جهينة نيوز-د.إبراهيم خلايلي
عرضنا في الحلقتين الأولى -"عقيدة التقسيم التوراتية الصهيونية"- والثانية –"خطة التقسيم الصهيونية، من مكونات إلى قوميات ومن دول إلى دويلات"- كيف أن كيان الاحتلال الاسرائيلي، قد زُرع في قلب المشرق العربي كنقطة انطلاق للسيطرة على كامل بلدان المشرق، استناداً إلى روايات توراتية ادّعت زوراً أن سيدنا إبراهيم أحد أجداد اليهود، وقد نال –وأبناءه وأحفاده- وعداً إلهياً مزعوماً بامتلاك المنطقة من الفرات إلى النيل، فمارس الكيان سياسة احتلال التاريخ والتهويد وإثارة الفتن والنعرات الطائفية في المنطقة، بغية تقسيمها إلى دويلات وكيانات دينية تعطيه الذريعة ليكون كياناً يهودياً مسيطراً عليها، وقد لخّصت وثيقة "كيڤـونيم" الصهيونية –التي احتوت على خطة "عوديد ينون" في شباط من عام 1982- استراتيجية هذا الكيان المذكورة، وقدّمت توصيفاً لبلدان "الشرق الأوسط" عام 1982، ومن ضمنها بلدان المشرق العربي، ونوايا الخطة الصهيونية تجاهها...
وقد رصدنا في الحلقة الثانية كيف اهتم أشهر رجال السياسة وعلمائها –إلى وقت قريب- بدراسة وثيقة "كيڤـونيم" وتفسيرها، كما رصدنا مواكبة بعض السياسيين والاستخباراتيين الصهاينة في الوقت الحاضر، لما جاء في الوثيقة المذكورة، فدعموا خطة "عوديد ينون" ببث المزيد من المغالطات والسموم الفكرية والفتن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مركّزين على تحويل مكونات شعب المشرق العربي التاريخية والحضارية، إلى قوميات منفصلة، مع تشجيعها على إقامة دويلات في دولها، تحقّق خطة التقسيم الصهيونية، مما يشير إلى استمرار الخطة، رغم فشلها في الثمانينات على الجبهة السورية اللبنانية.
فشل خطة "عوديد ينون" في الثمانينات
أُعدّت خطة "عوديد ينون" ونُشرت –كما رأينا- قبل الغزو الإسرائيلي الثاني والأكبر للبنان بأربعة أشهر، بمعنى أن غزو لبنان كان خطوة تنفيذية للخطة المذكورة ضد "الشرق الأوسط"، حاول تنفيذها على الأرض كل من "آرئيل شارون" –وزير الحرب الصهيوني في الثمانينات- و"رفائيل إيتان" قائد أركان جيش الاحتلال آنذاك...وقد تقرر في الخطة أن يتم تقسيم المنطقة بأكملها إلى كيانات صغيرة، مع إنشاء حاميات إسرائيلية في أماكن محورية بين تلك الدول الصغيرة، تكون مزودة بالقوى التدميرية المتنقلة اللازمة، وذلك تماماً كما كان الحال في جنوب لبنان، بوجود "جيش لبنان الجنوبي"(1)، على أن تُطبَّق هذه الحالة على لبنان كله(2)...
وهنا يتضح أن خطة "عوديد ينون" في الثمانينات من القرن الماضي، لم تكن خطة لاستراتيجية الكيان في الثمانينات فحسب، بل كانت إجراءً إسرائيلياً ضد ما آلت إليه الأمور من تهديدٍ للكيان انطلاقاً من لبنان، وإحباطٍ لمخططه الطائفي الفتنوي المرسوم للبنان والمنطقة ما قبل خطة "عوديد ينون"... فلبنان ما قبل غزوه الثاني عام 1982، كان يسجّل حضور الجيش السوري وفصائل المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية، في مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلي وعملائه، مما يعني أن تنفيذ أي مخطط إسرائيلي انطلاقاً من لبنان، محكوم عليه بالفشل...
وكان الجيش السوري قد دخل لبنان بتاريخ الحادي والثلاثين من أيار عام 1976، بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في ربيع عام 1975، والتي انجرّت إليها أجنحة عسكرية وسياسية مقيمة في لبنان من فلسطينيين وحلفاء لبنانيين لهم، وآخرين منتمين لأحزابٍ مسيحية رافضة للعمل الفدائي الفلسطيني انطلاقاً من لبنان، وأطراف تتبع الدولة اللبنانية(3)...
أما الاقتتال الدامي ما بين الأجنحة المذكورة، فكان ينذر بأخطار كبيرة على لبنان والمنطقة نظراً لضعف العمل المقاوم في هذه الحالة، واستثمار تلك الحرب من قبل كيان الاحتلال، بتخطيطه لاستهداف المسيحيين بمشروع تهجيرٍ صهيوني يرمي إلى تغيير بنية لبنان الوطنية، والتأسيس لمشروع دويلات طوائف في المنطقة... وإزاء الحالة المتدهورة تلك، قرر الرئيس الراحل حافظ الأسد التحرك السريع لإنهاء ما يجري وإعادة الأمن إلى ربوع لبنان، لارتباطه بأمن سوريا ومنطقة المشرق العربي بأسرها.
وتمكن الجيش السوري من تحقيق السلم الأهلي في لبنان، ومَنْعِ الاسرائيليين من الهيمنة عليه، إلا أن مرحلة جديدة من الصراع معهم بدأت، حين شرعوا بتشكيل جبهة من العملاء لهم فيه، وتسليحهم لإشعال الوضع وإشغال الجيش السوري... وفي الوقت الذي كان فيه هذا الجيش يكبح جماح المتطرفين المسيحيين في لبنان، اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان من جنوبه في شهر آذار من عام 1978(4)، وقد ترافق ذلك مع مخطّطٍ أميركيٍّ صهيونيّ، تجسّد في دعم حركة الأخوان المسلمين وإرهابها ضد سوريا –بدءاً من أواسط السبعينات وحتى مطلع الثمانينات- وتجسد ذلك الارهاب بمحاولة الانقلاب على الحكم وتفجير الوضع في المحافظات السورية الكبرى واستهداف العسكريين والمدنيين فيها وجرّ البلاد إلى حربٍ أهلية(5)، فيما شكّلت أزمة صواريخ "سام" التي نشرها الجيش السوري في البقاع اللبناني -رداً على إسقاط الإسرائيليين لحوّامتين سوريتين فوق لبنان في الثامن والعشرين من نيسان عام 1981- إنذاراً بنوايا الاسرائيليين لغزو لبنان، حين عزموا على تدمير تلك الصواريخ...ويضاف إلى ذلك كله انفراطُ عقد التضامن العربي بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" في السابع عشر من أيلول عام 1978، ثم تجميد تنفيذ ميثاق العمل القومي المشترك الموقع بين القطرين العراقي والسوري في السادس والعشرين من تشرين الأول عام 1978، دون أن يكمل عامه الأول، ولتنشب بعد ذلك الحرب العراقية الايرانية عام 1980، ويضم الكيان الاسرائيلي الجولان في شهر كانون الأول من عام 1981...فشعر الرئيس حافظ الأسد بأنه حوصر بين الجولان –الذي شكّل ضمُّه إعلان حرب- ولبنان المهدد بغزو إسرائيلي ثانٍ وشيك.
الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، والتصدي لاستراتيجية الصهاينة في الثمانينات
بدأ الغزو الاسرائيلي الثاني للبنان في الرابع من حزيران عام 1982(6)، وكان هدف الاسرائيليين منه، ضرب المقاومة الفلسطينية وإسكاتها كقوة عسكرية، وضرب حليف الفلسطينيين، أي الجيش السوري وإخراجه من لبنان، ليتاح لهم التحالف مع قوىً مسيحية، جُرِّبت ودُرِّبت منذ الغزو الأول، لتشكيل نظامٍ سياسي لبناني قابلٍ لتوقيع معاهدة سلام مع العدو(7)، يكون عرّابها عميل الإسرائيليين –آنذاك- "بشير الجميّل"، منسّقِ الغزوِ مع وزير حربهم "أرئيل شارون"، الذي كان يرى في تحويل لبنان إلى "كنتون صهيوني" خطوةً نحو مشروع "إسرائيل الكبرى" –الذي أشارت إليه خطة "عوديد ينون"- وذلك بتحجيم القوة السورية ثم تهجير سكان الضفة الغربية الفلسطينية إلى الاردن كوطنٍ بديل.
الاستراتيجية السورية في مواجهة الاستراتيجية الصهيونية في لبنان: "لا لسيطرة الصهاينة على لبنان"
في السابع من حزيران عام 1982، دمّر طيران الغزو الاسرائيلي الرادارات السورية في بعض مواقعها بالبقاع، وفي اليوم التالي طوّقت قوات الغزو الجيش السوري في جزّين، وتوجهت لقطع طريق بيروت دمشق... وقد تلخّصت خطة الدفاع السورية آنذاك بعدم السماح لجيش الاحتلال السيطرة على لبنان مهما كان الثمن، فكانت معركة البقاع التاريخية حين هاجم الطيران الاسرائيلي قواعد الصواريخ السورية هناك بأعتى ما لديه من قوة جوية، فتصدى لها الطيران الحربي السوري، مسجّلاً أكبر معركة جوية في تاريخ الحروب، خسر فيها سلاح الجو السوري أربعاً وستين طائرةً، كما فقد شبكة صواريخ "سام" الشهيرة في البقاع بتواطؤ مصري...ولئن سيطر الاسرائيليون على سماء المعركة، إلا أن الجيش السوري احتفظ بالأرض، ولا سيما طريق دمشق...
وكما في المعركة الجوية الأكبر، خاض الجيش السوري المعركة البرية الأعنف منذ تأسيسه عام 1946، فتمكّن –عبر تكتيك المجموعات الصغيرة للدبابات المُهاجِمة، وعناصر المشاة والكوماندوس المُباغِت- من وقف تقدُّم القوات البرية الاسرائيلية في البقاع.
معركة "السلطان يعقوب" الأسطورية
وبعد أسبوع من الغزو، أدرك الاسرائيليون استحالة وصول دباباتهم إلى طريق دمشق، إثر كارثة هجومهم عبر البقاع الأوسط نحو ذلك الطريق، حيث تمكنت قوة المشاة السورية المرابطة في قرية السلطان يعقوب، من الفتك بالكتيبة الاسرائيلية المدرّعة، بعد جرّها إلى كمينٍ مُحكَمٍ، أطبق عليها بجحيم نيرانٍ مذهلٍ، راكم في المعركة حطام العشرات من المدرعات الاسرائيلية فوق جثث قادتها ومرافقيها(8)...وقد أنذر وقع هذه المعركة –ومثيلاتها من المعارك- بحرب واسعة في "الشرق الأوسط"، فبدأ قادة الولايات المتحدة يضغطون لإنقاذ الاسرائيليين، فتم وقف إطلاق النار في الحادي عشر من حزيران عام 1982.
المرصاد السوري لخطة "عوديد ينون"
لقد استطاع الرئيس حافظ الأسد بعد اتفاق وقف إطلاق النار المذكور، إثبات أن الغزو الاسرائيلي للبنان، إنما كان يحمل هدفاً أكبر مما صوّره الغزاة للعالم، ألا وهو مشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي عرقل الأسد خطواته في لبنان بحطام الدبابات الاسرائيلية بين الليطاني وطريق دمشق، وبمعنى آخر فقد تصدى الرئيس حافظ الأسد لاستراتيجية الصهاينة في الثمانينات...ولعل ذلك يضع رأي الكاتب "إسرائيل شاحاك" حول نشر خطة "عوديد ينون"، على المحك وفي خانة الآراء غير الصائبة، حيث قال "شاحاك" قبيل غزو لبنان عام 1982: "أثبت العالم العربي عجزه عن التحليل المنطقي للمستقبل، حتى أولئك الذين يحذّرون من مخططات الأعداء، يفعلون ذلك بناءً على أوهام يتخيلونها وأساطير يتداولونها، وليس على أساس معرفي علمي، لذلك لا يرى الخبراء الصهاينة مانعاً من نشر استراتيجياتهم المستقبلية علناً لتوعية أكبر عدد ممكن من اليهود والإسرائيليين بها، دون أدنى قلق من اطلاع العرب عليها، فإمكانية تصدي حكوماتهم لتلك الخطط إزاء معرفتهم بها شبه معدومة..."(9)...
وسرى وقف إطلاق النار المذكور في البقاع، لكن الاسرائيليين اتّجهوا صوب بيروت لحصارها، وشنّوا في الحادي عشر والثاني عشر من شهر حزيران عام 1982 هجوماً كاسحاً عليها، دخلوا إثره -في الثالث عشر من حزيران- بيروت الشرقية بمؤازرة قوات بشير الجميّل، فحوصرت بيروت الغربية، وصمدت فيها قوة قوامها أربعة عشر ألف جندي سوري ومقاتل فلسطيني ولبناني، قاتلوا بضراوة مدة ثلاثة أشهر، فيما خرقت القوات الاسرائيلية وقف إطلاق النار في البقاع، في الثاني والعشرين من تموز عام 1982، ما دعا الرئيس حافظ الاسد إلى التهديد بالرد على خروقاتها "بأسلحة تعلمها وأخرى لا تعلمها"... وفي الثاني عشر من شهر آب عام 1982، وُقِّع اتفاقٌ قضى بخروج عناصر اللواء السوري 85 مشاة والمقاتلين الفلسطينيين من بيروت، ونُصِّب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية اللبنانية، لكن ذلك لم يكن نصراً مؤزّراً للإسرائيليين، حيث اغتيل "الجميّل" بعد أسبوعين من تنصيبه على يد "حبيب الشرتوني"(10)، المناضل في الحزب السوري القومي الاجتماعي، أحد أهم أجنحة المقاومة الوطنية اللبنانية(11) وبعد اغتيال "الجميّل" شهدت بيروت الغربية والمخيمات الفلسطينية في التاسع والعشرين من أيلول عام 1982 انسحاب الجيش الاسرائيلي منها، بعد ارتكابه –وعملاءه من "القوات اللبنانية"- مذابح صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين...وكان ذلك الانسحاب إثر ظنون الاسرائيليين بأن سوريا انتهت كقوة مقاتلة في وجه مشروعهم، وأن الأمر في لبنان بات بيدهم ويد الأميركيين وخلفاء بشير الجميّل، إلا أن الرئيس الأسد قلب ما آل إليه الوضع الأخير، حين دعم المقاومة الوطنية ضد المحتلين الاسرائيليين أنّى وُجدوا في لبنان، وأعاد تمركز الجيش السوري في البقاع اللبناني، وضم إلى معسكراته مئات المقاتلين الفلسطينيين، مما عوّض جزءاً من الخسارة المترتبة على خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى تونس وبعض البلدان العربية، كما جدّد الأسد تسليح الجيش السوري بأحدث الأسلحة، في الوقت الذي وصلت فيه قوات المارينز إلى بيروت...
وبتصاعد نهج المقاومة، فشل الإسرائيليون في الحصول على معاهدة سلام مع "أمين الجميّل"، شقيق بشير وخليفته، أما واشنطن فنالت نصيبها من عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية، وذلك بشاحنة مفخخة –بادئ ذي بدء- دمّرت مبنى سفارتها في بيروت في الثامن عشر من نيسان عام 1983، مما أسفر عن مقتل ثلاثة وستين من عناصر قوة أميركية واستخباراتية كانوا فيها(12).
وإثر تلك العملية اضطر وزير الخارجية الأميركي "جورج شولتز" إلى اللقاء بالرئيس الأسد في دمشق –في السابع من أيار عام 1983- عارضاً ما لم يوافق عليه الأسد جملةً وتفصيلاً من بنود اتفاق بين كيان الاحتلال ولبنان، لكن اتفاق الاذعان هذا –كما وصفه الأسد حينذاك- وُقِّع في السابع عشر من أيار عام 1983 دونما اعتبار للسيادة اللبنانية، وقضى بفرض السيادة الاسرائيلية على لبنان...وفي الوقت الذي استعد فيه الأسد لمواجهة جديدة، عاد وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز للقائه في دمشق في شهر تموز، لكنه لم يحظ بدعم الاتفاق، فأرسل إليه بعد شهر مبعوثَه "روبرت ماكفرلين" للسؤال عن شروط السوريين للانسحاب من لبنان، إلا أن الأسد كرر مواقفه وأكّد أن "سوريا لن تترك لبنان لقمة سائغة للإسرائيليين"(13)...
وبعد ذلك تصاعدت وتيرة عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية، ففي الثالث والعشرين من تشرين الأول عام 1983 استهدفت شاحنتان مفخختان مبنيين للقوات الأميركية والفرنسية في بيروت، فأودتا بحياة 299 جندياً أميركياً وفرنسياً(14)...
وفي الرابع من كانون الأول عام 1983 وفي أول استخدام لمنظومة صواريخ سام5 في الحروب، أسقط الدفاع الجوّي السوري المحدَّث طائرتين أميركيتين هاجمتا المواقع السورية في البقاع، انطلاقاً من حاملة الطائرات الأميركية "جون كينيدي" المتمركزة قبالة السواحل اللبنانية، وقد قُتل أحد الطيارين وأُسر آخر(15)، توسط فيما بعد القس جيسي جاكسون، المرشح لرئاسة الولايات المتحدة، لإطلاق سراحه من دمشق(16)...
وبعد انقلاب موازين القوى لصالح السوريين والمقاومة، شرعت القوى المتعددة الجنسيات بمغادرة لبنان مطلع عام 1984، ولم يجد "أمين الجميّل" طريقاً من قصر بعبدا يسير فيه في لبنان، إلا طريق دمشق... فوصل إليها يوم التاسع والعشرين من شباط عام 1984، وأعلن أمام الأسد –في الرابع من آذار- إلغاء اتفاق 17 أيار...وبعد ذلك انسحبت القوة الاسرائيلية الغازية نحو الشريط الحدودي، وأُسدل الستار على فصل مرعب من المأساة اللبنانية الدامية وتعافى لبنان بعد المواجهة السورية الاسرائيلية فيه مدة أربع سنوات، ليتلو ذلك في عام تسعة وثمانين توقيع اتفاق الطائف بوساطة سعودية ورعاية سورية، حققتا الوفاق الوطني اللبناني...
واستمرت المقاومة اللبنانية من أجل تحرير جنوب لبنان، ففي نيسان من عام 1996 شنّت سلسلة هجمات صاروخية ضد مواقع الجيش الاسرائيلي في شمال فلسطين، مما تسبب في إشعال حرب نيسان التي أسماها الاحتلال عملية "عناقيد الغضب"...وقد انتهت هذه الحرب في السادس والعشرين من شهر نيسان عام 1996 بتوقيع اتفاق لوقف اطلاق النار، عُرف بـ"تفاهم نيسان"، الذي شرّع حق الدفاع عن النفس دون أي نص يمنع استمرار عمليات المقاومة في الشريط الحدودي المحتل في جنوب لبنان...وكانت سوريا أبرز الرابحين من عملية "عناقيد الغضب" بعدما كانت مستهدفة بها مباشرة، حيث فشل الاسرائيليون في ضرب "حزب الله" وإجبار السلطة اللبنانية على الانفراد معهم بالبحث في وضع جنوب لبنان ومصير المقاومة بمعزل عن سوريا، فأضحت دمشق مركزاً للمبادرات والتحركات الدولية، مما أعطاها قدرة إضافية على حماية لبنان ودعم المقاومة فيه، بعد أن كان –وشقيقته سوريا- هدفاً أولَ في "استراتيجية الصهاينة للثمانينات"، تلك الاستراتيجية التي أُجهضت عسكرياً وسياسياً على المستوى السوري اللبناني بأهم خطوة، وهي تحرير جنوب لبنان في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2000، وليبدأ بعد ذلك القرن الواحد والعشرون حاملاً الكثير من المخاطر والتحديات لبلدان المشرق العربي، وعلى رأسها مخططات التقسيم القديمة الجديدة ...
يتبع...
الحواشي:
(1): انشق الرائد "سعد حداد عن الجيش اللبناني عام 1976 مع وحدته لتشكيل ميليشيا سُميت بـ"جيش لبنان الجنوبي"، والذي تعاون مع كيان الاحتلال ضد المقاومة الفلسطينية المتمركزة في جنوب لبنان... وبعد وفاة "حداد" عام 1984، خلفه "أنطوان لحد"، وقد وصل عدد أفراد هذه المليشيا إلى ستة آلاف جندي.
(2): أنظر إلى تعليق "إسرائيل شاحاك" مترجم خطة "عوديد ينون" إلى الانكليزية، في الدراسة التي تحمل عنوان:
“Greater Israel”: The Zionist Plan for the Middle East
على الرابط:
https://www.globalresearch.ca/greater-israel-the-zionist-plan-for-the-middle-east/5324815
(3): أنظر ديب كمال: "الحرب السورية"، ط1، بيروت 2015، ص 148 وما بعدها...
(4): حول هذا الاجتياح، أنظر المرجع نفسه، ص 166 وما بعدها...
(5): المرجع نفسه، ص173
(6): حول تفاصيل هذا الغزو، والمواجهة السورية- الاسرائيلية في لبنان، أنظر المرجع نفسه، ص205 وما بعدها...
(7): المرجع نفسه، ص211-212
(8): اعتُبرت معركة "السلطان يعقوب" (10/6/1982) التي خاضها لواء الدبابات السوري الأول وعناصر من المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي، أهم معركة دبابات في التاريخ الحديث، تكبد خلالها جيش الاحتلال خسائر فادحة تمثلت في مقتل ثلاثين جندياً وجرح العشرات وأسر خمسة جنود وتدمير ثماني دبابات واغتنام ثلاث...ويجدر بالذكر أن المعركة المذكورة هي من أكثر المعارك ذكراً في وسائل الاعلام العربية والأجنبية حتى تاريخه.
(9): أنظر إلى تعليق "شاحاك" على خطة "عوديد ينون" على الرابط:
https://www.globalresearch.ca/greater-israel-the-zionist-plan-for-the-middle-east/5324815
(10): ديب: "الحرب السورية"، ص225
(11): شكّل المقاومة الوطنية اللبنانية في مطلع ثمانينات القرن الماضي، لتحرير بيروت والجنوب اللبناني، كل من الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي في لبنان والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الناصري، أي ما شمل مختلف الطوائف والمذاهب، ثم أكمل حزب الله المسيرة بتحرير الجنوب عام 2000.
(12): ديب: "الحرب السورية"، ص229
(13): المرجع نفسه، ص232
(14): المرجع نفسه، ص234
(15): المرجع نفسه، ص235
(16): حول هذا الموضوع أنظر تقرير "مايك لانتشين" مراسل شبكة "بي بي سي" المنشور بتاريخ 3/ كانون الأول 2013 على الرابط:
https://www.bbc.com/arabic/worldnews/2013/12/131203_us_airman_syria
02:34
03:02
03:07
03:14
17:49
00:00
00:10
00:18
01:20
22:10
22:11