"احمل شرشفك واتبعني".. قصة 16 ساعة من الإهمال واللا مبالاة في مشفى سلمية الوطني!!

الأربعاء, 2 آذار 2022 الساعة 11:00 | تقارير خاصة, خاص جهينة نيوز

جهينة نيوز_خاص:

ندركُ تماماً، كما كلّ السوريين، أن القطاع الطبي عانى ما عاناه خلال سنوات الحرب، وازدادت تلك المعاناة مع تفشي وباء "كورونا" وتحدي نقص وقلّة التجهيزات الفنية والأدوية نتيجة الحصار الظالم، حتى بتنا نسمّي العاملين فيه بـ"الجيش الأبيض"، لكنّ بعضهم (وهم قلّة بالتأكيد) أبى أن تكتمل هذه الصورة لهذا القطاع الحيوي المهمّ، وأصرّوا على أن تكون مشوّهة وناقصة بسبب إهمالهم ولا مبالاتهم، بل وقلّة ضميرهم وسوء أخلاقهم في التعامل مع المرضى بذرائع شتى، ليس أولها ضغط العمل وكثرة المراجعين، ولن يكون آخرها الأجر والراتب المتواضع الذي يتقاضونه مقابل مهنة أقسموا على القيام بها بكل تفانٍ وإخلاص مهما كانت الظروف!!.

مناسبة الكلام السابق هو ما جرى في مشفى سلمية الوطني ( مشفى الشهيد اللواء قيس أحمد حبيب) قبل أيام قليلة، وشاءت المصادفة أن ترصده "جهينة نيوز" وتكون شاهدةً على فصوله المرّة وفوضاه المؤسفة عبر إحدى الزميلات التي أُسعف والدها مريض القلب إلى المشفى المذكور. وبالتأكيد وللأمانة المهنية لن ننكر تاريخ هذا المشفى الذي كان من أهم المشافي التي خدمت منطقة سلمية والقرى والمدن والمحافظات المجاورة خلال سنوات الحرب.

بداية لن نقف عند مزاعم وادّعاءات بعض كوادر المشفى حول غياب مستلزمات العلاج الضرورية جداً، كالسيرومات والقثاطر.. وسواها، ونحن نعلم أن الدولة تضع كل ثقلها ودعمها خلف هذا القطاع المهم، والحجة الدائمة بقلّة عدد الموظفين من ممرضين وفنيين وممرضات وأطباء مختصين، لكننا سنسأل السيد مدير المشفى مباشرة عن سرّ تفشي التدخين بين الكادر التمريضي والزوار والمرافقين في مجمل الأقسام، وصولاً حتى إلى العناية المشدّدة، ومشروعية وجود بائع "جرابات" في أروقة المشفى ودخوله أيضاً إلى قسم العناية المشددة، وسكوت الإدارة عن ذلك، إضافة إلى الطريقة الفظة في تعامل (قلّة من كادر المشفى) مع بعض المرضى وذويهم؟؟!.

ومن بين أقسى الفصول وأكثرها انتهاكاً لحرمة الموت ما شهدناه وأذهلنا، إذ لا ندري كيف تُترك جثة أحد المتوفين لحوالي ساعة دون غطاء أمام باقي الموجودين في القسم، ولدى سؤال القائمين على القسم من كادر المشفى عن سبب تركه كلّ هذا الوقت دون غطاء، كان جوابهم المفجع أن المتوفى أو أهله لم يحضروا معهم شرشفاً أو حراماً لنغطيه!!.وعن التأخر في نقله إلى البراد، جاء على لسان أحد الموظفين "مافيني احملوا لحالي وين المرافقة" ، وكأنهم يقولون ينبغي على المريض الذي ربما يتنبأ بموته أن يحضر معه "شرشفه" وينتظر حتى يلتحق بمن سبقه إلى الدار الآخرة، لتتحول الرسالة الحضارية التي تدلّ على عراقة بلادنا، وكُتبت قبل الميلاد بـ5000 عام في أوغاريت السّورية: "حطّم سيفك.. واحمل معولك.. واتبعني لنزرع السّلام والمحبّة في كبد الأرض" على يد كادر مشفى سلمية إلى "احمل شرشفك واتبعني..."

مع التذكير بأن إحدى القنوات المحلية عرضت بالتزامن مع ذلك تقريراً مصوراً حول الانتهاء من تأهيل أحد الأقسام، وأبدت الإدارة فيه حرصها على توفير "الراحة النفسية!!" للمرضى والمراجعين، فهل بهذه الصورة نوفر "الراحة النفسية" للمرضى والمراجعين؟؟.. إلا إذا ظنت تلك الإدارة أن ألوان الجدران أو الأثاث والكماليات الأخرى هي من سيوفر "الراحة النفسية" المرجوة"؟؟!!.

وبالعودة إلى موضوعنا الرئيسي نسأل: هل ينتظر السيد مدير المشفى مراجعيه لتقديم شكوى والانتباه تالياً إلى التأكيد "المزعوم" على ضرورة إجراء ما يلزم من التحاليل فور قبول المريض في المشفى وتكثيف التعقيم والتوجيه بحملة نظافة شاملة رغم انتشار أعقاب السجائر والصراصير في خزن وحمامات بعض الأقسام، للإيهام أنه يقوم بواجبه، علماً أن الدعم الذي تقدمه الدولة ووزارة الصحة والمنظمات الدولية، وبينها الصليب الأحمر ومؤسسة الآغا خان.. وغيرها، من إمكانات وتجهيزات استشفائية كفيل ببناء مشفى آخر؟!!.

 

تقول الزميلة الصحفية نسرين هاشم إن والدها أُسعف إلى المشفى الساعة 11 ليلاً بحالة ضيق نفس شديد وعدم القدرة على الحركة مع اصفرار باللون، وبغياب طبيب القلبية المختص قام بالإجراءات الأولية طبيب مقيم، من قياس ضغط وصورة طبقي محوري تبيّن فيها وجود قصور بالقلب مع وذمة صدرية خفيفة، حيث تمّ إعطاء المريض سيروم وتركيب قثطرة وريدية وقثطرة بولية تمّ شراؤها جميعاً من خارج المشفى!!.

وتضيف الزميلة هاشم أنه مع المعاملة الباردة والاستجابة البطيئة لم يتمّ وصل المريض على الأكسجين حتى الساعة ٣ فجراً وذلك بطلب من مرافقة المريض، وعصر اليوم التالي (أي بعد 16 ساعة من دخوله المشفى!!!) بدأت حالته بالتدهور مع اشتداد ضيق التنفس والضغط المنخفض (8/4) مع برودة شديدة في الجسم، فاتصل أبناؤه بطبيبه المختص غير المتعاقد مع المشفى، والذي استجاب بشكل سريع، وكانت الأكسجة منخفضة إلى حدّ كبير ما يشكّل خطورة في حال انخفاضها أكثر، حيث قام الطبيب المذكور بإسعافات تساعد المريض على التنفس من خلال تغيير وضعية الجلوس، وأثناء ذلك اكتشف أن الأكسجين لا يصل للمريض بشكل صحيح، ولدى معاينته فلتر الأكسجين تبيّن أنه ملفوف بلاصق شفاف للدفاتر، فطلب الطبيب لاصق بلاستر وقام بمحاولة لفه ونجح بإيصال الأكسجين، وتمّ وصل المريض على جهاز المونيتور للسرير المجاور لمراقبة الأكسجة بشكل دقيق، لأن جهاز المونيتور فوق سرير المريض كان معطلاً ولا يعمل!!.

وعندما طلبت مرافقة المريض التحاليل المفروض إجراؤها في الساعة الأولى للإسعاف والقبول في العناية المشددة، ارتبكت إحدى الممرضات، وقالت التحاليل في الطابق السفلي، ومع إصرار ذوي المريض على طلب التحاليل لضرورة الاطمئنان عن سير علاجه لأنه كان بحالة خطيرة مختلطة تبيّن أنهم لم يجروا أي تحليل للمريض منذ دخوله المشفى، فطلبت المرافقة إجراؤه سريعاً ليتبيّن أن السكر مرتفع إلى حدّ كبير (423)، فتمّ تزويد المريض بـ20 وحدة سريعة أنسولين، والسؤال هنا أيضاً: هل يعقل أن يصل المريض إلى حالة مختلطة تؤدي -لا قدر الله- إلى وفاته، حتى يقتنع الكادر التمريضي والفني والطبي بضرورة أداء واجبهم المهني والأخلاقي؟؟!!.

وشرحت الزميلة هاشم في شكواها طريقة تعامل بعض هذا الكادر مع مرافقي المرضى، إذ على المريض الذي يعاني من حالة شديدة أن يحضر معه مرافقيْن، وربما أكثر، ليقوما باحتياجاته من تغيير وضعية الجلوس وطلب تغيير الحرامات والشراشف، وإرسال عينات التحاليل وجلبها من المخبر، وشراء المستلزمات الضرورية للعلاج من خارج المشفى حتى لو في منتصف الليل، لأن المنوط بهم وبهنّ القيام بذلك متقوقعون في غرفهم يدخنون و"يفصفصون" البزر، ناهيك عن تحمّل عصبية وانزعاج ومزاجية بعض الممرضات.

والأدهى والأمرّ والأشد غرابةً هو ردّ المدير الإداري للمشفى (المكلف حديثاً منذ بداية العام) على شكوى الزميلة هاشم، بوجود بائع الجوارب ضمن قسم العناية المشدّدة، و التي يجب ألا يدخلها أحد إلا من له صلة، بأنه على علم بذلك!!! وأن الإدارة تقوم بقمع ظاهرة التدخين وتمنعها ما استطاعت، وأن تقصير الممرضات سببه ظروف الحرب والأزمة الاقتصادية، مؤكداً أن التقصير الحاصل سببه نقص الأطباء المختصين المتعاقدين مع المشفى والأطباء المقيمين الذي يؤثر على أداء أقسام التمريض ويسبب الفوضى، لافتاً إلى أن الطبيب المقيم غير قادر على التصرف بحالات كثيرة مثل بعض حالات الاحتشاء القلبي لأنه طبيب متدرب سنة أولى أو ثانية ويحتاج لطبيب مشرف يوجه بلزوم إجراءات معينة حول كل حالة وخصوصيتها، فيما أبدى استغرابه لعدم إجراء التحاليل اللازمة في قسم الإسعاف وهذا الأمر الأساسي الذي دعانا للتوجه للشكوى.

أما مهندسة الصيانة في المشفى وبعد الشكوى حاولت تبرير عدم وصول الأكسجين (لمريض عناية مشدد) بأن وجود خلل في فلتر الأوكسجين " قصة بسيطة" حيث قالت ربما يكون الخلل في جوان الفلتر ويحتاج إلى تبديل، ولاحقا تم تبديل الفلتر بطلب من المدير الإداري، ما يعني حقيقة أن هناك إمكانات متوفرة في المشفى حين تشاء مهندسة الصيانة القيام بوظيفتها المنوطة بها!!.

والأمر اللافت أننا اكتشفنا ذلك صدفة فأين دور الصيانة من إحصاء ماهو معطوب أو معطل، في غرفة تسمى عناية مشددة، لإصلاحه أو تبديله دون طلب من ذوي المرضى الذين من المفترض ألا يتدخلوا بهذه الإجراءات وأن لا يدخلوا غرف العناية إلا نتيجة لنقص الكوادر اللازمة للإعتناء بمرضاهم وتلبية كافة احتياجاتهم.

ومع كل تلك الذرائع الممجوجة، التي تبين أن تطبيق القوانين والأنظمة والإجراءات العقابية الرادعة غائبة عن أجندة إدارة المشفى، لنحيل بدورنا الشكوى برمتها إلى السيد وزير الصحة والجهات المسؤولة عن القطاع الطبي، خاصة وأن "جهينة نيوز" كانت أيضاً شاهدةً على فصل آخر بإهمال أحد المرضى و عدم التدخل الطبي اللازم للتخفيف من معاناته، فأين الأخلاق والضمير في التعامل مع مثل هذه الحالات، ولاسيما مع من يسيء إلى صورة "الجيش الأبيض" التي نقدّرها ونحترمها ونغار عليها، وإلى متى ستظلّ بعض الإدارات تنفخُ في قربة الأزمة المثقوبة لتبرير فشلها وإهمالها وتقصيرها الذي يستنزفُ مقدرات الوطن ويزعزع ثقة مواطنيه بمؤسّساتهم الوطنية؟؟!.


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 محمود
    2/3/2022
    11:37
    الظروف
    في مثل هذه الظروف المصيرية، لا تسال جهينة واي مواطن عن ما يطلبونه من الوطن. بل الوطن بسال عن ما يمكنك تقديمه ياإبني البار...يحق لنا انتقاد أداء الكادر ، ولا يحق لنا التذمر من ضعف الإمكانيات..التحية لكم وللوطن الغالي

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا