» هي تعبير واقعي وحقيقي يشي بالمأزق الخطير الذي وقع فيه النظام السعودي، وأعقب سلسلة انتكاسات عجزت عن تحقيق أهداف مشروع تحطيم مفهوم الدولة في المنطقة العربية، وإن كان اسمها مشابهاً لـ«عاصفة الصحراء» من باب محاكاة الأداء العسكري الأمريكي في إطار الحرب النفسية، إذ يصح في واقع الأمر تسمية عدوان آل سعود على اليمن «عناقيد الغضب2» أو «سلامة الجليل2» لأنها لا تخدم إلا الكيان الإسرائيلي، وهذا ما عبّر عنه نتنياهو بأن الخطر على «إسرائيل» هو من إيران وحزب الله والحوثيين في اليمن، مستثنياً «داعش» و«النصرة» وكل التنظيمات الإرهابية الخارجة من رحم الكيان السعودي.
وما عمّق هذه الانتكاسات أكثر أن «عناقيد الغضب 2»، دخلت أسبوعها الثالث ومازال الحوثيون والجيش اليمني يتقدمون على الأرض، ما يدل على وحدة الصف اليمني في مواجهة النفوذ السعودي المغلف بتحالف تقوده مشيخات تقفز في الفراغ، إلى جانب تعرض هذا النفوذ لضربة أقسى من وقائع الميدان عبر التصريحات الأخيرة لأوباما، الذي عرّى من خلالها الأهداف المعلنة لتحالف آل سعود الهش، ولتبرز حقيقة محاولتها تصدير مشكلاتها الداخلية المعقدة في حروب خارجية على الطريقة الغربية.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال إن الخطر على بلدان الخليج ليس من إيران بل من حالة السخط والغضب الشعبي من حكام هذه البلدان، في حين أكدت الخارجية التركية قبيل زيارة أردوغان إلى طهران أن إيران دولة شقيقة ولا يحق لأحد الاعتراض على العلاقات بين البلدين!!. إضافة إلى قرار البرلمان الباكستاني الوقوف على الحياد في الموضوع اليمني، وليظهر أيضاً التردّد المصري بصورته الواضحة لجهة أن الموقف المصري مبنيّ على حجم المساعدات المالية من دول الخليج، والتي أفرزت تعالياً سعودياً عبّرت عنه صحيفة سعودية بأن على السيسي أن يرسل قواته لحماية المملكة بسعر 1000 ريال للجندي المصري، في وقت ما زالت التجربة في اليمن جرحاً أليماً ماثلاً في ذاكرة المصريين.
حجم الغضب السعودي ذي الإرث القديم لا يمكن أن يلبيه الواقع بفعل المتغيرات الدولية وتعقد المشهد الجيو- سياسي الإقليمي الذي أفضى إلى خيارات متناقضة بين المتاح والمأمول بعيدة عن الهدف السعودي وإن التقت معه في بعض جوانبه.
من هنا يمكننا أن نقرأ «عاصفة الحزم»، كما يحلو لنظام آل سعود أن يسميها، اندفاعة سعودية بدعم خليجي وتردّد مصري وحياد باكستاني وبازار تركي جعل المأزق السعودي يبدو أعمق، وخاصة صعوبة التدخل البري الذي يُقلق جميع دول «التحالف»، ما يعطي مؤشراً إضافياً على عدم قدرة «الحزم» السعودي على ضبط أو لجم انتفاضة الشعب اليمني.
لقد اعتاد السعوديون في البلدان التي تقع في دائرة نفوذهم على تنصيب حكومات وإجهاض أخرى على الطريقة اللبنانية، إذ عملت في اليمن على إنشاء علاقات قبلية أقوى من الحكومة المركزية، ومحاربة توجهات بناء دولة أو مؤسسات، وتجنيد مجموعات إرهابية كـ«القاعدة» لتنفيذ أجندتها التدميرية، إلى أن برزت المفاجأة التي أذهلت حكام الرياض بوجود تيارات تعمل بصمت على انتزاع اليمن من الفك السعودي وإحياء فكر الدولة في مواجهة الفكر القبلي والإقطاعيات المدعومة من آل سعود، والسعي لإعادة حضور اليمن كدولة لها قرارها ودورها في موقع جغرافي وسياسي مهم.
إذاً.. يمكن القول إن السعودية الغارقة في رمال وهم السيطرة على المنطقة عبر تحالفها الإقليمي المزعوم، ومحاولتها استصدار قرار بإنشاء قوة عربية مشتركة عن «جامعة نبيل العربي» وسوق جيوش عربية وإسلامية نحو المحرقة اليمنية، تواجه اليوم مصيرها وحيدة، وقد بدأت بوادر التخلي عنها تلوح في الأفق، وربما يكون هذا التدخل هو الأخير والضربة القاصمة للوجود السعودي في المنطقة، ويكفي أمراءها هذه الحماقة وهم الذين لم يقرؤوا التاريخ بشكل حقيقي وصحيح، لأنهم يعيشون خارجه، وإلا ماذا سيقول محمد بن سلمان حين يدقق بما قاله يوماً الرئيس التركي الأسبق عصمت إينونو: (لقد حاربت جميع الأقوام.. حاربت الإنكليز والصرب واليونان والروس، لكني لم أجد محاربين ومقاتلين أشداء مثل اليمنيين، فهم لا يحتاجون معدات.. عندهم الجبال.. وكل خرطوشة في بندقيتهم لا تذهب سدى)؟.
عن صحيفة تشرين
20:58
06:44
12:20
05:04
19:22
22:43
04:05
01:12
01:29
20:39